الدخلة البلدي.. منديل الاستدلال على الشرف
كانت “أمنية” في عمر الـ 16 عامًا -التي أصبحت جدة الآن- عندما زوجها أهلها لرجل يكبر عنها 15 عامًا، لتتعرض الفتاة وقتها إلى موقف وصفته بأنه جريمة في حقها ولن تتمكن من نسيانه رغم مرور تلك السنوات عندما أجبروها على القيام بما يسمى بـ “الدخلة البلدي”
الدخلة البلدي هي قيام بعض أفراد عائلة العروس والعريس الممثلون في والدتها وحماتها بأخذها إلى غرفة النوم و استلقائها على السرير إجباري ،وإحكام حركتها بإمساك يديها وقدميها مع حضور القابلة والعريس ليقف الآخير قابلة العروس ليلف على إصبعه منديل أبيض ويمد يده بين ساق العروس لفض غشاء البكارة الخاص بزوجته حتى يثبت شرفها، وتنشر تلك الظاهرة في بعض قرى صعيد مصر وبعض ضواحي القاهرة الكبرى التي لا تزال تؤمن بها رغم التطور الذي يشهده العالم.
لم تعرف “أمنية” أن الليلة الأولى في زفافها التي حلمت بها، أن تحمل بين طياتها كارثة ستعكر صفو حياتها للأبد، إذا جرد العادة وقتها أن يثبت شرف الفتاة من خلال فض غشاء البكارة باستخدام الإصبع بدل من العضو الذكوري حيث يضمن الجميع شرفها.
“هتفضل الليلة دي علامة في حياتي”.. مرت السنوات على “أمنية” وأنجبت أربعة أولاد أكبرهم في الـ 27 من عمره وأصغرهم في الصف الثاني الإبتدائي، ورغم انقضاء تلك المدة عن الليلة الموعودة إلا أن تفاصيلها لا تغيب عن ذاكرتها كلما تحدث أحد عن ليلة الدخلة.
زوجت “أمنية” القاطنة في إحدى ضواحي القاهرة الكبرى ابنتها ورغم أن تلك العادة كانت لا بد منها وفقًا لعاداتهم إلا أنها رفضت القيام بهذا الشئ بابنتها:”أنا وقتها أجبروني على حاجة مكنتش موافقة عليها خالص ومكنتش اعرف أنهم هيعملوا معايا حاجة زي كدا بس أنا وعيت أي الصح وأي الغلط و اللي حصل معايا مش هخليه يحصل من بنتي”
إحصائيات ضئيلة
رغم أن قضية الدخلة البلدي إحدى الجرائم التي ترتكب في حق المرأة إلا أن مراكز الدراسات المعنية بقضايا المرأة على مستوى الجمهورية لا يتوفر لديها أي إحصائيات دقيقة عن هذه العادة خاصة.
كما تركز أغلب المنظمات النسوية الفاعلة في مناطق الصعيد على قضايا رئيسية كالختان و زواج القاصرات وتعليم الفتيات بينما لا تولى إهتمامًا كبيرًا بهذه المشكلة نظرًا لحساسيتها وعدم انتشارها على نطاقات واسعة.
ولكن في دراسة مسحية أصدرها مركز البحوث الجنائي والاجتماعي بعنوان “عادات تراثية بين الاندثار والاستحداث” يسلط الضوء عن مدى انتشار عادة الدخلة البلدي، حيث أوضحت أن 7 من كل 10 سيدات يتم الاعتداء عليهن يوميًا بهذا الشكل الصارخ في ليلة الزفاف من قبل ذويهن.
وفي دراسة ميدانية تُعد من الدراسات القليلة التي أجريت في العام 2003 عن الدخلة البلدي لجمعية بريق لمناهضة العنف ضد المرأة أوضحت أن 85%من بنات الأحياء الشعبية على اختلاف الثقافات ودرجات التعليم يتعرضن لهذا الفعل من بينهن جامعيات وحينها يكون الأثر النفسي أعمق وأشنع.
ليلة قلبت موازين حياتها
عاشت “صباح” في عقدها الرابع لحظات من الرعب كادت تقضى على حياتها، بعدما لم يتمكن زوجها من فض غشاء البكارة الخاص بها، ليتصل بأخواتها ويخبرهم بما حدث ليأتوا محملين بالسلاح الأبيض والمسدسات يتعازمون على من يقتلها.
“كل واحد من أخواتها كان بيتعازم أنه هيقتلها علشان يمسح عاره”.. تحكي شقيقة صباح ما حدث مع شقيقتها في ليلة زفافها بعدما فشل الزوج في فض غشاء البكارة ما جعلهم يشكون في عذريتها الأمر الذي استعدى طبيبة نسائية للكشف عنها في وسط تجمع مهيب من أفراد عائلة الطرفين، بعدما اقترح أحد الحاضرين هذا المقترح قبل اتخاذ خطوة قد يندمون عليها لاحقًا.
بنتكم سلمية مفيهاش حاجة”.. أكدت الطبيبة النسائية التي كشفت على “صباح” أنها لم تفقد عذريتها وأن غشائها من النوع المطاط الذي لا يفض من المرة الأولى من حدوث العلاقة الزوجية أو حتى باستخدام الإصبع بل سيفض عند حدوث الولادة الطبيعة الأولى أو عن طريق التدخل الجراحي.
لم يستطع زوج “صباح” أن ينتظر حتى يحدث الحمل ويفض الغشاء أثناء الولادة الطبيعية، ليطلب من الطبيبة أن تتدخل لإنهاء هذا الأمر:”لما طلب من الدكتورة أنها تدخل علشان تفضيه استخدمت أداء حادة تسبب في حدوث إصابات ليها”
لم يكتفي الأمر عند الإصابة الجسدية فقط بل تطور الأمر إلى الأضرار النفسية التي جعلت “صباح” تخشى إقامة العلاقة الزوجية مع زوجها فما حدث خلال تلك الليلة جعل بينها وبين زوجها حاجزًا تتمنى لو كان ما مرت به مجرد كابوس وينتهي.
أسلوب جاف
الدكتور عطية أبو النجا، استشاري جراحة النساء يؤكد أن الدخلة البلدي من العادات السيئة القديمة، وأسلوب جاف ومؤلم نفسيًا حيث يتسبب للسيدة خوفًا دائم من عملية التزاوج.
ويوضح “أبو النجا” في تصريحات “للميزان” أنه في بعض الأحيان بسبب الدخلة البلدي يحدث نزيف حاد بسبب تدمير الأنسجة في منطقة المهبل نظرًا إلى أن طول غشاء البكارة لا يتخطى الـ 2 سم، كما أن سكمه ليس رقيق ويصل له كمية ضعيفة من الشرايين والأوردة التي تغذي هذا النسيج.
يُضيف “أبو النجا” أن من يقبل على القيام بتلك الجريمة بحق المرأة يضع يده دون مراعاة حجم فتحة المهبل والاتجاه الصحيح للفتحة بعد الفتحة الخارجية ما يتسبب في إصابة جزء كبير من الأنسجة والعضلة القابضة للشرج ومن الممكن أن يحدث فتحة بين المهبل والشرج تدعى “نسور” ما يتسبب في عدم التحكم في البراز والبول وغيرها من الأعراض.
ويُشير “أبو النجا” إلى أنه في بعض الأحيان يوجد غشاء بكارة سميك وفي تلك الحالة يصعب فض الغشاء من المرة الأولى للعلاقة حيث يحتاج هنا إلى التدخل الجراحي لأن محاولة فتحه بدون التدخل الجراحي يؤدي إلى أعراض تهتك وتدمير الأنسجة في المهبل ونزيف حاد. لافتًا إلى وجود حالات نادرة لفتيات ولدن بدون غشاء بكارة.
نهاية كللت بالطلاق
قبل عشرين عامًا تقدم “محمود” لخطبة ابنة عمه “عبير” بعدما أحبها حبًا شديدًا بسبب جمالها فكنت صاحبة عيونًا خضراء وشعر أصفر، كانت هى لا تبادله نفس المشاعر، ورغم ذلك لم يفرق معه وصمم على الزواج بها فوافق عمه في النهاية.
أعربت “عبير” عن رفضها لتلك العلاقة لكن وقتها أجبروها على الزواج، وفي ليلة الدخلة رفضت أن يقيم معها العلاقة الجنسية، لتتجمع النساء ويتفقوا على اتباع الدخلة البلدي معها حتى لا يتحدث أحدًا بأنها غير شريفة وبالفعل حدث ما كانوا يرغبون فيه.
عاشت “عبير” بعد تلك الليلة مأساة وآلام نفسية لا تشفى، منعت زوجها من التقرب منها وبعد شهر انفصلت عن زوجها بعدما تمت عملية الطلاق، رافضة الزواج من أي رجلًا أخر.
جروح غائرة
يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن الدخلة البلدي عادة سيئة وذات تأثير سلبي على الحالة النفسية والجسدية للمرأة، إذ تتعرض بعض الفتيات لنزيف حاد قد يؤدي للوفاة، بالإضافة إلى حدوث صدمة نفسية والشعور بالخوف الشديد من الزوج.
يُضيف “فرويز” في تصريحات “للميزان” أن تلك الممارسات قد يتبعها جروح غائرة في القناة المهبلية والإصابة بالنسور المهبلي والشرجي، وتصلب عضلة المهبل ما يصعب إقامة العلاقة الزوجية بين الزوجين، بالإضافة إلى إصابتها بعدم الثقة وقد يصل الأمر إلى استحالة العشرة بين الزوجين.
عادة رجعية
تقول نهى سيد المحامية بالاستئناف العالي ومؤسسة مبادرة “صوت لدعم حقوق المرأة”، إن الدخلة البلدي أو منديل الشرف كما يقال هو عادة رجعية والغريب أنها مستمرة حتى الآن في بعض القرى وبين القبائل والعائلات، مرجحة أن السبب في ذلك يعود لعدم الثقة بين أطراف الأسرة سواء في عذرية الفتاة أو في مقدرة الرجل على النجاح في فض غشاء البكارة بشكل طبيعي.
تُضيف “سيد” في تصريحات “للميزان” أن تلك العادات موروثة دون وعى أو اهتمام للنساء بشكل عام حيث تسيطر تلك الأفكار على هؤلاء الأشخاص دون اكتراث لحقوق الجسد وخصوصية الزوجة.
وعن وجود أي نص قانوني يحرم تلك العادة، توضح “سيد” أن المادة 268 من قانون العقوبات تنص على أن كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع فى ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث إلى سبعة سنوات، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ ست عشرة سنة أو كان مرتكبها ممن نص عنهم فى الفقرة الثانية من المادة 267 يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى أقصى الحد المقررة للأشغال الشاقة المؤقتة، وإذا اجتمع هذان الشرطان معا يحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة، ولكن مع ضرورة تقديم شكوى من الطرف المتضرر أو ذويه في حالة زواج القاصرات في القرى والأرياف تتزايد الحالات مع الأخذ في الإعتبار أن تزويج الأطفال جريمة وهتك عرضهن بالقوة في الدخلة البلدي وتعرضهن للخوف والإجبار على ممارسة الجنس مجموعة جرائم تستوجب العقوبة عليها.
تُشير “سيد” في حديثها إلى أن دور الدولة متوفر في حالة تقديم شكوى أو ازدياد الضرر بحدوث إصابة أو وفاة. متطرقا إلى الدور الحالي الذي يتم عبر التوعية بالحقوق الجسدية والجنسية والصحة الإنجابية:”لدينا رؤية بشأن التوعية فالسكوت عن حالات هتك العرض بالقوة تحت إطار الدخلة البلدي وخاصة في تزويج القاصرات يؤدي إلى تفاهم الأمر ويصل لحدوث حالات اغتصاب زوجي وممارسة الجنس كرها ويبيح ذلك بعدما تم أول لقاء بين الزوجين بالإكراه في الدخلة البلدي”
أما عن مبادرة “صوت لدعم حقوق المرأة”، تقول” سيد” إن المبادرة تسلط الضوء على معاناة النساء كما تناقش الموضوعات الخاصة بليلة الدخلة البلدي، حيث يوجد قسم بحثي في الموقع الإلكتروني بعنوان “تحت الضوء” خاص بموضوعات مختلفة عن النساء وما يتعرضون له في الحياة الاجتماعية.
مهانة لكرامة الإنسان
ولم تغفل دار الإفتاء المصرية عن إبداء رأيها في تلك القضية، ففي العام 2016 أصدرت فتوى توضح من خلالها أن تلك الممارسات هى مهانة لكرامة الإنسان. مؤكدًا أنه لا يجوز فض البكارة بالإصبع، وأن الزوج يعاقب حال فعله ذلك، حيث أمر الإسلام بالإقلاع عن هذه العادة السيئة.
واجمع العلماء بأن الزوج الذي يلجأ لمثل تلك الممارسات يعاقب ويُضرَب ويُؤَدَّب إذا فعل ذلك، حيث قال الإمام الدردير: “وإزالة البكارة بالإصبع حرام، فيُؤَدَّبُ الزوجُ عليه”
إقرأ أيضًا.. رسالة الى العروسة وأمها.. خبراء التجميل “مش سوبر هيروز “