الطيب طلع الخُشّت ع المسرح وأكد كلامي.. وأشياء آخرى
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في بدايات 2015 نشرت في جريدة “المقال” موضوع بعنوان “الأزهر والقاعدة وداعش… دماغ واحدة”، وقتها قوبل المقال بالهجوم.. وأزاي أساوي بين جماعات متطرفة وبين الأزهر قلعة الإسلام الوسطي الكيوت.
بس -وكما هي جارية العادة- عُمر “الإسلامجية” ما كدبوا ظني فيهم أبدًا، وبعد حوالي سنة كاملة خرج علينا الشيخ الطيب، شيخ الأزهر، ليؤكد سلامة رؤيتي وصحة وجهة نظري.. فشكرًا لفضيلة الإمام.
خلال المؤتمر المسمى بـ”مؤتمر الأزهر الشريف.. للتجديد في الفكر الإسلامي”، تولى الشيخ الطيب مهمة الدفاع عن التراث الإسلامي والهجوم على أي حديث عن التجديد، في تأكيد قاطع على استمرار الدور “الطبيعي” للأزهر كمؤسسة دينية كلاسيكية ترفع لواء الماضي بيد وتحارب الحاضر والمستقبل بالأخرى.
خلال 18ق قدر الإمام الأكبر يطلع رئيس أكبر وأعرق جامعات مصر ع المسرح ويقصف جبهته من كافة الزواية مدعومًا بهبات من التصقيف الحاد من جمهور أغلبه محسوب رسميا على الأزهر.
بعيدًا عن استمتاعي الشخصي بأداء الشيخ وشماتتي الشديدة في شخص السيد الخشت، ورغم أني لم أنل يوما شرف الدراسة الجامعية، لكن هالني رؤية رئيس أكبر وأعرق جامعة علمية في بلدي يهان بهذا الشكل من رجل دين مهما على شأنه، فهو في النهاية يروج لبضاعة عفى عليها الزمن في مواجهة العلم.. قاطرة التطور الإنساني. عشان كده أنا مش في معرض الدفاع عن السيد الخشت إنما هارد على الأزهر في شخص كبيرهم الطيب.
جاءت كلمة الأمام الأكبر مطابقة في تأثيرها مع قصايد “الهويس”، كلمة تسلب عقول البسطاء وفي نفس الوقت تثير سخرية أي حد قرا كتابين في الموضوع، كلاهما هيحصد من جمهوره “سوكسيهات” بالعبيط.. بس لما ناخد كلامهم في معزل عن الجو العام للجلسة والأداء العبقري اللي يرتقي لمستوى “الشو” ونعرضه على نفس الجمهور.. مستحيل يوصلوا لنفس مستوى التأثر والإنفعال؛ ولا حتى 25% منه.
أما بقى لو عرضنا الكلام ده نفسه على أي عقل “نقدي”.. فحدث ولا حرج، وبقدرة “عاقل” هيتحول الخطاب التاريخي ده إلى فاصل من الكوميدية السوداء.. من فرط ما يحمله من تناقض وأخطاء منطقية ده غير التضاد التام مع رسالة المؤتمر.. أو بمعنى أدق مع “عنوان المؤتمر”.
بيت الأب:
افتتح الطيب كلمته بالسخرية من مثال الخشت عن بيت الأب.
خليني أتفق على فساد مثال الخشت وأتمسك برؤية الطيب، في الحالة دي هيبقى البيت هو الإسلام أما خامات وأدوات البناء -المطلوب تغييرها- هي فهم الصحابة والتابعين وفقهاء العصور الوسطى للإسلام. إلا لو حضرة الشيخ شايف أن فهم هؤلاء هو جزء لا يتجزء من الدين نفسه.. فنفتح بقى كتب كتير من كبار الأسماء وناخد من فهمهم اللي العلم النهارده تجاوزه أو اثبت خطأه أو ع الأقل محدوديته.
مثال: فسر الأولين قول: “يعلم ما في الأرحام”.. إن الخالق وحده يعلم نوع الجنين في بطن أمه هل ذكر أم أنثى، طب دلوقتي وبعد ما بقى السونار بيعمل الشغلانة دي بكفاءة تامة.. هل يبقى التفسير السابق أنتهت صلاحيته؟ ولا مخترع السونار شارك الخالق في شئ من قدراته؟
الغزو الإسلامي حلو:
بعد المقدمة مباشرة أنبرى الشيخ في الدفاع عن التراث الإسلامي.. مع بعض الرطانة والتلاعب اللغوي لزوم سحب “السوكسيهات” من الصالة.
تفاخر “الطيب” بفترة توسع الأمبراطورية العربية-الإسلامية واعتبارها فترة مجد، وأرجع المجد ده -فقط- للفكر الموجود في كتب التراث، وده كلام شديد الخطورة وعليه كتير من المآخذ:
- يتطابق مع خطاب جماعات الإسلام السياسي بداية من التكفير والهجرة وحتى داعش، ويمكن تلخيصه في شعار الإخوان المسلمين التاريخي “الإسلام هو الحل”.
- يتضمن انفصال عن الواقع، فلو تبنينا فكرة أن التراث الإسلامي هو سبب تفوق العرب-المسلمين خلال القرن السادس الميلادي، فهيكون علينا أن نعي نقطة مهمة.. وهي أن وقتها ماكنش الكلام ده تراث وإنما كان إنتاج فكري معاصر.
- معنى ده أن العرب تخلو “بالكلية” أو -ع الأقل بشكل كبير جدا- عن تراثهم وتبنوا فكرة ثورية جديدة “الدين الإسلامي” فكانت هي السبب المباشر في المجد اللي وصلوا له، بالتالي -وبنفس المنطق- يبقى حديث البعض عن وجوب “تجديد الخطاب الديني” هو كلام منطقي وتبقى “العلمانية” هي الفكرة الأكثر وجاهة.. في حين يحل “المتمسكين بالتراث” محل القريشيين المعادين للدعوة مدافعين عن تراثهم قائلين: هذا ما وجدنا عليه آباءنا.
- الشيخ الطيب بيتكلم بوصفه واحد من أبناء القبائل العربية اللي توحدت على الإسلام وغزت كتير من بقاع الأرض، من بينها “مصر”، ومش عارف بقى هل دي حالة فصام وطني.. ولا إنسحاق حضاري.. ولا هو فعلا مش من هنا.. ولا بيتكلم بلسان الأزهر كشخصية اعتبارية تضع الأنتماء الديني قبل الوطني زي أي جماعة دينية.. ولا دخول العرب في القرن السادس الميلادي خلق واقع ديموغرافي مختلف زي ما حصل مع وصول الأوربيين للأمريكاتين وأستراليا؟
- تأكيد مولانا على أن بهذا التراث فقط حقق العرب-المسلمين ما حققوا يدل على تفكير قاصر وتواكلي تمامًا، فهو لا يرى أي قيمة للتخطيط والتدريب العسكري.. إنما مؤمن أن الحكاية كانت ماشية معاهم بالبركة وقولة لا إله إلا الله.
الفقرة دي مانتهتش هنا.. إنما واصل شيخ الأزهر التفاخر والتمجيد في عصر الغزوات..
فكانت النتيجة المزيد من السقطات، أجملها في نظري “تهتهة” مولانا وهو بيعدد اسماء الأمبراطوريات الإسلامية الكبرى.. فبعد ذكر الأمويين والعباسيين لقى نفسه مش عارف يكمل ويقول “العثمانيين” وإلا هيقع داخليًا وقعة جديدة مع النظام الحاكم، كمان وارد جدًا يكون لذكر العثمانيين في السياق ده تحديدا تأثير سلبي على علاقته بسادة النفط في دول الخليج “الحلف الموالي لأمريكا”. أو يمكن كان هيذكر دولة بناة الأزهر ثم انتبه في أخر لحظة إنه مايصحش يذكر دولة شيعية في سياق زي ده.
تساءل الإمام “الطيب” عن مرجعية “العالم الإسلامي” قبل الاحتلال الفرنسي.
وأنا أحب أجاوب حضرته، الحملات الفرنسية على “العالم الإسلامي” بدءت سنة 1798م، وقت “الدولة العثمانية”، فياريت حضرتك في ضوء المعلومة دي تجاوب بنفسك على سؤالك.
أما إجابتي أنا عليه فمش أكتر من تذكير فضيلته أن بعد خروج الفرنسيس بأربع سنين بس كانت ثورة المصريين -سنة 1805- ضد فساد الولاة العثمانيين؟؟.
وفي ختام الفقرة دي أحب أسأل جنابه:
- هل الأفضل لدولتنا -في رأيه- أن تكون مستقلة ذات سيادة وقوية في حد ذاتها ولا تكون مجرد ولاية تابعة لأمبراطورية توسعية كبرى؟
- هل أنت مع فكرة أن نكون ولاية تابعة لأي أمبراطورية عظمى وللا لازم تكون إسلامية؟
- إذا تحدث البابا بنفس منطقك عن فترة الاحتلال الروماني.. ماذا سيكون موقفك منه؟
التجديد تراثي:
قدم شيخ الأزهر -وسط واحدة من موجات التصقيف- الدعوة للتجديد بوصفها “مقولة تراثية”
طبعا هنا هو كلامه صح وماقدرش أنكر المقولة.. بس من حقي أشاور أن جنابه مش موضوعي وكمان أنتقائي.
مش موضوعي عشان الكلام ده معناه أن آراء الأئمة الأربعة غير مقدس وإن كل جيل له أئمته اللي عليهم ياخدوا من “القرآن – السنة”، يعني تفسير/تأويل حديث للآيات ده غير تدقيق جديد في الأحاديث مبني على العقل والمنطق مش على “علم الرجال”.
مش هادخل مفرمة الكلام عن نقد الفرع ده من “علوم الدين”؛ إنما هـ أشاور على وجود أحاديث واخدة ختم “التواتر”.. ولما الإنسان تقراها تلاقيها حوالي صفحة كاملة -يمكن أكتر- ومنطقيًا يستحيل “تواتر” نص بالحجم ده من غير ما يتغير، فمش معقول نبقى واثقين أن النبي – من 15 قرن – قال كل كلمة في الصفحة دي.. وفي نفس الوقت مش قادرين نحسم مين اللي كان سايق المدرعات اللي دهست المتظاهرين سنة 2011.
فهل مولانا الطيب ومن خلفه الأزهر عندهم استعداد لتقبل فكرة ظهور تفاسير حديثة ومذاهب جديدة؟.. أشك.
انتقائي في اقتباسه الجملة دي من ابن حنبل وتناسى مقولة تانية أكتر شهرة لإنها هتدمر له “الشو”، وهنشوف ده قدام شوية.
مناهج الأزهر:
ثم دافع أمام الأزهر عن المناهج داخل الأزهر.
مهم طبعا أن طلبة الأزهر يدرسوا مواد علمية حقيقية بجانب المنهج الديني، بس كمان يا مولانا مش بمجرد تعليم بعض المواد يبقى كده خلاص التعليم الأزهري منفتح ومتطور، حضرتكم مثلا من حوالي 5 سنين عملتوا شوية تعديلات على المناهج الدينية، وكان من ضمنها حذف أحكام أكل لحم الأسير اللي كان مقرر على المرحلة الثانوي ضمن منهج “أصول الدين”.
فياترى اللي درس مواد تخصصه من كتب فيها كلام زي ده ممكن -بنسبة كام- يتأثر بكلام المواد الفرعية؟
الفتنة السياسية:
صرح جنابه تصريح هام بخصوص ما يعرف تراثيا باسم “الفتنة الكبرى”.
أفهم من كده أن ما حدث بين صحابة النبي كان “صراع على السُلطة”، وأن الفروق التشريعية الموجودة النهارده بين الشيعة والسُنة هي بنت الصراع ده، وسبب قلة عدد الأحاديث المروية عن الإمام علي بن أبي طالب وآل بيت النبي مقارنة بصحابي زي أبو هريرة اللي أسلم سنة 7هـ -قبل وفاة النبي بـ4 سنين- مش صدفة وإنما تأثرًا بالصراع نفسه. شكرًا فضيلة الشيخ على توضيح أمور كتير كانت ملغزة عليا.
الغزو لو مش إسلامي كخه:
مع حلول الدقيقة العاشرة وصل شيخ مشايخ الأزهر الشريف إلى قمة التناقض مع نفسه.
وهنا مافيش كلام ولا رد أبلغ من كلام فضيلته ذات نفسه من حوالي خمس دقايق.
الحقيقة المطلقة:
الفقرة دي وصل الشيخ لقمة أداءه المسرحي اللي يولع الصالة تصقيف رغم أن الكلام بعافية جدًا.
أولَا هنا “الـ قُدَّام شوية” اللي قلت عليها في ختام فقرة “مرجعية العالم الإسلامي”، تناسى شيخ الأزهر هنا مقولة الإمام الشافعي الأشهر: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب.
ثانيًا أحب ألعب مع الإمام الأكبر نفس اللعبة: هل تعتقد أن كتب التراث تحوي حقائق مطلقة؟ ولا تشك فيها؟ إذا كنت تراها مطلقة فقد خلعت على الشافعي ما لم يخلعه على نفسه.. وضربت بالمقولة “المنسوبة” للإمام مالك: كلنا يأخذ ويرد عليه إلا صاحب هذا المقام. عرض الحائط.. ووضعت فهم السلف للإسلام في مقام القرآن.. وكمان أهدرت المال والوقت والجهد بتنظيم مثل هذا المؤتمر.
وإذا كنت تعتقد إنه مشكوك فيه يبقى أقفل الجامعة والمعاهد التابعة للأزهر وخليه مجرد جامع لإقامة الشعائر.
هل التراث مطبق:
على مدار دقيقة وشوية تباكى فضيلة الشيخ على تراجع دور التراث في حياتنا.
وكأن مولانا عايزنا ناكل ونلبس ونركب ونتنقل بنفس استايل صدر الإسلام، فنسيب بقى وسائل النقل الحديثة وكل واحد يركب ناقة ولا جمل، وفي القوانيين نطبق الشريعة ونرجع لاستخدام عقوبات تجاوزتها الإنسانية من قرون.. ومافيش مانع بقى من عودة أسواق النخاسة، فتجارة الرقيق غير محرمة دينيًا وإنما جرمتها قوانين الغرب “الكافر”.
كلام بصراحة يخلي الواحد يتساءل عن سبب تنظيم الأزهر لمؤتمر بالعنوان ده؟ ويسأل عن الفرق بين طموحات شيخ الأزهر وأبو بكر البغدادي أو أيمن الظواهري.
نظرية المؤامرة:
في أقل من دقيقة نسف مولانا الطيب المؤتمر من بابه وأفصح بوضوح عن تأففه من موضوعه.
مؤسسة قائدها المنتخب شايف أن نقد التراث مؤامرة خارجية وهي نفسها تنظم مؤتمر “عالمي” بعنوان تجديد الفكر. هل فيه عبث أكتر من كده؟؟
ولما يكون ده تفكير أعلى راس في هرم أكبر مؤسسة إسلامية يبقى طبيعي جدًا أن باقي جمهور المسلمين يعيش في نظرية المؤامرة ويبقوا شايفين العالم بنضارة الحرب الدينية ومقسمين البشر مسلمين وكفار، ويبقى طبيعي جدًا أن أي تنظيم إسلامي مش محتاج أكتر من إنه يعمل شوية دعاية عشان يلاقي متطوعين كتير.
العجيب والمضحك المبكي هو ختام الفقرة دي بالتبرأ من داعش وتصرفاتهم.
وكأن فيه شخص عاقل بعد كل ما سبق هيقتنع بالكلمتين دول، بس أنا مستعد امشي مع الشيخ الطيب للأخر وأوافق إن الدواعش جزء من المؤامرة الكونية اللي على الإسلام والمسلمين. بشرط أن فضيلته يطلع لنا فعل واحد من أفعال الدواعش مالهوش سند أو تخريجة في “التراث الإسلامي”.
الأزهر VS الكاوتش:
ختم فضيلة الإمام الأكبر كلمته/الشو بالهجوم على الجامعات العلمية
- د. أحمد زويل خريج كلية العلوم جامعة الأسكندرية “حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء”.
- د. مجدي يعقوب خريج كلية الطب جامعة القاهرة.. “حاصل حفنة جوائز عالمية منها لقب Sir من ملكة بريطانية.. ويعد أحد أهم استشاريين القلب في العالم”
- د. بطرس غالي خريج جامعة القاهرة “شغل منصب أمين عام الأمم المتحدة”.
- نجيب محفوظ خريج كلية الآداب قسم الفلسفة.. حاصل على جائزة نوبل في الأدب”.
دول قليل من كتير تخرجوا في الجامعات العلمية الحقيقية.
فيبقى السؤال: عبر قرون طويلة جدًا من التعليم الديني ماذا قدم الأزهر؟ وماذا قدمت “علوم الدين” للحياة؟
وهل نقتل “بعضنا بعضًا” إلا باسم المذاهب الإسلامية؟.. ده على فرض أن المقصود هو كل سكان المنطقة مش فقط المسلمين السُنة منهم.
ختامه رش ميه:
واختتم كبير الأزاهرة كلمته
في تأكيد أخير وحاسم أن لا شيخ الأزهر ولا كوادر المؤسسة متفقين مع عنوان المؤتمر اللي همه منظمينه.
ملحوظة:
في الختام ألفت نظر الشيخ الطيب أن مافيش ملاحظة سريعة مدتها تِلت ساعة.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
حمار ماسك قلم
كنت فاكر ست هى اللى بتتكلم بسبب انتقاء الفاظ زى كبير الازهاره واختراعات لغويه اخرى بس للاسف كلام مصاطب