رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
63   مشاهدة  

التنمية الصناعية مسار لإعادة رسم خريطة موازين القوة العالمية

شركة انطلاقة
  • د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي



تعني التنمية القطاعية التركيز على تنمية مختلف قطاعات الاقتصاد مثل الزراعة، الصناعة، الخدمات، الطاقة والتكنولوجيا. هذه القطاعات تُعد روافد رئيسية للنمو الاقتصادي، إذ تسهم في خلق فرص العمل، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين الميزان التجاري من خلال تنمية الصادرات.

وتبرز أهمية تنويع الاقتصاد لتفادي الاعتماد المفرط على قطاع واحد، مما يقلل من المخاطر الاقتصادية الناتجة عن تقلبات الأسواق العالمية. التنمية المتوازنة للقطاعات تعزز أيضًا الابتكار وتزيد من قدرة الاقتصاد على التكيف مع التحولات الدولية، مثل التحول نحو الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر.

في العقود الأخيرة، تحوّلت التنمية الصناعية إلى عامل حاسم في تحديد مواقع الدول على خريطة النفوذ العالمي. فلم تعد القوة تُقاس بالثروات الطبيعية أو تعداد السكان فحسب، بل أصبحت القدرة على الإنتاج الصناعي والتطور التقني والبنية التحتية المتقدمة من أبرز مؤشرات القوة الحديثة.

الدول التي استثمرت في الصناعة استطاعت أن تُعيد تشكيل مكانتها العالمية، سواء من خلال النفوذ الاقتصادي أو التأثير السياسي. وخير مثال لهذا النفوذ، وقوة التأثير دولة الصين ، إذ أصبحت مصنع العالم، وتمكنت عبر التصنيع من اقتحام أسواق العالم وتوسيع نفوذها، ولعل السباق بين الصين والولايات المتحدة الامريكية تجلى في الايام الأخيرة الماضية وكان أحدث فصوله الصراع العسكري بين الهند وباكستان والتي نراها معركة صينية امريكية على ارض هندية باكستانية يختبر كل منهما ما وصل اليه من صناعات عسكرية تكنولوجية ليقيم مدى قدرته على بسط النفوذ واحكام السيطرة ، اثبتت الصين بها أن موازين القوة في العالم تغيرت بشكل اسرع مما توقعه الكثيرون.

أما عن المستوى الادنى في مراكز القوة فتعد تجربة تشيلي… نموذج للاستثمار الذكي في الموارد المتاحة لديها

فتعد من النماذج اللافتة في العالم أيضًا تجربة تشيلي، التي أحسنت استغلال مواردها الطبيعية، وعلى رأسها صحراء أتاكاما، لتصبح لاعبًا رئيسيًا في سوق المعادن، وخاصة الليثيوم، وهو عنصر استراتيجي يدخل في صناعة البطاريات والتكنولوجيا الحديثة.

فرغم الطبيعة الصحراوية القاسية لأتاكاما، فقد نجحت تشيلي في تحويلها إلى مركز لإنتاج الليثيوم والنحاس، من خلال شراكات دولية واستثمارات في التكنولوجيا والتعدين المستدام. حتى أنها تعد مسرحا لصراع العملاقة القوتين -الصينية والامريكية- فكلاهما يحاول أن يخطب ودها ليزيد من فرصه للهيمنة على صناعات العالم التكنولوجية .

هذا التوظيف الصناعي الذكي للموارد، مكّن البلاد من تعزيز موقعها الجيو اقتصادي، وربطها بسلاسل الإمداد العالمية في الصناعات المتقدمة.

مصر… خطوات مدروسة نحو نهضة صناعية

في هذا السياق، تمضي مصر بخطى ثابتة نحو تعزيز قدرتها الصناعية، إدراكًا منها بأن الصناعة هي المحرك الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل وجذب الاستثمار. وقد شهدت السنوات الأخيرة مجموعة من الإصلاحات والتشريعات التي استهدفت تهيئة مناخ مواتٍ لنمو القطاع الصناعي.

تشهد مصر اهتمامًا متزايدًا من قبل المؤسسات الدولية فيما يتعلق بفرص الاستثمار الصناعي، في ظل التحولات الاقتصادية التي تشهدها البلاد والإصلاحات الجارية لتحسين بيئة الأعمال. وبينما تبذل الحكومة جهودًا حثيثة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، تبرز آراء وتوصيات صادرة عن جهات دولية كبرى تعكس رؤى متباينة بين التفاؤل بالتطورات الحالية، والتنبيه لبعض التحديات الهيكلية.

ولعل من أبرز الخطوات التي اتبعتها مصر للاحق بركب التنمية الصناعية كقاطرة للسيطرة الاقتصادية والسياسية

إصدار قانون تيسير إجراءات منح التراخيص الصناعية.

توسيع نطاق المجمعات الصناعية في المحافظات.

الاستثمار في البنية التحتية والمناطق اللوجستية.

دعم الصناعة الوطنية من خلال مبادرات مثل “ابدأ”.

فالمناطق الصناعية في مصر… بنية للنمو وأداة للتنمية

تُعد المناطق الصناعية إحدى الأدوات الرئيسية التي تعتمد عليها الدولة لدفع عجلة التنمية الصناعية. فهي توفر بيئة جاهزة من حيث المرافق، والطاقة، والخدمات، ما يُسهل على المستثمرين إقامة مشروعاتهم الصناعية دون أعباء إضافية.

وقد أنشأت مصر عددًا من المناطق الصناعية في مناطق استراتيجية مثل العاشر من رمضان، والسادس من أكتوبر، وبرج العرب، والسادات، وأسيوط الجديدة. كما تم إطلاق مجمعات صناعية متخصصة للصناعات الصغيرة والمتوسطة بهدف دعم الاقتصاد المحلي وتوطين الصناعة في المحافظات.

لكن رغم هذه الجهود، لا تزال هناك تحديات تحتاج إلى معالجة، من بينها:

إقرأ أيضا
سيد الناس

تيسير الإجراءات البيروقراطية داخل هذه المناطق.

توفير خدمات لوجستية متكاملة وربطها بشبكات النقل.

تحسين خدمات التدريب الفني والتقني للعمالة.

تعزيز التعاون مع القطاع الخاص لزيادة الكفاءة التشغيلية.

النهوض بالمناطق الصناعية يتطلب أيضًا وضع حوافز ضريبية وجمركية واضحة، إلى جانب توفير تمويل ميسر للمصنعين الجدد، وخاصة في الصعيد والمناطق الحدودية، لتشجيع التوزيع العادل للنمو الصناعي.

إعادة التوازن في النظام الدولي

في ضوء هذه التحولات، يمكن القول إن التنمية الصناعية لم تعد مجرد مسألة اقتصادية، بل أداة لإعادة صياغة علاقات القوة في العالم. فالدول التي تملك قاعدة صناعية قوية تستطيع أن تتفاوض من موقع الندّية، وتحمي مصالحها في الأسواق العالمية.

إن التنمية الصناعية تمثل اليوم ركيزة أساسية لأي دولة تطمح للعب دور مؤثر على الساحة الدولية. ومن خلال النظر إلى تجارب ناجحة مثل تشيلي في أتاكاما، تتضح معالم الطريق نحو بناء اقتصادات قادرة على المنافسة، وفرض الحضور على خريطة القوة العالمية.

الكاتب

  • التنمية الصناعية د. أحمد حسن عبد الهادي

    د. أحمد حسن عبد الهادي ـ دكتور المالية العامة والتشريعات الإقتصادية والضريبية - زميل الجمعية العلمية للتشريع الضريبي






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان