الحرب الباردة بين “السادات” و” جولدا مائير”
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ـ رجل الظل وحكم مصر
ـ إسرائيل : السادات ضعيف وليس في قوة جمال عبد الناصر
ـ بعد تصريحات السادات : حلول دولية لوقف شرارة الاشتعال في الشرق الأوسط
ـ الجنرال” سعد الشاذلي” ونقطة التحول في استعدادات الجيش المصري
ـ إسرائيل آمنة خلف خط الدفاع
ـ طائرات روسيا التي رفضها السادات
ـ المخبر السري .. أشرف مروان
ـ وثيقة سرية وعبور القناة
هل كان يمكن تجنب حرب أكتوبر واسترداد الأرض بالحلول الدبلوماسية، يمكننا الإجابة على تلك التساؤل إذا ما عدنا بالتاريخ إلى وقت وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وتولية الرئيس محمد أنور السادات حكم مصر وكواليس تلك الفترة.
رجل الظل وحكم مصر
في شوارع القاهرة 28 سبتمبر عام 1970م خرج آلاف المواطنين يبكون رحيل الزعيم جمال عبد الناصر بعد 18 عامًا من الآمال والطموحات في تكوين أمة عربية موحدة، و وطن علماني به مظاهر التمدن الحديث، لكن تاريخ الأوطان لا يقف على شخص أو فكرة. ففي الأول من أكتوبر عام 1970م وقف رجل الظل ” السادات” أمام البرلمان المصري ليتسلم مهمته الجديد خلفًا لعبد الناصر.
وأمام التغيرات السياسية الحادثة لم يكن يشغل بال المواطنون سوى سؤلًا وحدًا هل يستطيع الرئيس الجديد الذي شهد الحرب ضد الإنجليز في الأربعينيات وثورة يوليو وتأميم قناة السويس عودة سيناء بعد احتلالها إثر نكسة 1967م ؟
بعد نكسة 1967 كان الوضع الاقتصادي في مصر كارثي، والسادات يدرك ذلك، لكن آماله وأهدافه كانت واضحة، ونجملها في؛ استرداد الأرض أولًا وعبور قناة السويس واستعادة السيادة المصرية على سيناء مرة أخرى، وفي لقاءات تلفزيونية عدة تحدث” السادات” عن تلك الفكرة، و أنه لن يتنازل عن شبر واحد من أرض مصر و لو اضطر إلى استخدام القوة .
إسرائيل : السادات ضعيف وليس في قوة جمال عبد الناصر
القدس 1 أكتوبر 1970: في الوقت الذي يقف فيه السادات أمام البرلمان المصري ليتولى مهمته الجديدة، تتسائل جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل من هو السادات الذي يستعد ليكون خلفًا لعبد الناصر ، وهل يخطط لاسترجاع سيناء بالقوة؟
الإجابة جاءت من جميع جهات الاستخبارات الإسرائيلية، وكان مفادها أن “السادات ” شخص بلا أهمية ، وليس لديه أفكار كثيرة، ومن المتوقع أن يُستبدل بسرعة بشخص أكثرة قوة، فتعين” السادات”ـ بعد تقارير الاستخبارات ـ لم يثير أي قلق بالنسبة لجولدا مائير البالغة من العمر 73 سنة كونه لا يتمتع بقوة عبد الناصر.
بعد تصريحات السادات : حلو دولية لوقف شرارة الاشتعال في الشرق الأوسط
صراحةً أعلن” السادات” أنه لن تتنازل عن حبة رمل واحد من سيناء، بل مستعدًا لاستخدام الحرب لاسترداد الأراضي المصرية المحتلة، في المقابل استمع ” غونار يارنج” مبعوث الأمم المتحدة في المنطقة في تلك الفترة تلك التصريحات، بالتالي إذا ما قرر الجانب المصري الحرب فإن المنطقة بأسرها ستشتعل مرة أخرى.
وفي نيويورك 8 فبراير 1971م بعث” يارنج” برسالة مماثلة من مقر الأمم المتحدة إلى البلدين تتضمن اقتراحات مفادها انسحاب إسرائيل من سيناء وفي المقابل مصر تضمن حرية الملاحة في قناة السويس وعدم شن أي حرب، والشروع في محادثات سلام جدية، وردًا على هذه الاقتراحات فجرت القاهرة مفاجاءة استغربتها إسرائيل بل لم تتوقعها من قبل الرئيس المصري.
تسلمت القاهرة الاقتراح باهتمام لمعرفتها بأن الحرب مغامرة عسكرية بجيش ليس مستعدًا لأي حروب في سيناء ، لكن قبل ” السادات ” اقتراح ” ياريج” معتمدًا فلسفة استلام سيناء على مراحل دون حرب، واعتبرت الأمم المتحدة رد “السادات” الإيجابي خطوة تاريخية من الجانب المصري، فهي المرة الأولى التي يعلن فيها زعيم عربي أنه مستعد لاتفاق مع إسرائيل .
في إسرائيل لم تتصور ” جولدا مائير” أن يتخذ الجانب المصري تلك الخطوة المماثلة، وعلى الفور اجتمعت بأقرب ثنائي إليها في الحكومة الإسرائلية بشكل ودي في منزلها وهما” يسرائيل جليلي” مستشارها الأوفى و “موشيه ديان” وزير الدفاع الإسرائيلي في تلك الفترة، وفي هذا الاجتماع اتخذت”جولدا” قرارها لمصلحة إسرائيل.
وكانت تصريحات الثلاثي السابق على عكس الجانب المصري، فقال :”يسرائيل جليلي” أنه لا يمكن العودة إلى حدود ما قبل 1967م، في حين قال : موشيه ديان” وزير الدفاع الإسرائيلي أن موقفهم العسكري وتفوقهم يجعلهم يقررون حدود إسرائيل الجديدة. أمّا عن ” جولدا” فقالت أنه لابد من اجتماع رسمي مع الحكومة حتى لا يُقال أننا نقف أم السلام في المنطقة لأحافظ على الأراضي. وكان قرارها الشخصي على أي حال و الذي اعترفت به في وسائل الإعلام المختلفة أنها تريد سيناء منطقة معزولة السلاح لتأمين أمن إسرائيل،كما تريد الاحتفاظ بمنطقة هضبة الجولان في سوريَا والقدس والضفة الشرقية، وأكدت على أن وقوع الحرب ضئيل جدا لاسترداد تلك الأراضي.
الجنرال” سعد الشاذلي” ونقطة التحول في استعداد الجيش المصري
في الأول من مارس عام 1967، خرج آلاف المتظاهرين في شارع مصرف وكان معظم المتظاهرين من طلبة الجامعات والمعاهد العليا فيمَا عُرفت بمظاهرات التلامذة. بعد فشل السادات في استرجاع الأرض بالتفاوض ورفض الجانب الإسرائيلي الحلول السلمية، وأمام غضب الشعب ورفض إسرائيل التفاوض قرر السادات تغير استراتيجيته فاختار القوة ولا شيء غيرها لاستعادة سيناء، وقال أن عودة سيناء مسألة كرامة بالنسبة للمصريين.
أراد ” السادات ” أن يغير المعادلة العسكرية على الأرض ليبدأ بأسرع وقت ممكن باسترداد الأرض كبرى وشن حرب عسكرية ، ومن بين تلك الخطوات كانت تعيين الجنرال ” سعد الشاذلي” رئيسًا للأركان في 16 مايو عام 1971م، وكانت مهمته تتلخص في وضع خطة هجوم، فقد كان” الشاذلي” ضابطًا بارعًا وعلى دراية كاملة بأسلوب إسرائيل في الحرب، ولما لا وقد شارك في كل حروب العرب ضد إسرائيل بداية من حرب 1948م في فلسطين وحتى نكسة يوليو 1967م.
وافق” السادات” على خطة” الشاذلي” التي اعتمدت على أن القوات يَجِبُ ألاّ تغوص عميقًا في سيناء وعلى درع من الصواريخ المضادة للطائرات أن يؤمن الحماية للجنود فلا يتمكن سلاح الجو الإسرائيلي من إلحاق الهزيمة بهم، وكان وضع الجيش بعد تولية “الشاذلي” بأفضل حال حتى أنه قال في تصريحات عدة إن قواته مستعدة لأي حرب مؤكدًا أنهم منتظرين موافقة السياسيين لعبور خط بارليف واسترداد سيناء .
إسرائيل آمنة خلف خط الدفاع
وراء خط دفاعها تقبع إسرائيل بلا قلق جراء تصريحات السادات، فمصر لا تجرؤ على الحرب بعدما حدث لها في 1967م ، وكانت إسرائيل قد تأقلمت على حياتها في المستوطنات مؤمنة إيمان كامل بفكرة إسرائيل الكبرى. وبات دخولهم سيناء أمر مفروغ منه حتى أنهم يقضون أوقاتهم على شواطئ شرم الشيخ وكأنها أرضهم لا يشاركهم فيها أحدًا.
طائرات روسيا التي رفضها السادات
في موسكو في الأول من فبراير عام 1972م ، التقى الرئيس ” السادات” بنظيره الروسي ” ليونيد بريجنيف” في زيارة مهمة استغل فيها” السادات” الكرملين لمساندته بالأسلحة لتجهيز الجيش بأنواع جديدة من الأسلحة، وبعد اللقاء توترت الأجواء بين الكرملين والبيت الأبيض كون أمريكا حليفة إسرائيل الوفية فيمَا بتلك اللقاء اتخذ الجانب الروسي صف مصر وزودتها بالأسلحة المطلوبة عدا طائرات” الميجا” واشترط ” بريجنيف” أنه لا يمكن للجانب المصري استخدامها دون موافقة الحكومة الروسية. واجه السادات ذلك بالرفض وقال إن مصر سيدة قرارها، ولا نريد طائراتكم.
المخبر السري .. مروان أشرف
15 فبراير 1972م تذهب “جولدا مائير ” على وجه السرعة إلى مقر الموساد في سرية تامة حيث حصل الموساد على وثيقة من مصادر مقربة من “السادات “، وكانت الوثيقة محادثة جرت بين ” السادات” و”بريجنيف”، وفي الوثيقة يقول” السادات” أريد أن أشن هجومًا على إسرائيل واسترجاع سيناء ولكن لا أستطيع فعل شيء طالمَا لا أسيطر على المجال الجو فوق سيناء لذلك أطلب منكم طائرات حديثة يمكننا التفوق بها على الجانب الإسرائيلي، كان هذا مفاد الوثيقة الأولى التي حصلت عليها إسرائيل من عاميلها في القاهرة.
وثيقة سرية وعبور القناة
لم تتفاجاء “جولدا ” لمعرفتها أن “السادات” يستعد للحرب وهذا ليس كل شيء فقد تلقت وثيقة أخرى كانت لها التأثير الساحق نفسه، و تبين لهم من خلال الوثيقة أنهم يخططون لعبور القناة حتى مناطق سيناء الواقعة على بعد 40 او 50 كيلو من القناة، هذه المعلومات السري لن يعرفها شخص بسهولة إلا إذا كان مقربًا بشدة من السلطة بحيث يستطيع الاطلاع بنفسه على تلك الوثائق من يا ترى هذا الشخص؟.
إنه مخبر يتربع على قمة النظام المصري قادر على قراءة الوثائق التي يوقعها السادات بنفسه ذلك المخبر يدعى “أشرف مروان”. بدأت قصة أشرف و إسرائيل في ربيع عام 1969م في لندن، يقول ” رافي ايتان” مسؤول الموساد في لندن أنه في إحدى الأيام جاء رجل إلى سفارتنا في لندن و طلب أن يقابل شخص من الموساد وبالنسبة للموساد هذا العميل استثنائي إذ بزواجه من ابنة جمال عبد الناصر دخل مروان نخبة السلطة المصرية، ثم بعد ذلك أصبح احد المستشارين للسادات، و بالتالي اعتبرته إسرائيل عميلها الأمين.
بعد كل الأحداث هل استعدت مصر إلى الحرب؟ أين الدور الأمريكي في تلك المعركة الباردة، وهل تستمر روسيا في تقديم الدعم لمصر هل انتهت الحلول الدبلوماسية لمعركة هي الأهم في تاريخ الشرق الأوسط الحديث؟ ن،جيب عن تلك الأحداث في تقرير قادم .
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال