الحج المسيحي إلى القدس.. كيف تطور من الشعيرة الدينية إلى ذريعة حرب صليبية؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
كانت العصور الوسطى هي أبشع مرحلة مرت على التاريخ الإنساني، نظراً لتخلف أوروبا الذي دفعها إلى غزو كافة البلاد بهدف استعمارها، وكان الحج المسيحي إلى القدس عنواناً لبداية غزو الشرق، حيث كانت المسألة مختلفة بعض الشيء مع تلك المنطقة، فالهدف وإن كان استعمار لكنه أخذ شكل ديني، وبلغ مجموع المؤرخين الذين كتبوا عن القدس 32 شخصاً، نصفهم تكلم عن الحج هناك، وارتباطه بمدينة بيت المقدس كون أنها الجنة الأرضية بالنسبة للكاثوليك آن ذاك.
لم يفرض الإنجيل الحج إلى القدس على أنه فريضة دينية، لكن العهد القديم جعل تلك البقعة مكاناً مقدساً كون أنها المنطقة التي شهدت حياة المسيح عليه السلام، مما يعني أنها طاهرة وتساعد في تطهير الإنسان من ذنوبه.
على مر التاريخ كان الحج المسيحي إلى القدس قد أخذ 4 جوانب كلها خضعت للتغير والتطور نتيجةً للحروب الصليبية، فالمرحلة الأولى منذ نشأة المسيحية حتى القرن الثالث الميلادي، كان الحج إلى القدس نادراً، ليس لعدم وجوبه وإنما للظروف الاقتصادية التي كان يعاني منها المسيحيين في أراضي الإمبراطورية الرومانية.
مع عهد قسطنطين تم الاعتراف بالمسيحية ديانة رسمية للدولة الرومانية، وقامت القديسة هيلانة ببناء كنيسة القيامة سنة 328 م، فزادت رحلات الحج إلى القدس وأقام هناك رموز دينية كبيرة مثل القديس جيروم.
ومع العهد الإسلامي كانت المرحلة الثالثة لرحلة الحج المسيحي إلى القدس حيث شهد طفرة كبيرة سرعان ما انتكست نتيجة للصعوبات السياسية والاقتصادية في أوروبا من جهة، بالإضافة لصراعات الإمبراطوريات الإسلامية المختلفة مع الدولة الرومانية، لكن ستيفين رونسيمان، مؤرخ الحضارة البيزنطية أكد عدم ثبوت حالة منع واحدة من قِبَل المسلمين لعملية الحج إلى القدس.
خلال القرنين العاشر والثاني عشر الميلادي، كانت المرحلة الرابعة والتي كانت أهم تطور في مسار تاريخ الحج إلى القدس، حيث ظهرت المدن التجارية التي أدت إلى انحسار المسلمين في البحر المتوسط وسهولة المرور عبر الطريق البري من القسطنطينية، فضلاً عن تدخل الكنيسة في الحج حيث اعتبرته بمثابة تكفير للذنوب.
يعطي بحث المؤرخ جاسم الحيدري نموذجًا من دور الكنيسة في الحج إلى القدس؛ إذ قال ” سعت البابوية في روما لتتبوَّأ منصب السيادة الدينية والدنيوية، كل هذا جعل القدس تحتل مكانةً متفوقة على روما نفسها فاستغلت الباباوية هذه المشاعر لتعكس نفوذها على المجتمع الأوروبي، وبالتالي تم الإتجار بالحج إلى القدس من أجل شن الحملات الصليبية”.
يدلل هذا الكلام خطبة البابا أوربان الثاني في المجمع الكنسي بكليرمونت والذي نادى بتحرير القدس من المسلمين، فأثار خطابه حماس المجتمع الاوربي بمختلف طبقاته حتى صارت الحروب الصليبية كارثة دمرت أوروبا نفسها.
إقرأ أيضاً
كتاتيب المسيحيين في مصر .. المسلمون كانوا يتعلمون بها
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال