الحياة الجديدة هناك
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الليلة الأولى كنت في حالة من الخوف، فأنا أهاب المجهول، وهنا مجهول بالنسبة لي.
المكان غير نظيف بالمرة، التراب بكل مكان. يحاولون إقناعني أنهم نظفوا الغرفة قبل مجيئي، ولكني أراها قذرة جدا.
لا أجد مكانا نظيفا أضع فيه بعض كتبي، حيث لم أستطع أخذ مكتبتي كلها معي، ولا أعلم كم ستستغرق رحلتي هنا.
الليلة الثانية كنت على موعد مع شاب لطيف، سألني عدة أسئلة عن نفسي، جاوبت على أكثرها. بعضها كان لطيف، والبعض الآخر كان شديد السماجة.
أزعنت و أجبت فقط لأنني وجدته وسيمًا. تخيلت نفسي معه في كل الأوضاع، وتخيلت مرة أن له جناحان وأخذني لاستكشاف السماء
المكان قذر للغاية، لا تنظف العاملة كما أنظف في بيتي.
الليلة الثالثة كانت محتملة، الرابعة لطيفة، الخامسة ظريفة، السادسة شديدة السوء حيث رفضت مقابلة الشاب الوسيم.
يرهقني بالاسئلة، وأنا لا أرى جدوى من ذلك كله. جئت هنا لأن أخي هددني، قال لي لو لم أطيعه سيقاطعني للأبد، خفت.
توفت أمي منذ عدة أعوام، تتركني أبي في طفولتي وتزوج امرأة أخرى، ولا يعيش لي أصدقاء، صديقي الوحيد هو أخي، حتى بوزو قطي كثيف الشعر مات منذ عدة أشهر بالفشل الكلوي، حتى القطط ينالها من ابتلاءات البشر جانب.
في البداية ثورت، غضبت، وارتفع صوتي بأنني إنسانة حرة. أنا أرتاح في طريقة حياتي، من يحبني عليه أن يتقبلني كما أنا.
تفاجئت بأن ثورة أخي كانت أكبر. احمرت عيناه، وقف شعر رأسه، ارتفع صدره عن مكانه، وقال بنبرة شديدة الجدية، لو لم تأتِ معي، سأقاطعك للأبد.
بعد أسبوعين أدركت، لم تكن الفكرة سيئة. حدائق غناء، شاب وسيم يتابع حالتي، طعام شهي، بنات أصغر مني سنًا ابتسامتهم تصل لأذانهم بلا مبرر؛ كل هذا لطيف.
وفي يوم تفاجئت بقدوم أخي للزيارة قائلًا: اليوم بشرني الطبيب، ستخرجين قريبًا.
قلت واجمة: أنا لا أريد الخروج!
ذهل أخي وقال أن المصحة النفسية مكان للاستشفاء لا للحياة الطويلة.
جئت بكِ إلى هنا كي تعالجين لا لكي يصيبك الجنون…هل جننتِ؟
لا أعلم أين الصواب والعقل؟..الخارج أم الداخل؟…هنا أم هناك؟ هل أمثل دور الجنون كما فعل هاملت؟…هل أكتفي بكتبي وقط جديد وأستكمل حياتي هنا بعيدًا عن الحياة القاسية بالخارج؟…
يقول الشاب الوسيم أنني ذكية جدًا، فيما هو غبي جدًا، فلم يلحظ إعجابي به، أو ربما لاحظ ذلك وخاف تخطي الحدود، فمن ثقافتي المحدودة أعرف أن الطبيب النفسي لا يستطيع إقامة علاقات عاطفية مع مرضاه، سيخسر وظيفته.
الحياة هنا تعجبني!
أنا ذكية جدا لم يخطأ، ولكن خفت أن أمثل دور هاملت…خفت جدًا، وعندما سألني هل ستعودين لغسيل جسدك بالكلور خوفًا من القذارة، أجبت بلا قاطعة، وكنت قد تحسنت بالفعل وأصبحت أرى الحياة أكثر نظافة دون فعل مجهود كبير مني متكرر كالمعتاد.
أجبت على كل أسئلته بصراحة حتى لا أتسبب في مرارة لأخي أن تظل أخته الوحيدة في مصحة نفسية لبقية حياتها، ولكني لست سعيدة!
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال