الجن في الثقافة العربية

عرف العرب الجن قبل معرفتهم بالإسلام فـ الجن جزء من الثقافة العربية الشعبية الموروثة، ومن فنهم أيضاً، حيث اعتقدوا بوجود وادي أطلقوا عليه (وادي عبقر) وفيه يسكن الجن.

اقرأ أيضًا 
عفوا.. الجنة ملكية خاصة

ولكن، ليس أي جن، أنه الجن الفنان الذي يوحي لعظماء الشعراء القصائد، فـ لكل شاعر شيطان يلقنه الدرس كـ لافظ بن لاحظ الجني الذي يلقن امرؤ القيس.

لافظ ولاحظ يبدو الاسم  كـ كناية أو مجاز.

وبعيدًا عن اللغة، والإلهام فـ للجن منافع أخرى عن العرب، خاصة عند العربيات.. حيث كانت النساء حين تمارس العادة السرية تظن أنها تستحضر جن يشارك في مضاجعتها.. لعل ذلك ما خلق أسطورة الجن النكاح.. حتى أن بعضهن كن ينسبن أبناء الخطيئة إلى الجن.. فظهر ما يعرف بـ ابن الجن أو ابن الجني.

أما مع ظهور الإسلام، والرسالة المحمدية لم تنفِ وجود ذلك العالم الغيبي أو تتجاهله. بل عملت على تدعيمه من خلال القرآن والسُنة..

فـ في القرآن سنجد صورة كاملة بعنوان (الجن) وفيها استمع نفر من الجن للقرآن فآمن به هو وقومه.

ويبدو أن الجن أنواع مختلفة، فـ هذا نفر من الجن، وعند سليمان الحكيم عفريت من الجن يتفوق عليه من عنده علم الكتاب، «قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)»

وهكذا فإن الجن في القرآن يستمع للقرآن ويؤمن به، ويشارك مجالس الأنبياء ويعمل على خدمته.

وفي السُنة حكايات أخرى عن الجن.. أعتقد أن أهمها واقعة مقتل الصحابي سعد بن عبادة..

انظر إلى تلك الواقعة بعين العقل، انظر وفكر وتدبر:

يحكى أنه بعد وفاة محمد طمع سعد في أن يتولى الخلافة بعد الرسول ولكن الناس لم يبايعوه وبايعوا أبا بكر الصديق بعد الرسول.

وتولى الخلافة من بعد أبى بكر الصديق عمر بن الخطاب، ولم يكن لسعد مكان في الخلافة حتى من بعد أبى بكر.

وعند لقاء «سعد» عمر بن الخطاب في أول خلافته قال له، يعنى أبا بكر: كان والله صاحبك أحبّ إلينا منك، وقد والله أصبحت كارهًا لجوارك.

فقال له عمر: من كره جوار جاره تحول عنه.

فقال له سعد: أنا متحول إلى جوار مَن هو خير منك.

فلم يمكث سعد طويلاً حتى رحل إلى الشام في أول خلافة الفاروق. مكث سعد في أرض حوران بالشام، حيث يُقال إنه قد بال في نفق كان منزلاً للجن. ومن فوره اخضرّ جلده ومات.

إقرأ أيضا

قطة مي كساب وعصر طقاطيق عزيز الشافعي

وقد سمع بعض الغلمان الجن تصيح بعد قتلها سعد: نحن قتلنا سيد الخزرج «سعد بن عبادة» ورميناه بسهم فلم نخطئ في قتله.

وبعيداً عن تخيلك للحكاية، وبحثك حول المستفيد الأول من مقتل سعد؟ وشهادة الجن أنفسهم وفرحتهم ومعرفتهم بما فعلوه..

والجن أيضاً في السُنة قادر على مس الإناث (أو بالبلدي يلبسه).. بحسب ما جاء في حديث ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبي، فقالت: «يا رسول الله، إن ابنى هذا به جنون، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا»، فمسح الرسول صدره ودعا له، فتع تعة، فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفى.

وفي حديث آخر عن عثمان بن العاص يقول «لما استعملني رسول الله، على الطائف، جعل يعرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدرى ما أصلى.
فلما رأيت ذلك، رحلت إلى رسول الله، قال: ابن أبى العاص؟
قلت: نعم يا رسول الله. قال: ما جاء بك؟
قلت: يا رسول الله، عرض لي شيء في صلواتي، حتى ما أدرى ما أصلى.
قال: ذاك الشيطان ادنه. فدنوت منه. فجلست على صدور قدمي. فضرب صدري بيده، وتفل في فمي، وقال: أخرج عدو الله! ففعل ذلك ثلاث مرات. ثم قال: الحق بعملك.

وهكذا يخرج الجن من جسد الإنسان.. ولكن، كيف يخرج من رأسه؟

حتى اليوم يطل علينا من يتساءل: هل يمكن جماع الجن؟ أو.. بداخلي جن: أنا ملبوس.. ماذا أفعل؟
غير أن السؤال الأغرب على الإطلاق، حين اتصل أحدهم على الهواء بشيخ يسأله: “هل يجوز أكل لحم الجن أم لا؟”.
وكان رد الشيخ صادقًا وتلقائيًا وقاطعًا بيقين: “لو لقيت جن ادبحه وكُله.. حلال عليك”..