“الثوابت الوهمية” حد الردة (4) .. مرتدين عاصروا النبي
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الحلقة اللي فاتت اتعرفنا على موقف النبي من حد الردة في أكتر من موقف.. وقفلنا الحلقة بالتساؤل عن موقفه من ارتداد أحد كتبة الوحي، وميعادنا الحلقة دي نتعرف على شخصية كاتب الوحي المرتد وتفاصيل حكايته بالكامل.. وهل هو حالة فريدة ولا فيه غيرها تاني.
حلقات سلسلة
الـثـوابـت الوهـمـيـة
أسلم عبد الله بن أبي السرح بعد الهجرة وقبل صُلح الحديبية وكان يجيد القراءة والكتابة.. عشان كده تم تعيينه ضمن “كتبة الوحي”، في يوم من ذات الأيام الوحي نزل ع النبي بالآية رقم 14 من سورة المؤمنون واللي بتقول: “ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ”.. ابن أبي السرح تعجب من دقة الخالق فقال: “تبارك الله أحسن الخالقين”.. فالنبي قال له: أكتبها فقد أوحيت لي هكذا.
أصيب كاتب الوحي بالذهول وماقدرش يستوعب إنها صدفة.. وشك في نبوة محمد وفكر بينه وبين نفسه: “لو محمد بينزل عليه وحي.. يبقى أنا كمان بالقطُه؛ ولو محمد كاذب.. آديني باعرف أكتب زيه”، قرر أنه يتلاعب بالوحي بقى يغير في بعض الكلمات اللي بيمليها عليه النبي.. يعني مثلًا النبي يقول “إن الله سميعٌ عليم” فيكتبها هو “إن الله عليمٌ حكيم”، ولما تزويره مانكشفش -حسب إدعاءه- كفر بنبوة محمد تمامًا وهرب على مكة ورجع لديانته القديمة.
كمان ماكتفاش بارتداده وعودته لمكة، إنما شرد جامد وسط القريشيين أنه كان بيتلاعب بالوحي، وكل الأخبار دي وصلت المدينة وبلغت النبي وباقي الصحابة.. وأكيد زي ما وصلت من مكة إلى المدينة وصلت لأماكن تانية في شبه جزيرة العرب. وهنلاقي القصة دي موجودة في أهم كتب التفاسير زي مثلًا “تفسير الطبري”، كمان الآية 93-الأنعام بينسب -البعض- سبب نزولها له هو ومسيلمة الحنفي “الشهير بمسيلمة الكذاب”.
استمر بن أبي السرح على موقفه ده لغاية فتح مكة، ولما نادى المنادي: “من دخل بيته فهو آمن ومن دخل بيت الله فهو آمن ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن”.. كان ابن أبي السرح واخد قرار باختيار بيت رابع هو بيت أخوه في الرضاعة، عثمان بن عفان، وأختياره ده كان بسبب أتقال في أكتر من موضع.. منها حديث رواه النسائي وصححه الألباني.
المتفق عليه في التراث الإسلامي أن النبي حط قايمة بأسماء أشخاص يتقتلوا حتى لو كانوا متعلقين في كسوة الكعبة، وزي ما أتعودنا فيه خلاف حوالين عددهم وأسماءهم، بس اسم عبد الله بن أبي السرح موجود في كل الروايات.
عثمان بن عفان طبعًا كان عارف بحوار قايمة الإعدامات.. فلما لقى أخوه مستخبي عنده أخده بنفسه وراح للنبي يتوسط إنه يقبل توبته، بعد كلام ومحايلة وبوس دماغ واستحلاف بالغالي والرخيص عفى النبي عنه وقبل منه البيعة مرة تانية، بس بعد خروج الأخين النبي عاتب أصحابه أنهم مانفذوش أمر القتل أول ما دخل.. فرد عليه الصحابي عباد بن بشر وقال إنه كان مستني منه أي إشارة بعينه وكان هيطير رقبته، فرد عليه النبي بجملته المشهورة: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين.
عاش بن أبي السرح لسنوات بعد وفاة النبي، وقاد جيوش العرب-المسلمين لغزو شمال أفريقيا “إفريقية”.. كما تولى حكم مصر بعد عمرو بن العاص، ما يشي أن قبول النبي لتوبته تبعه قبول مجتمعي له من كبار صحابته.
ابن أبي السرح مش حالة فردية خالص.. فيه أكتر من حالة لأشخاص قابلوا النبي وارتدوا ولم يأمر بقتلهم، وأمر بقتل 2 بس منهم لأسباب مختلفة عن كونهم تركوا الإسلام.. ودول تقدروا ترجعوا لقصتهم بالتفصيل في مقال الصديق إسلام عبد الوهاب، وهو على فكرة أزهري.
ده حتى الأعرابي نفسه كفر، أه والله.. فيه رواية عن أعرابي مر بقوم فيهم النبي وأعلن خروجه من الإسلام، ودي واردة في عدة مصادر منها حيث في صحيح البخاري، أن أعرابي زار المدينة وقابل النبي وبايعه على الإسلام، ثم أصيب بوعكة صحية فزي ما تقولوا كده أتشائم من الموضوع.. فراح للنبي مرة تانية يقوله حلني من بيعتك وساب المدينة ومشي. والنبي لا قتله ولا أهدر دمه ولا أي حاجة.
طبعًا بعد حضرة النبي مافيش حد تصرفاته تُعتبر مصدر تشريع للمسلمين.. بالتالي مافيش فاضل خطوة أعلى من كده غير النص القرآني.
فخلونا نتقابل الحلقة الجاية نشوف موقف القرآن من الردة والمرتدين وعلى أي آيات يعتمد المتمسكين بصحة وجود “حد الردة”، بس رجاءً الناس اللي داخلة جديد وبالصدفة دي أول حلقة يقروها.. ضروري جدًا يدخلوا يقروا الاتفاق.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال