الحيوانات بين ادعاءات السنة وتكريم القرآن
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
تعتبر صداقة الإنسان بالكلب قديمة جدًا.. ربما هي الصداقة الأولى بين الحيوان والإنسان.
لعل ذلك يعود إلى عهود الصيد الأولى.. حيث عرف الإنسان البدائي استئناس الكلب وترويضه بهدف مساعدته على الصيد وحمايته من باقي الحيوانات المفترسة..
تلك العلاقة توطدت وتوثقت لتشمل الحالة العاطفية للطرفين..
وهو ما جعل الحضارات القديمة كافة تهتم بالكلب وتقدسه في بعض الأحيان، وتزين معابدها برسومات متعددة لهذا المخلوق النبيل..
ولكن، أهل السُنة كان لديهم رأيا آخر… فـ في رواية عبد الله بن مغفل (لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها كلها، فاقتلوا منها كل أسود يهيم)…
وفى حديث أبى هريرة «أمرنا رسول الله بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال: عليكم بالأسود وذي النقطتَين فإنه شيطان».
ومن هنا نرى التحريض على قتل الكلاب كافة، والكلب الأسود على نحو خاص..
ولكن.. لماذا هذا العداء للكلب؟ وإن كنت أعتقد أنه عداء شخصي وطبيعي خاصة إن جاء من أبي هريرة..
ولك أن تتخيل.. رجل مُحاط بالقطط، يسير وهي حوله.. أليس من الطبيعي أن ينزعج من الكلاب، وأن يدعي أن البيت الذي فيه كلب لا تدخله الملائكة، وأنه كائن نجس، فإذا لمسته توجب عليك الطهارة..
وفي حديث أبى هريرة (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب)…
وإن كنتُ لا أعرف كيف لإنسان أن يأكل في إناء أكل منه كلب..
ورغم ذلك جاء القرآن ليبين تزييف ما ردده أبو هريرة عن الكلاب..
فـ في سورة المائدة مثلاً، الآية 4: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»..
معنى الآية هنا أن المكلبين، وهم الحيوانات كلاب الصيد لما يصطادوا طيرًا يأخذونه ويأكلونه، عادى يعنى من غير ما يتغسل بتراب، وتدبَّر الآية «… أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ…».
فهل أصدق طيبات القرآن أم أصدّق أبا هريرة وحديثه عن النجاسة؟!
وفى سورة الكهف.. «سيقولون ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا»..
وتختلف الآية في عدد الفتية، غير أنها تؤكد وجود الكلب مرَّتَين، «كلبهم» تجسيد للتبعية والحميمة والدور الفعال الذى يقوم به هذا الكلب.
وذلك يوضح بشدة في نفس السورة «وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ».
وهنا يترك الكلب اللهو والصداقة ليقوم بمهمته التي خُلق من أجلها، فهو الحارس حين ينام صديقه، وهم يتقلبون في النوم والراحة وهو يقوم بواجبه دون إهمال أو تكاسل..
فكيف يكون الكلب صديقًا وحارسًا أمينًا في القرآن وعند أبى هريرة شيطانًا يوجب قتله؟!
ولكن، ليس الكلب بالحيوان الوحيد الذى نالوا منه، فالذباب -تخيل الذباب- قال عنه أبو هريرة إنه سيدخل النار «كل الذباب في النار إلا النحل».
وحين سألوا لمَ يدخل الذباب النار؟ قال أهل السُنة: ليُعذب به أهل النار!
وكأن أهل النار ناقصهم الدّبان.. تلك هي نظرتهم إلى الحشرات.
فانظر إلى القرآن وماذا قال عن نملة النبي سليمان «وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَـتَّى إِذا أتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)..».
إنها إيجابية النملة وحرصها على سلامة قومها وكيف تأثَّر بها النبي سليمان وتذكُّره والدَيه وشكره لله على نعمة سماعه مخلوقات الرب.
فالله يعظم مخلوقاته حتى إن السورة نفسها سماها سورة النمل، وهو تقدير لو تعلمون عظيم..
هكذا يتعامل الرحمن مع مخلوقاته حتى الحشرات بعكس أهل السُّنة الذين لا يجدون في الحشرات سوى الأذى ووسيلة لعقاب الناس في الدنيا والآخرة..
والأغرب من حديث الذباب حديث ابن ميمون في صحيح البخاري «رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة، قد زنت، فرجموها، فرجمتها معهم»..
والمدهش في الحديث ليس فعل القرود فهذا شأنهم، ولكن في كلام ابن ميمون المثير للدهشة والضحك.. ألمجرد أنه ابن ميمون يُتَح له الحق في معرفة ما يدور بين القرود؟
دائمًا ما أتخليه -ابن ميمون، ويبدو أن للإنسان نصيب من اسمه فعلاً- وهو يقف بجوار قرد يرجم القردة الزانية، فيسأله: ما بال تلك القردة؟
فيجيب القرد وهو يقذفها بحجر: إنها زانية.
فـ يلتقط ابن ميمون حجرًا ويشاركهم العقاب!
كلام غير معقول بالطبع إلا عند أهل السُّنة.
حتى البرص نصبوا له العداء وجعلوا من قتله سُنة ولسبب غاية في الغرابة.
فانظر في عرض أبى هريرة وتعجب «مَن قتل وزغًا في أول ضربة كُتب له مئة حسنة، وفى الثانية دون ذلك، وفى الثالثة دون ذلك»، رواه مسلم..
ولماذا يا أبا هريرة هذا العرض السخى؟ لأن البرص نفخ النار في وجه إبراهيم!
إذا كانت واقعة إبراهيم صحيحة فيعاقب عليها البرص الفاعل والذى يقينًا مات على أيام النبي إبراهيم، فلماذا تدفع فصيلته الثمن على مر العصور؟
وهل في قولك للبرص حيث تراه «صاحب البيت اسمه محمد» ترهيب أم تحايل أم تذكيره بأن آل البيت يتبعون النبي محمد لا النبي عيسى أو النبي موسى؟ وهل البرص يدرك لغتك من الأساس حتى يستجيب؟
تلك هي عقول أهل السُنة في التعامل مع المخلوقات الأخرى مع الحيوانات .. فـ ما بالك بتعاملاتهم مع البشر!
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد