الخمسة والخميسة..هل يحمي الكف من الحسد؟
-
أمل فكري
كاتب نجم جديد
الكف أو الخمسة والخميسة هي يد الهة الرزق والخصوبة تانيت في قرطاج ويد الهة الوفرة والحماية عند الهندوس كما هي كف ميريام أخت موسى عند اليهود و كف مريم أم عيسى عند المسيحيين وهب كف فاطمة بنت محمد عند المسلمين كلها مسميات لرمز واحد.
ويبقى السؤال هنا
هل كف الخميسة يعتبر رمز لتعويذة شهيرة عالميا أو تميمة سحرية تستخدم لجلب الحظ والحماية من الشرور أم مجرد اكسسوارات للزينة تستخدم هذه الأيام بلا أي فهم لمعنى الرمز وقصته؟
الإجابة
منذ العصور الوسطى نجح علماء الآثار والتاريخ في ازاحة الستار عن ظاهرة ممارسة التعاويذ والتمائم لغرض السحر فيما بين الثقافات والحضارات القديمة التي سبقت ثم تزامنت وتعايشت مع ظهور الديانات السماوية على الأراضي التوراتية المقدسة. والتعاويذ بشكل عام هي عناصر ورموز وكتابات مجهزة بغرض عمل السحر كان يستخدمها القدماء في حماية أنفسهم من الشرور الغيبية أو الأذى البشري متمثل بالحسد. هذه التعاويذ والتمائم كانت أيضا مقتنيات جالبة للحظ وليس فقط للحماية.
واحدة من هذه التمائم الشهيرة هي كف الخمسة و الخميسة أو ما يعرف في المغرب العربي وبعض المناطق العربية بكف فاطمة وفي فلسطين والاردن ولبنان بكف مريم. وبالرغم من إيمان القدماء الشديد بقوة تأثيرها في الحماية من الحسد إلا أن قدرتها كتميمة عابرة للمعتقد والزمان أقوي بكثير فقد ظلت هذه التميمة قادرة على الخلود وهزيمة الزمان والمكان وحدود الأديان لتظل حاضرة ومؤثرة الى وقتنا الحالي وفي كل انحاء العالم شرقه وغربه وان تكون الأكثر شعبية واستخداما في العديد من المجتمعات والأعراق المختلفة دون النظر الى قصتها او معناها الحقيقي.
تاريخ هذا الرمز
خمسة هو رقم ذائع الصيت ويرمز لأشياء عديدة ويحتمل أن يكون لاستخدامه مصدر أقدم من تاريخ الديانات السماوية ربما يختص بثقافات شعوب البحر المتوسط القديمة من الشرق الاوسط وشمال افريقيا وجنوب اوروبا.
وقد يكون ظهور هذا الرمز أيضا نوع من استحضار الموتيفة الزخرفية الشهيرة التي تمثل “يد الاله” والتي تظهر في ايقونات ورسومات محفورة على جدران المعابد الاشورية القديمة في سوريا والعراق، والتي نقلت بعد ذلك عن طريق سكان قرطاجنة وعرفها سكان البربر والمغاربة بشمال افريقيا من خلالهم.
كما ظهر ايضا شكل الكف الأحمر بالاصابع الخمس على كهوف قبائل المايا بالمكسيك. وكان يستخدم باضافة صورة لالهة الخير والوفرة كتميمة تؤمن لهم الحظ في داخل معابد الهندوس بشرق الهند.
رمزية الكف ذو الاصابع الخمسة
الخمسة و الخميسة هي عبارة عن يد بها خمس اصابع. وتشير الدلالات التاريخية الى عدة معاني رمزية محتملة قد يتضمنها هذا الشكل ترتبط بالدين من ناحية والموروث الشعبي من ناحية أخرى ، منها:
عند اليهود
يسمى كف ميريام (أخت موسى عليه السلام) ، ويقال انه رمز لمساعدتها
لأخيها المذكورة بالنصوص التوراتية.
ويذهب بعض اليهود السفارديم إلى أن العدد خمسة نسبة الى الكتب الخمسة المقدسة بالتوراة.
كما يعتقد ايضا ان الرقم خمسة يشير الى الحرف الخامس بالابجدية العبرية وهو (هيت) وهو احد اسماء الله المقدسة.
وكذلك يقال ان عدد خمسة يرمز إلى الحواس الخمسة التي يجب شكر الرب عليها جميعا.
عادة ما تحمل الخمسة والخميسة عند اليهود رسوما لأسماك ، ويرجح أن ذلك يعود لنص في التوراة يقول: “المياة تغطي اسماك البحر، حتى لا يكون للعين قوة عليها”. ويقال أن “أحفاد يوسف عليه السلام الذين مستهم نعمة يعقوب محميون من عين الشر مثل الأسماك” وهو ما يمكن أن يكون السر وراء استخدام شكل السمكة داخل الخميسة اليهودية.
عند المسيحيين
يقول القس والكاتب الامريكي هنري كلاي ترمبل ، ان هذا الرمز القديم يسميه مسيحيون الشرق الاوسط بكف مريم في اشارة الى مريم العذراء ويدها المباركة .وقد استعملت لحماية الأم والجنين والتبرك بها لدرء الشرور المحتملة.
وهناك ايضا من يعتقد انها اشارة لميريام أخت موسى عليه السلام وهي تمثل يد المساعدة الممنوحة منها لأخيها موسى في قصص التوراة.
ويذكر ترمبل ايضا ان هذه التميمة المحبوبة تاريخيا أكثر منها كرمز ديني، كانت توجد معلقة على أبواب بيوت اليهود والمسلمين والمسيحيين في أماكن عديدة في احياء فلسطين وغالبا ما تكون ملونة باللون الأزرق.
عند المسلمين
لم تظهر الخمسة والخميسة عند المسلمين في عهود الإسلام الاولى ولكنها تستعمل بكثرة عند المالكية من السنة وعند الشيعة.
وتسمى كف فاطمة في بعض الدول العربية وخاصة دول المغرب وموريتانيا وكذلك جنوب اسبانيا بفعل الموروث العربي هناك. والاشارة هنا الى فاطمة ابنة الرسول محمد(ص) وزوجة الإمام علي وأم الحسن والحسين وقد كانت شخص كثير التسبيح والعطاء ومشهورة بجلب الخير ومساعدة المحتاجين فصار الكف دلالة على استجداء الخير من الله بيد احد احبائه.
في الثقافة الشيعية تستخدم تميمة الخمسة والخميسة بكثرة وخاصة في مناسبات كبيرة مثل عاشوراء وذكرى كربلاء. ويرمز الرقم خمسة لديهم الى اصحاب الكساء (العباءة) الخمسة وهم النبي محمد(ص) و ابنته السيدة فاطمة والامام علي وابنيه الحسن والحسين.
في الثقافة السنية يرمز الرقم خمسة الى أركان الإسلام الخمسة وهي الشهادة والصلاة والصيام والزكاة وحج البيت الحرام.
ويذكر الباحث الاسلامي احمد الشميمري في كتابه (العين حق) أن هذه التميمة المقصود بها الآيات الخمس من سورة الفلق ، فبدلا من أن يقرأها الناس للتعوذ بالله من عين الحسد كانوا يعلقون هذه التميمة كاشارة لهذه السورة بهدف التعوذ والحماية بآيات القرآن الكريم.
الموروث الشعبي بين الرمز والدلالة
اليوم يمكنك ان ترى الخمسة والخميسة في حلي ومجوهرات النساء في كل أنحاء العالم وليس بالشرق الأوسط وبلدان المتوسط فقط. ويتصاعد الأمر الى استخدام التميمة في تزيين الاثاث و تطريز المفارش وفي مقابض الابواب وتعليقة داخل السيارة. فقد أصبحت التميمة مصدر طاقة اطمئنان وشعور بالحماية من عين الشر بصرف النظر عن معتقد وديانة صاحبها.
وهذا الطلسم على الرغم من أنه ليس وليد الأديان السماوية كما يعتقد إلا انه بات وثيق الصلة بكل واحد من هذه الأديان وعبر الى الموروث الشعبي أيضا فكان جزء من ثقافات اجتماعية متعددة.
ففي تركيا مثلا تجده معلق في مدخل البيت حيث يكون أول ما يقع عليه عين الضيف الداخل للبيت وذلك ليؤمن البيت وأصحابه من شر عين هذا الزائر.
ذكريات ٣٠ يونيو .. عن أي ديمقراطية تتحدثون
وفي الجزائر يعد كف فاطمة واحد من الرموز القومية لإقليم الجزائر ويظهر في شعار الدولة الرسمي. ويذكر ان دخول هذه التميمة الى بلاد المغرب جاء عن طريق الفينيقيين الذين بنوا العاصمة قرطاج وكانت الهة الخير والرزق والخصوبة لديهم تسمى (تانيت) ويرمز لها بكف ذو خمس اصابع ممدود لأعلى.
وطبقا لكتاب (تونس، الأرض والشعب) للكاتب والمؤرخ النمساوي ارنست فون هس وارتغ / 1882
فإن هذا الرمز كان قد ظهر أيضا في شرق الهند باضافة صور الهة الوفرة الهندوسية بداخل الكف ايضا ، ولكن استخدامه في تونس (قرطاج القديمة) كرمز شعبي يعبر عن ثقافة أكثر منه رمز ديني لانه بالاساس مأخوذ عن الهة وثنية قديمة من أيام الفينيقيين والآشوريين وقد ذكر رحالة من شمال افريقيا ان اليهود في تونس كانوا لا يغادرون للسفر الا ومعهم هذه اليد الممدودة منحوتة على حجر او خشب ويعتقدون انها طلسم ضد عين الشر. واذا ما امتدح احد اطفالهم او خيولهم يشهرون في وجهه الكف الخميسة لتحصين أنفسهم وممتلكاتهم من أي اذى محتمل جراء عين الحسد.
وبالرغم من أن اليهودية والاسلام معا يحرمان كل المعتقدات الخرافية بالقوة الخارقة للاشياء وتقديسها بل ويصنفون ذلك بالوثنية ، فإننا نجد الكثير من اليهود و المسلمين قديما يتمسكون بهذا الرمز معلنين أنه يمثل لدى اليهود الكتب الخمسة المقدسة بالتوراة ولدي المسلمين الأركان الخمسة للإسلام.
وحاليا يتكاثر عدد المستخدمين من اليهود والمسيحيين الشرقيين والمسلمين لـ الخمسة والخميسة يوما بعد يوم ، ولكن يعتقد كلا منهم أنها مجرد شكل فلكلوري لاحدى الموتيفات الزخرفية القديمة . ويعلنون أنه على الأرجح اشارة طيبة ومحمودة الى المساعدة والحماية الإلهية وجلب الخير والبركة. وبهذا يكون تمسكهم بها هو تعبير صريح واعلان عن رغبتهم الشديدة لاستقبال حماية وخيرات اكثر من الله.
وفي الثقافات الشعبية هذه الموتيفة وغيرها مثل حدوة الحصان تعتبر مجرد زخارف او زينة واكسسوار،وربما يصل الامر في بعض الاماكن والازمان الى حد الاعتقاد باهمية وجودها وخرافات تأثيرها وتحويله من مجرد رمز الى تميمة سحرية لكنه لم يصل ابدا الى حد التقديس والوثنية بأي حال من الأحوال.
للأعلى أم للأسفل
نعم تعايش رمز الخمسة والخميسة العجيب ليس فقط بتعدد احتمالات معانيه ورمزيته وإنما أيضا بتعدد أسباب استخدامه وفعاليته طبقا لوضعية الرمز. فإن كان معلقا والأصابع تشير للأعلى فهو مستخدم لدرء النظر بحسد وكف الشرور والاستعاذة بقوة الله للحماية. اما اذا كان اتجاه الاصابع للاسفل وغالبا يكون باللون الازرق ومضاف إليه عين في منتصفه ويستخدم لاستجلاب الحظ والخير والرزق الوفير.
الهجوم والاستمرارية
سواء كانت كف فاطمة بنت محمد او كف ميريام أخت موسى أم كف مريم البتول فإن اليهود والمسيحيون والمسلمون جميعا على حد سواء يتبنون هذه التميمة كرمز لهم باضافة تفاصيل خاصة بكل معتقد وتبقى حقيقة الأمر ان لهذا الرمز قصة ذات أصل وثني اقدم من الثلاث ديانات حيث كانت رمز لالهة الخصوبة والوفرة في الحضارات السابقة للديانات السماوية.
وهنا تبقى الإشكالية الدينية المرهقة في كل ديانة منهم ، حلال أم حرام؟
مما لا شك فيه أن التوراة تحرم السحر والعرافة بينما يشير التلمود الى وجود هذه التمائم ويسمح بحملها مما يعني استمرار التميمة في تاريخ وحاضر اليهود. وكذلك يحرم القرآن في الاسلام السحر والتعاويذ ويعتبر هذه الخرافات بدع ، بينما يتمسك المسلمون القدامى بهذه التميمة باخراجها من حيز السحر الى حيز التبرك وطلب الحماية من الله فتعبر الأزمان وتستمر مع تاريخ المسلمين الى وقتنا هذا.
الكاتب
-
أمل فكري
كاتب نجم جديد