الثوابت الوهمية (الجزء الرابع: عذاب القبر) 04 – دين الأحاديث

خلال 3 حلقات فاتت شرحنا مصطلح “المعلوم من الدين بالضرورة” وأتعرفنا على الطريقة السليمة للتعامل مع التراث الإسلامي بشقيه (القرآن-السُنة) وأخيرًا “وليس بأخر” بحثنا في القرآن عن أي ذكر لحكاية عذاب القبر ووضحنا بالآيات والتفاسير أن الكلام ده مش موجود، وزي ما أتفقنا في ختام الحلقة التالتة أن اللي شايفين جوانب مش متغطية أو أن الآيات دي مش كافية ومحتاجين زيادة يقولوا.. فهابدء الحلقة دي بمزيد من الآيات “قطعية الثبوت” واضحة المعنى “قطعية الدلالة” واللي كلها تتنافى مع وجود عذاب أو حتى نعيم في القبر.

المزيد من الأدلة القرآنية

الآية 47 سورة الأنبياء بتقول: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ). فياترى ليه فيه موازين وحساب “يوم الحساب” لما الناس أتحاسبت في قبورها وكل حد عرف مصيره؟

ورد في سورة الحاقة (25-26): (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ). واحد بيتعذب على أعماله له ألاف السنين بيتفاجئ بيها من أول وجديد وأفتكر يتحسر يوم البعث؟

مش حابب أطول عن كده، بس وبرضه لسه فيه كتير لو حد عايز يبعت تاني يستفسر ولا يتأكد،  خلونا دلوقتي نرجع لموضوع حلقة النهاردة (الرابعة) وزي ما وعدتكم هنخش عش الدبابير أو أرض الضباب أو مملكة كهنة معسكر السُنة والجماعة….. فـ يلا بينا نخوض المغامرة دي سوا.

كوكب الحديث

زي ما سبق وضحت ده ملعب أهل السُنة والجماعة، بالتحديد كهنة هذا المعسكر، ماحدش يقدر يخش الملعب ده ويكسبهم أو بشكل أدق.. ماحدش يقدر هيقدر يوصل للجمهور إن هو الكسبان.

غزارة الأحاديث وبحور العنعنة وشلالات الجرح والتعديل ومستنقعات الرجال؛ كلها حواجز بتقف عادة حاجز بين الناقد وبين عقول جماهير مسلمة دماغها من البداية للمنافس.. ورافضة كلامه قبل ما يقولُه أساسًا.

نقدر نوصف الأحاديث بكوكب مترامي الأطراف ومالهوش خرايط دقيقة أو حتى متفق عليها.. زيه كده زي الناسخ والمنسوخ اللي سبق أتكلمنا عنه باستفاضة في الجزء التالت “حد الردة“.

بس في الحلقة دي أدعي أني عندي القدرة على دخول ملعب الحديث والفوز على سدنة هذا الكوكب بالشكل اللي يوصل لعموم المسلمين قبل غيرهم من غير المتخصصين.

الأولة: أحاديث “صحيحة” تثبت عذاب القبر

عندنا مثلًا حديث عبد الله بْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ النبيُّ بحَائِطٍ مِن حِيطَانِ المَدِينَةِ، أوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ في قُبُورِهِمَا، فَقالَ: يُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ.
ثُمَّ قالَ: بَلَى، كانَ أحَدُهُما لا يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ، وكانَ الآخَرُ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ.
ثُمَّ دَعَا بجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ علَى كُلِّ قَبْرٍ منهما كِسْرَةً.

فقِيلَ له: يا رَسولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هذا؟

قالَ: لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عنْهما ما لَمْ تَيْبَسَا أوْ: إلى أنْ يَيْبَسَا. (رواه البخاري ومسلم، درجته: صحيح).

إقرأ أيضا

اللي بيحصل في القرى والنجوع.. نتيجة تراث الأزهر بيحميه

فيه كمان حديث عائشة أنَّ النبي كان يدْعو في صلاتِه: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن عذابِ القبرِ، وأعوذُ بك مِن فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ، وأعوذُ بك مِن فتنةِ المَحْيا والمماتِ، اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن المَأثَمِ والمَغْرَمِ، فقال له قائلٌ: ما أكثَرَ ما تَستعيذُ مِن المَغرَمِ؟! فقال: إنَّ الرجُلَ إذا غَرِم، حدَّث فكَذَب، ووعَدَ فأَخلَفَ. (سنن أبو داود، درجته: صحيح)، مش هنخش في جدلية هو النبي بيصلي في الجامع ولا البيت.. ونخش أفيد ع الحديث اللي بعده.

عَندنا حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النبي قَالَ: “إِنَّ العَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَّا المُؤْمِنُ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا”

قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا: أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ – قَالَ: “وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ”. (عند الخاري ومسلم، درجته: متفق عليه).

ده غير حديث عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ بَعْدَمَا غَرُبَتِ الشَّمْسُ، فَسَمِعَ صَوْتًا، فَقَالَ: “يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا” (عند البخاري ومسلم، درجته: متفق عليه)

باختصار كوكب الحديث فيه عشرات الأحاديث المنسوبة للنبي بتأكد على وجود عذاب ونعيم في القبر، فخلونا في الحلقة الجاية نشوف هل فيه أحاديث تتعارض مع فكرة وجود عذاب/نعيم في القبر ولا مافيش.