“الحكومة في العمارة” مراحل نقل وزارات مصر من الوحدات السكنية لمبنى خاص
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وصل العمل الحكومي في الصدام مع الناس بالقاهرة وبعض الأقاليم إلى نقطة اللاعودة، ليس بسبب البيروقراطية فقط؛ وإنما لأن المصالح الحكومية أحدثت أزمة سكانية كانت الأسوأ خلال مطلع ستينيات القرن الماضي.
الحكومة في العمارة وما قبل أزمة مطلع الستينيات
كانت الوزارات في مصر لها مقار خاص بها، لكن أفرع الوزارة نفسها كان لها مكاتب موزعة على العمارات السكنية، ووصلت عدد غرف العمارات السكنية التي استخدمتها الوزارات الحكومية في مصر إلى 30 ألف غرفة في 100 عمارة بالقاهرة و13 ألف غرفة في الأقاليم؛ وكانت الدولة سنويًا تدفع 7 مليون جنيه إيجار لهذه الوحدات والتي تحولت من مساكن شعبية إلى مكاتب للمؤسسات والمصالح الحكومية.
اقرأ أيضًا
الجلابية والبدلة في العمل الحكومي .. قصة ثنائية أزياء الموظفين التي حسمها عبدالناصر
بقراءة رقمية لمؤسسات الوزارات حتى عام 1964م نجد أن وزارة الصناعة أصبحت لها مكاتب في 8 عمارات سكنية، بينما شغلت وزارة الإسكان مكاتب داخل 6 عمارات فيما استحوذت وزارة التخطيط على عمارة طويلة، وصارت المؤسسات العامة التابعة لوزارة المواصلات تشغل 14 وحدة سكنية، فيما شغلت مكاتب وزارة الداخلية 19 عمارة، ووزارة الاقتصاد في 12 عمارة، والخزانة في 8 عمارات، بينما وزارة التربية والتعليم شغلت مكاتبها 9 مباني ووزارتي الثقافة والإرشاد القومي 15 عمارة، وكان للتعليم العالي 5 عمارات.
مكمن الأزمة هنا لم يكن متمثلاً في وجود المؤسسات الحكومية يمنع 17 ألف أسرة من السكن، إنما لأن أصحاب العقارات بدأوا يتملموا من عدم قبول الحكومة بارتفاع أسعار الإيجار فيقرر صاحب العقار طرد الحكومة من العمارة لتقوم الوزارة بعدها بالاستيلاء على العمارة بوضع اليد أو دفع خلو رجل ضئيل، مما دفع عدد من ملاك العمارات برفع قضايا على الحكومة.(1)
الطريق إلى إلغاء عمل الحكومة في العمارة
استدعت تلك الأوضاع الرئيس جمال عبدالناصر أن يصدر في 13 فبراير 1961م قرارًا جمهورًا يقضي بوضع برامج كاملة لإقامة مباني حكومية تتبع الوزارات في مدينة نصر وإخلاء المباني المؤجرة خلال 3 سنوات (أي سنة 1964م) وهو ما لم يحدث.(2)
لم يكن سكن الحكومة في العمارة بناءًا على التعمد وإن كان موجودًا وإنما يرجع لإنشاء وزارات جديدة ومؤسسات عامة تضاعف على إثرها عدد الموظفين في أجهزة الدولة وترتب عليه توسع في التوظيف والخدمة، وحاولت الدولة منذ عام 1952م بناء سلسلة من المباني الحكومية فأسست مجمعات للشرطة والبريد ووزارة التخطيط ومبنى للجهاز المركزي للمحاسبات وجهاز الإحصاء بتكلفة 3 مليون و790 ألف جنيه، وكان مقررًا في عام 1966م بناء 5 مباني لوزارات الصناعة والتعليم العالي والشباب والخزانة فضلاً عن مصلحة الأحوال المدنية بتكلفة 3 مليون و350 ألف جنيه.
ومع مطلع سبعينيات القرن الماضي انتهى بشكل نهائي العمل الحكومي من داخل العمارات والوحدات السكنية وصارت على النحو القائم الآن.
(1) سعيد حبيب، 17 ألف أسرة ستجد مساكن خالية إذا تركت المؤسسات العمارات التي تشغلها، جريدة الأخبار، 2 أكتوبر 1964م، ص3.
(2) سعيد نعمة الله، الحياة بدات فجأة في مدينة نصر، مجلة آخر ساعة، عدد 1373، يوم 15 فبراير 1961م، ص37.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال