الجنوب التركي: ربع مليون مبنى متضرر ومدينة واحدة ناجية
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
يعيش الجنوب التركي حالة من الخراب بعد أسبوع من الزلازل المدمرة التي ضربت 10 مقاطعات منها كهرمان مرعش التي كانت مركزًا للزلزالَين الأعنف بقوة 7.7 و7.6 ريختر وغازي عنتاب التي كانت مركزًا لزلزالَين بقوة 6.6 و6.4 ريختر؛ مما تسبب في خسائر بشرية وصلت إلى 35 ألفًا ويُحتمل أن تصل الأعداد إلى 70 ألفًا بناءً على بيانات مأخوذة من زلزال 1999، في حين تُقدَّر الخسائر المادية بـ 84 مليار دولار، فوفقًا لآخر إحصائيات وزارة البيئة والعمران تبين تضرر أكثر من ربع مليون مبنى منهم 33 ألفًا تهدموا بالكامل والباقي تنوعت أضراره بين متوسطة وضعيفة.
لكن وسط كارثة الجنوب التركي ظهرت المعجزات ناجون قضوا 7 أيام تحت الأنقاض منهم من اضطر إلى شرب بوله ليحيا ومنهم من أكل زهورًا زرعتها أمه، ومناطق نجت بأعجوبة بلا أي خسائر من زلازل هي الأعنف في تاريخ أوروبا خلال القرن الأخير. نجا من أسعفه حظه بموقع مناسب تحت الركام، لكن المناطق المتاخمة لمركز الزلازل ومرت الكارثة كأنها لا تراها لا يمكن أن يكون الحظ فقط هو ما أسعفها.
أرزين تبعُد 100 كيلو فقط عن مركز الزلزال ولم يسقط منها سوى مئذنة
مدينة “أرزين” بمقاطعة هطاي-مركز الزلزالَين الأعنف- كانت الناجية الوحيدة رُغم بعدها 100 كليو متر فقط عن مركز الزلزال، المدينة الواقعة بين مدينتَي عثمانية ودورت يول المتضررتَين بشدة أمام الكارثة لم ينهار أي من مبانيها، وهو ما علَّق عليه رئيس البلدية “أوكش الماس أوغلو” في حوار مع الـ BBC Türkçe “في أرزين لا يُسمح ببناء مبانٍ أكثر من أربعة أو خمسة طوابق ومعظم المنازل مكونة من طابقين فقط، خلال الزلزال لم ينهار أيًا من مباني المدينة فيما عدا مئذنة أحد المساجد العتيقة؛ ربما لهذا السبب أو لأسباب جيولوجية أخرى اقتصرت خسائر الزلزالين على تضرر بعض البنايات فقط دون انهيارات. على مر السنوات تلقَّينا طلبات المواطنين لبناء أدوار أعلى من المنصوص عليه لكنها قوبلت بالرفض ونلاحق المباني المخالفة، بعد الكارثة الأخيرة أعتقد أنه يجب تفعيل هذا القانون في جميع أنحاء تركيا وتطبيق العقوبات بصرامة”.
فيما أفاد “علي يلديزل” مهندس الجيوفيزياء أن نجاة أرزين من الزلزال لها أبعاد تتعلق بجغرافية الصفيحة الأرضية التي تحملها، فمن حسن حظ المدينة أنها تقف على البقعة الأكثر استقرارًا من تلك التي تحت المدن المجاورة، إضافةً إلى أن المباني منخفضة الارتفاع أكثر ثباتًا أمام الاهتزازات الأرضية.
مستشفى “دورت يول” بـ هطاي ينجو بفضل 341 عازل زلزالي
أرزين لم تكن الوحيدة التي خرجت بلا خسائر فعلى بُعد 8 كيلومترات فقط بمقاطعة “دورت يول” يقف المستشفى الحكومي الذي لم يُكمل عامه الأول في الخدمة، على مساحة 9100 متر مربع ومكونًا من ثلاثة مباني أساسية ويحمل 400 سرير نجا دون أي خسائر، لم ينكسر لوحًا واحدًا من الزجاج الذي يغطي واجهة المستشفى.
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات من قلب المستشفى تُظهر الاهتزازات الداخلية وسط حالة الفزع التي أصابت المرضى والطاقم الطبي بأكمله، فيديو مثل عشرات غيره تداولها الآلاف موثِّقين حجم الكارثة التي أصابت المقاطعة، لكن الفيديو أظهر واقعة مُتسغربة حيث لاحظ الكثيرون أن الاهتزازات داخل المستشفى كانت أخف وطأة من تلك التي أصابت المدينة المنكوبة.
الأمر الذي أثار التساؤلات حوله: لماذا لم يتدمر المبنى كحال المئات حوله؟ ولماذا تعرض لاهتزازات أخف؟ وهو ما أوضحته فيديوهات أخرى من داخل الطابق الأرضي للبناء تُظهِر 341 عازل زلزالي يحمل الطوابق أعلاه؛ مما جعل البناية العملاقة تتأرجح بقدرٍ أقل وبمعزل عن الاهتزازات الأرضية العنيفة التي شهدتها المقاطعة.
العوازل الزلزالية من أكثر تقنيات الأمان انتشارًا حول العالم إلا أن تكلفتها العالية التي تصل إلى 15% من تكلفة المبنى نفسه تجعلها غير متاحة إلا للميزانيات الضخمة؛ فلا يوجد أيًا من المباني بالمقاطعات المنكوبة تم تشييده على العوازل سوى ذلك المشفى حديث البناء، لكن بعد الكارثة الأخيرة تصاعدت الأصوات المطالبة بتنفيذ التقنية في المؤسسات المُعاد إعمارها مستقبلًا، تلاشيًا لفقدان المزيد من الأرواح في تلك البقعة المعرضة للزلازل.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال