الداعية أمير منير يروج لتجارة جديدة أم “هدية مش أي هدية”.. موقف العلماء من عمرة البدل
الداعية أمير منير يدعو لعمرة وأنت مكانك بدون مجهود!!.. لا أحب في العادة الخوض في سِيّر الناس عامة ولا انتقاد الشيوخ والدُعاة على وجه الخصوص فهم في الظاهر يمثلون الدين ولا أرى أنه من حقي ولا حق أحد تأويل نواياهم، فالله أولى بأن يحاسب عباده على ما في سرائرهم سواء أكانوا صادقين الإخلاص أم هناك فيما يقدمونه حظ نفس أو تجارة، فقناعتي تامة بالمثل “دع الخلق للخالق”، لكن دائمًا انظر للشيوخ والعلماء وكذلك المعلمين بأنهم قدوة لغيرهم لذا من الواجب عليهم أن يراعوا كل لفظ يخرج من أفواههم وكل فعل يقومون به حتى لا يكون سببًا في جلب المفسدة لسائر المسلمين خاصة من يسيرون على نهجهم ويصدقون كل ما يتلفظون به حتى بلغ الأمر إلى ثقةٍ عمياء.
لكن ما فعله الداعية “أمير منير” لا يتحمل الصمت حيث استطاع بجدارة أن يجرد الدين من كل معانيه الروحية، بشكل مخزي وكارثي، وحول العبادة الروحية إلى رياضة صماء لا روح فيها، إذ نشر عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي ” فيس بوك” إعلانًا فيه أن المسلم يستطيع أن يُهادي قريبه المتوفى عمرة من خلال” الابليكشن” بمبلغ 4000 جنيه مع وجود خصومات فورية!
“أمير” الذي اكتسب شهرته الواسعة بين فئة من المتدينين من خلال فيديوهاته عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكنه وللأسف استغل هذه الشهرة ليتربح تجاريًا باسم الدين، ويعلن عن مشروع من مشاريعه الكثيرة تجاريًا هذه المرة عمرة بـ 4000 جنيه وأنت في بيتك، عمرة دليفري !
استهل “أمير منير” الإعلان الذي تحت عنوان “تخيل تعمل عمرة لأحبابك (متوفى- مريض- عاجز) بأقل من ٤٠٠٠ جنيه” متحدثًا عن مشاعره عند مشاهدة صورة مكتوب عليها اسم والده من داخل الحرم المكي وذلك بعد وفاة الوالد فأثارت عواطفه ووجد أن ذلك قد يكون سببًا في إدخال السرور على العديد ممن فقدوا ذويهم فاستغل هذه المشاعر ليروج عن التطبيق.
القصة وما فيها حسب ما ذكر أنه كان في رحلة عمل بالمملكة العربية السعودية خلال ٣ أيام وكان معتادًا أن يقوم بعمل عمرة عن والده المتوفى، فاكتشف أنه لم يعتمر عن أخيه المتوفى فقرر أن تكون العمرة هذه المرة لأخيه لكنه كان في غاية الأسى لكونه لن يستطيع أن يعتمر عن والده فكان الحل السحري للقيام بعمرة عن والده تطبيق “عمرة البدل“، وكان من نصيبه تجربة التطبيق حيث قام بإدخال اسم المُعتمَر عنه وظهر أمامه العديد من الاختيارات “عمرة – عمرة سريعة أي تنفذ بعد الطلب بمدة زمنية قصيرة قد تكون في نفس اليوم – عمرة في رمضان”.
لم يكتفي بالشرح شفهيًا بل قام بالتجربة أمام المتابعين رأي العين ففتح التطبيق وبدأ بشرح كيفية التعامل مع التطبيق، وبعد إرسال الطلب من خلال التفاصيل المطلوبة المتمثلة في الاسم، ثم تسجيل الاسم صوتيًا، الجنس، الحالة (متوفى- مريض- عاجز)، ما عليك سوى انتظار مقطع الفيديو الذي يتم إرساله من القائم بالعمرة البدل من عند الميقات مكتوبًا عليه النسك واليوم والوقت معلنًا ذلك بقوله “لبيك اللهم عمرة عن…. يذكر اسم المتوفى أو المريض”.
ثم يعود ليرسل إليك فيديو مرفقًا باليوم والوقت أيضًا أثناء تأدية الطواف بالكعبة المشرفة ويواصل الدعاء للمُعتمر عنه، إلى أن يؤدي نسك السعي بالصفا والمروة، مرغبًا المشاهدين قائلًا “عمرة سهلة وبسيطة ربنا يجعلها عمرة متقبلة إن شاء الله”، مضيفًا “دلوقتي تقدر تعتمد تطبيق عمرة البدل، صديقك اللي في مكة، توكله بعمرة عن مريض لا يُرجى بُرئه، أو عن عاجز لا يستطيع الذهاب لمكة، أو متوفى، وقد أجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- الوكالة بالعمرة لهؤلاء في الكثير من الأحاديث الصحيحة”.
هل انتهينا!، لا بل لديه خصم خاص لأول ٥٠٠ متابع يقومون بطلب عمرة وذلك باستخدام الكود المكتوب في التعليقات مع رابط تحميل “الابليكشن” ليحظوا بخصومات لا مثيل لها، مختتمًا “هدية مش أي هدية”.
وكما ذكرت في مستهل مقالي لم أفصح عن نوايا “منير”، لكن من الواجب أن أقف على مشروعية هذا الأمر الذي دعى إليه “عمرة البدل” وما موقف الشرع من هذه الكيفية في الوكالة؟
في الحقيقة أول ما لجئت إليه موقع “يوتيوب”، فظهر أمامي فيديو للشيخ الكويتي الدكتور “عثمان الخميس” عبر قناته تحت عنوان “هل يجوز العمرة عن شخص مقابل مبلغ من المال”، استعجب “الخميس” من الأناس الذين يتخذون بعض الأمور التعبدية تجارة ويكأنها تجارة بالدين، حتى وصل الأمر إلى الاستغلال لذوي المتوفى من خلال الترويج لعمل مصاحف مطبوع عليها اسم الميت أو طباعة كتب ونشرها أو توزيع زجاجات ماء زمزم كل ذلك من أموال المتوفى، وهذا كله الدين منه براء بل إن الأولى للدعاء للمتوفى أو الصدقة الجارية المتأكد من نفعها الفعلي للناس، أما عن الوكالة في العمرة عن طريق شركات السياحة والتطبيقات فقال بصريح القول أن هذه “بدع ما أنزل الله بها من سلطان”، موضحًا من أراد القيام بعمرة عن أحد ذويه فليتكفل هو بذلك إن استطاع ولا يصح الاعتماد على مثل هذه السبل التي تقبض المال مقابل العمرة.
ولتحري الدقة أكثر استفتينا الشيخ “محمود شمس” أستاذ القراءات والبلاغة بقسم القراءات بجامعة الطائف عن حكم “عمرة البدل” في ميزان الشرع، ففصل الأمر تفصيلًا، فلا يجوز الاعتمار عن امرئ حيٍ وما زال على قيد الحياة ولديه الاستطاعة للقيام بها، فالأولى تأدية المرء لنسك العمرة والحج بذاته وإن تجاهل هذا الأمر فالعمرة أو الحج باطلًا، أما إذا توفى أو أصيب بحالة مرضية أو عمرية يعجز بها عن السفر للبلد الحرام لتأديتها أو قد يتسبب السفر في إذاء له، يجوز لأولاده الوكالة عنه أو دفع أموالٍ للثِقات بالاعتماد عنه ويستحب إن كان مريضًا أن تؤجل تأدية العمرة عنه لحين وفاته، وتساءل “شمس” عن كيفية تأدية العمرة لهذا الكم من المشتركين فإذا اشترك على سبيل المثال ٥٠٠٠ متابع هل سيقوم القائمين على التطبيق بتأدية ٥٠٠٠ عمرة أم ستؤدى عمرة واحدة لتُجزئ عن الجميع!
أرجو من الداعية “أمير منير” أن ينأى بنفسه عن الشبهات، حتى يسلم باقي الدعاة الذين يشملهم الانتقاد على ذنب لم يرتكبوه، لكنا تعودنا في مجتمعاتنا أن “السيئة تعم والحسنة تخص”.