همتك نعدل الكفة
1٬117   مشاهدة  

الخديوي اسماعيل والإمبراطورة الحسناء .. قصة العشق الأسطوري

الخديوي إسماعيل


لعلّ أرقى ما مرّ على تاريخ الإنسانية هى روايات الحب والعشق، بقصصها وقصائدها وألحانها، ذلك الضوء الخافت الذى يلوح في نهاية النفق المظلم ، الذى حفرته ..الحروب والدمار والذى صنعه الانسان بنفسه، ويظل الحب لكى يضيء لنا الطريق ويبسط لنا الأمل في قدرة البشرية على الاستمرار.واحدة من بين الحكايات التي نسجت حول الخديوي إسماعيل

تبدأ الحكاية حينما كان إسماعيل شابا يدرس علوم الهندسة والرياضيات والطبيعة ضمن البعثة التعليمة المصرية بفرنسا ، وأعجب بفتاة أرستقراطية فائقة الجمال ، وصاحبة شخصية جذابة  تدعى “أوجيني دي مونيتو كوتيسه”، ونشأ بينهما إعجاب متبادل، لكن حالت بينهما الظروف غير المُستقرة آنذاك، بالإضافة إلى انتهاء فترة الدراسة وعودة الأمير اسماعيل إلى مصر.

 ولدت تلك الفتاة الحسناء  فى إقليم غرناطة باسبانيا عام 1826، تميزت بذكائها الحاد وجمالها الآخاذ الذى يأثر القلوب، أنتقلت للعيش في باريس لتتلقى تعليمها هى الأخرى.

وهكذا سارت الأقدار بشكل درامى وبمرور السنوات توجت أوجيني إمبراطورة على عرش فرنسا وسيدة لقصر التويلرى بعد أن أصبحت زوجة للامبراطور نابليون الثالث عام 1853 رغم معارضة عائلته لانها ليست من الدم الملكي وليست فرنسية.

ومن المفارقة وصول اسماعيل الى سدة الحكم فى مصر !!

لم يكن فى الحسبان أبدا وصول الأمير اسماعيل إلى عرش مصر خصوصا فى ظل تولى أخيه الأكبر أحمد رفعت منصب ولاية العهد.

وجد اسماعيل نفسه وليا للعهد بعد مصرع شقيقه الأمير أحمد رفعت عام 1858فى حادث غرق غامض، وتشاء الأقدار أن يتوفى عمه الوالى سعيد باشا في 19 يناير 1863 متأثرا بمرض السرطان، وبذلك لعبت الصدفة دورا كبيرا فى وصول الخديوى اسماعيل الى عرش مصر .

ومنذ أن تولى مقاليد الحكم ظل يسعى إلى السير على خطى جده محمد علي .

و كان لاسماعيل أمنيتان الاولي ان يجعل من مصر قطعة من باريس ، والثانية بأن تأتي أوجيني الى مصر في ضيافته لتري إنجازاته .

وسنحت له الفرصة لكى يحقق ما تمنى ، ففي عهده تم الانتهاء من حفر قناة السويس 1869، وأستغل إسماعيل الفرصة لإقامة حفل إفتتاح قناة السويس وقام بتوجيه الدعوة للامبراطورة أوجيني لتكون ضيف شرف الاحتفال، وقابلت أوجينى الدعوة بالترحاب الشديد ووعدت بتنفيذها بل أكدت أنها ستأتي إلى مصر قبل حفل الافتتاح بوقت كافي للاستمتاع بالزيارة .

عكف اسماعيل على التفكير في إنشاء قصر يليق باستقبال الإمبراطورة أوجينى بالقاهرة خصوصا مع عدم إكتمال قصر عابدين آنذاك ، وبعد تفكير عميق قرر شراء جزيرة “الزمالك “خصيصا لهذا الغرض ، وربط الجزيرة بالقاهرة عن طريق إقامة الجسر المعروف حاليا ب ” كوبرى قصر النيل” ، وبدأت الترتيبات لإنشاء قصر شديد الفخامة والأناقة، واستقدم اسماعيل مهندسين من أوروبا ليصمموا القصر بأساليب تجمع بين مزايا قصر التوليري دي باري الذي تقيم فيه الإمبراطورة، ومزايا قصور الأندلس حيث ولدت ونشأت، حتى تشعر بالألفة من تزواج المعمار الأندلسى مع الفرنسى فى كيان واحد، وصنع لها داخل القصر غرفة نوم كاملة من الذهب الخالص، تتصدرها ياقوتة حمراء نقشت حولها بالفرنسية عبارة تقول “ستظل عيني معجبة بك إلى الأبد” ، كما أمر بغرز زهرة الكرز بحديقة القصر لأنها تحب عطرها .

وزيادة فى الإبهار طلب من مدير متنزهات باريس إحضار أكبر الخبراء لتصميم أجمل حديقة أسماك بالعالم بالقرب من القصر على شكل جبلاية (حديقة الأسماك حالياً ) .

وكانت الامبراطورة أوجينى شغوفة بالآثار المصرية القديمة وأشارت الى الخديوى اسماعيل بنيتها فى زيارة الأهرامات فأمر بتمهيد الطريق المؤدى إليها والذى يعرف الأن ب” شارع الهرم” وتجهيز استراحة بهضبة الأهرام التى تحولت فيما بعد إلى فندق مينا هاوس .

جاءت ” أوجيني” إلى مصر وحدها دون زوجها الإمبراطور نابليون الثالث الذي كان مشغولًا بالظروف السياسية التي تمر بها فرنسا بسبب الصراعات والحرب مع بروسيا آنذاك.

كان مجيء الإمبراطورة أوجيني كما وعدت الخديوي إسماعيل قبل ثلاثة أسابيع من حفل افتتاح قناة السويس .

استقبلها إسماعيل على رصيف ميناء بورسعيد فى مواجهة الشارع الذى يعرف بأسمها الى الأن رغم تغير أسمه لاحقا الى صفية زغلول .

أهدت الامبراطورة أوجينى إلى الخديوى اسماعيل عربة “الآلاي” الملكية الشهيرة بمتحف المركبات الملكية وهي من التحف الفنية النادرة لما تتميز به من زخارف ونقوش وقطع مذهبة وكانت تجرها ثمانية خيول، وتم استخدامها وكانت جزءاً من مناسبات رسمية متعددة في تاريخ مصر في الحقبة الملكية”.

بالغ الخديوي إسماعيل في الاحتفاء بها، وكانت أوجينى في الثالثة والأربعين من عمرها، لكنها كانت بالغة الأنوثة والجمال والجاذبية.

أعد لها الخديو إسماعيل مركب رمسيس، إحدى مراكب البوستة الخديوية، كي تقلها في رحلاتها العديدة لكل محافظات مصر من الجيزة حتى الأقصر ومعبد دندرة بقنا بصعيد مصر.

زارت خلالها الآثار المصرية في الأقصر و أصطحبت معها رسامى البلاط الفرنسى لعمل لوحات تاريخية لها تخلدها بين هذه الآثار التى خلدت كليوباترا ونفرتيتى لتتخيل نفسها احدى ملكات الفراعنة .

كما شهدت الامبراطورة أوجينى افتتاح دار الأوبرا الخديوية فى الأول من نوفمبر عام 1869 ضمن احتفالات افتتاح قناة السويس وكان من المقرر عرض أوبرا عايدة فى الافتتاح والتي تجسد الصراع بين “الواجب والعاطفة”، وتجمع في طياتها أحداثا تاريخية متصلة بالحضارة المصرية القديمة في إطار أدبي جميل .

وقد اذهلتها فخامة وروعة الاحتفال الاسطورى المفرط فى البذخ والترف والذى فاق ليالى الف ليلة وليلة ، وقضت الامبراطورة اوجيني 21 يوم في مصر ، وعبرت عنها بقولها ” لم أر في حياتي أجمل ولا أروع من هذا الحفل الشرفي العظيم ، أشعر أنني في الجنة ” .

تنتهى ليالى الف ليلة وليلة التى قضتها أوجينى أثناء زيارتها الأولى لمصر ، وتعود إلى فرنسا لتواجه مصيرها المحتوم ، فلم يمر عام حتى اشتعلت الحرب السبعينية مع بروسيا لتجعل فرنسا فريسة الصراعات الدامية وتنال هزائم متتالية ، أشارت اليها أصابع الاتهام من جموع الشعب الفرنسي بأنها وراء الهزائم المتلاحقة ، وتخرج هاربة من الأبواب الخلفية لقصر التويلرى إلي إنجلترا .

وتتوالى علي أوجينى الكوارث، فقد لقي ابنها لويس حتفه وهو في ريعان الشباب، فقبعت في منفاها تتجرع مرارة فقد أبنها وسقوط الامبراطورية الفرنسية .

وتشاء الأقدار أن يعزل إسماعيل عن حكم مصر هو الأخر فى عام 1879، وتتوالى الأحزان على اسماعيل بالاحتلال الانجليزى لمصر 1882، ويتجرع من نفس الكأس ويموت أبنه الخديوى توفيق فى ريعان شبابه 1892، ويقضى المتبقي من حياته فى منفاه حتى وفاته في 2 مارس 1895في إسطنبول .

وظلت أوجينى تعيش على أطلال الماضى ، ويعاودها الحنين إلى مصر، حتى قررت زيارتها عام 1905 حيث جاءت متنكرة في زى بسيط حتى لا يراها أحد ، وأقامت لعدة أيام في فندق “سافوي” في بورسعيد ، وما ان انكشفت شخصيتها وذاع الخبر بين الصحفيين فى مصر حتى تباروا فى التعبير عن الحدث ، وكتب الشاعر حافظ ابراهيم قصيدة جاء فيها :

أين يوم القنال ياربة التاج ويا شمس ذلك المهرجـان

ان أطافت بك الخطوب فهذى سنة الكون من قديم الزمـان

إقرأ أيضا
حزب الله

تلك حال الايوان ياربة التاج فما حال صاحب الايـوان

قد طواه الردى ولو كان حيا لمشى فى ركابك الثقــلان

ان يكن غاب عن جبينك تاج كان بالغرب أشرف التيجان

فقد زانك المشيب بتاج لا يدانيه فى الجلال مــدان

كنت بالأمس ضيفة عند ملك فانزلى اليم ضيفة فى خـان

واعذرينا على القصور كلانا غيرته طوارئ الحــدثان!

وسافرت أوجيني إلى القاهرة وشاهدها المصريين وهى تمشي حول قصر الجزيرة وحديقة الجبلاية والدموع في عينيها ، وكأنها تستعيد شريط الذكريات ولسان حالها يقول “في يوم من الأيام كل هذا الجمال تم بنائه من أجلي ، وداخل هذا القصر وحول هذه الحديقة عشت أجمل 21 يوم في حياتي” .

وذكرت «جاويدان هانم» زوجة الخديو عباس حلمي الثاني فى مذكراتها ، ان سيدة متشحة بالسواد كانت تزور مصر سنويا، وتبدأ مقامها في القاهرة بزياره أرامل الخديوي إسماعيل، هذه المرأة العجوز كانت هي أوجيني إمبراطوره فرنسا السابقة.

وفي عام 1920 اشتد عليها المرض بعدما بلغت الرابعة والتسعين من عمرها، ففكرت أن تنهي حياتها بزيارة إسبانيا مسقط رأسها، وما أن وصلت مدريد حتى أشتد عليها المرض بسبب الضعف والشيخوخة حتى فارقت الحياة في 11 يوليو من نفس العام .

تشابهت البدايات وجاءت النهايات مأساوية حزينة، ويبقى ما شيده اسماعيل شاهد على أحد قصص الحب التى خلدها التاريخ .

إقرأ أيضاً

كيف انطبق مثل مصائب قوم عند قوم فوائد على الخديوي إسماعيل في بداية حياته

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان