رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
522   مشاهدة  

الحظر والوحدة وما بينهما

زمن والوحدة وما بينهما


عزيزتي جيجي

هذا زمن طويل من البعد،  أذكر أنه منذ تعارفنا لم تمر كل تلك الفترة بلا تواصل، لماذا في رأيك عزّ الوصل؟ تُراها الجائحة التي عزلتنا ومنعت عنا دفء العناق وفرحة اللقاء؟؟

الوقت يمر من ممر شديد الضيق ينساب ثانية تلو الأخري، أهيم فى البيت أتفحص أركانه، تؤذيني رؤية الأتربة فانطلق أنظف وأُلمع، تلتهمني التفاصيل، تتركني واهنة العظم، ولا يمر الوقت.

البُعد يزيد الاشتياق، وينزع الدفء، يتركنا ضِعاف مهزومين، أسري الهلاوس والأفكار السوداء، نضع أرواحنا بين شقي الرحي.

الخوف يتسلل إلي فراشنا، كلنا خائفون

هل تعرفين يا جيجي إننى  حين أخرج إلي الشارع أرى الناس  تسير فى شوارع مزدحمة، أختنق من التلصص، تغزوني الملامح، تنطبع في ذاكراتي حتي بات كل فرد ألتقي به أشعر انني أعرفه رغم أنني لم أُصادفه من قبل.

إننا نعيش وحدة صرفة، وفي ذا الوقت نعيش زحامًا حد الاختناق، هذا التضاد صنع ثقبًا في الروح، يبدد الطاقة، أجلس وحيدة لا رغبة بي إلي تواصل، لا طاقة لصنع ابتسامة، ولا قوة لبناء أمل.

لا أتهرب من عار البعد، لكنني أحاول معك لتفهم سبب ابتعادنا عن من نحب؟

لماذا لا يمكننا تعاطي المحبة رغم قُبح الحياة؟

يا جيجي

قد تكون الجائحة كشفت ضعفنا وقلة حيلتنا في مواجهة المرض، لكننا اكتشفنا أيضًا، إننا صرنا نميل إلي العُزلة،  ثم بعد قليل نصرخ من الوحدة، لقد صرنا منقسمين علي ذواتنا بشكل لا نفهمه.

نجلس فى مقعد المراقبين، فهل اعتادنا التلصص؟ أم أن مجتمع يحجر علينا ويقتل فينا كثير من الجمال، هذا المجتمع صفنا في صفوف القيد.

نضيق من التلصص ثم نُظبِط متلبسين به، لكن تلصصنا عاجز لا يصنع وصلًا أو مساندة.

أولى كلمات جوني ديب بانستجرام عن الحظر ..غير مسموح لكم بالملل!

نقود سياراتنا ونحن نراقب السيارات الأخري، خوفًا من أخطائهم، وتلصصًا عما يقومون به في أوقات القيادة.

البحث عن رجل

هل تعرفين يا جيجي

أنني رغم الوحدة والصمت اللذين صرتُ جزءًا منهما، فأنا أشتاق المقهي، أتلهف لعناق، ولصُحبة تفيض بالضحك.

أستخرج أفكاري ومواقفي من الحياة والناس وأُفكر، أُراجع الحياة كم هي حالة عبثية.

أسئلة عدة معلقة فى البيت، ما هو الأهم الصحة أم المال؟ الصُحبة أم الوحدة؟

هؤلاء الذين لم تُغنهم أموالهم، وباتت الصحة عزيزة المنال، والفقراء الذين لم يجدوا المال أو الصحة، الرفاق الذين يؤذوننا، ويكسرون خاطرنا، والوحدة التي تنهش فى الروح.

لا شيء مُفَضَل علي الدوام ولا اختيار أبدي.

يا جيجي

قد تكون جائحة الكوفيد19 بتفاصيلها حالة عبثية، لا تصلها أشد الأفكار الفانتازية لكاتب، لكنها صارت واقع نعيشه، لنُعيد قراءة أنفسنا واكتشاف الوقت والرفقة.

إقرأ أيضا
الذكاء الاصطناعي

الحظر يحول هاملت إلى فتاة على مسرح شكسبير!

كنت أسمع جدتي تقول “إن جالك الغصب خده رضا” مرات عديدة حاولت صبغ معان فلسفية للمثل الشعبي، حتي صرت فى فرن التجربة، حبيسة البيت، شحيحة الدخل، وحيدة من الرفقة.

أقول لك سرًا؟

هل تعرفين يا جيجي إنني تعلمت أهم دروس الحياة من التصوير؟ زاوية الكاميرا وكيف نري جزءًا من الحقيقة، هذا لا يعني زيفًا، ولا انتقاصًا لكنها مجرد زاوية.

إنني الآن أستمع لكلمات جدتي فى أُذني، وأجعل من عيني كاميرا وأقف فى مواضع مختلفة لأُطل علي ما نحن فيه، وقد قررتُ القتال بسلاح الأمل والتفاؤل.

إنني أرغب فى طعام صحي سأقوم بطهيه، وليس لأنني أُرشد نفقاتي، أو أنني أخشي عامل التوصيل والعدوي.

لدي عشرات الكتب التي لم أقرأها، والأفلام التي لم أُشاهدها وسوف أخصص وقتي لذلك، وليس لأنني حبيسة البيت، أشتاق لك ولكل الأصدقاء، لكن البعد يكشف عمق العلاقة وقوتها، ويزيد المحبة.

أكره القبح والزحام فلازمت بيتي قدر المستطاع ولستُ أفعل ذلك خوفًا من العدوي.

هكذا سيمضي الوقت، وسيأتي زمن الوصل، سنجلس مرة أخري لنضحك، ونتبادل النكات، سنتذكر تلك الأيام التي خلت من عناق زائف مضطرين له، ونحمد الله أننا نجونا من نفاق كان يؤذي أرواحنا، ونعيد تقييم الأصدقاء والدوائر، سيسقط الزائفون، ونتخلص من الزوائد، وحتي إن كان هناك وزن زائد سنمشي لأيام عديدة فى ظل الشجر، وسمر الصحبة، ونضحك علي هذه السمنة ومقاساتنا التي زادت، وستكون ملابسنا الغير مناسبة مصدر سعادة لآخرين تناسبهم.

في الحظر .. ضفادع داخل رأسي!

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان