“رحل في نفس شهر موت الأديب” وداعًا الدكتور فتحي هاشم منقذ حياة نجيب محفوظ

صدفة قدرية جمعت بين وفاة الدكتور فتحي هاشم ورحيل الأديب نجيب محفوظ، فقد توفي الدكتور فتحي هاشم في نفس الشهر الذي مات فيه نجيب محفوظ (أي قبل حلول الذكرى ال18 لرحيل أديب نوبل بـ8 أيام)؛ وتوجت تلك الصدفة الحب الذي كان يكنه الطبيب للأديب، ويتخلد اسمه في التاريخ المحفوظي بأنه الرجل الذي أنقذ نجيب محفوظ من الموت في محاولة اغتياله يوم 14 أكتوبر 1994م.

الدكتور فتحي هاشم ومعرفته بنجيب محفوظ

في عام 1946م ولد الدكتور فتحي هاشم وكان والده يعمل مدرسًا للغة العربية، وجده لوالده كان أستاذًا بالأزهر الشريف، بينما جده لوالدته كان أستاذًا بكلية الحقوق قسم الشريعة الإسلامية، وبدأ هاشم معرفته بنجيب محفوظ أولاً من خلال رواياته حيث بدأ قراءتها وهو في سن العشرين.

اقرأ أيضًا
لا تصدق كل ما يحكيه الروائيون .. قصة ولادة نجيب محفوظ مزيفة!!!

معرفة الدكتور فتحي هاشم بنجيب محفوظ والتواصل الفعلي بينهما ذكره في حوارٍ صحفي مع الزميل إسماعيل الأشول[1]، حيث ذكر أن صدق نجيب محفوظ في التعبير عن الطبقة الوسطى جعله يسعى للقاءه وهو في الجامعة، إلى أن قابله للمرة الأولى في حديقة المنتزه مع أسرته وسأله عن رواياته فنصحه نجيب محفوظ بمزيد من القراءة أكثر، ليتجدد اللقاء مرةً أخرى في القاهرة بشارع قصر النيل وقال له نجيب محفوظ أنه يذهب لكازينو قصر النيل من الساعة 5 مساءًا إلى 8:30 مساءًا، ومن ساعتها التزم فتحي هاشم بلقاء نجيب محفوظ إلى حين رحيل الأخير.

منذ العام 1984م كان أصدقاء نجيب محفوظ يتولوا مهمة نقله بسياراتهم، وفي أحد الأيام جاء فتحي هاشم لنجيب محفوظ قبل موعده بنصف ساعة وطلب منه أن يوصله، لكازينو قصر النيل، وحدث تنافس بين فتحي هاشم والكاتب زكي سالم حول من منهما يتولى مهمة نقل نجيب محفوظ ذهابًا وإيابًا، إلى أن حسم نجيب محفوظ الأمر بأن يتولى فتحي هاشم مهمة توصليه في الذهاب ويتولى زكي سالم مهمة إرجاعه لمنزله.

فتحي هاشم ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ

في يوم الجمعة 14 أكتوبر عام 1994م خرج نجيب محفوظ من منزله الكائن في 172 شارع النيل في منطقة العجوزة، وعند تمام الخامسة مساءًا وصل الدكتور فتحي هاشم بسيارته فيات ريجاتا الحمراء التي تحمل رقم 328796 ملاكي القاهرة، ونزل منها ليساعد نجيب محفوظ في الجلوس على المقعد الأمامي، ثم استدار فتحي هاشم ناحية الباب الآخر للسيارة وهم بفتحه ليقترب أحد الأشخاص من نجيب محفوظ وكان يعتقد أنه أحد القراء الذين يتوجهون لمصافحته، لكن الشخص ما كان إلا قاتل قام بمباغتة نجيب محفوظ وطعنه في رقبته بمطواة.[2]

كان الدكتور فتحي هاشم بين شقي رحى، فهو بدأ يخطو راكضًا لملاحقة الجاني، لكنه تراجع لكي يذهب بنجيب محفوظ لمستشفى الشرطة المجاورة له، وكان ذلك قرارًا صائبًا، ويصف فتحي هاشم الموقف بأنه وجد مطواة صدئة لها يد من خشب، فسحبها ورماها على الأرض، وكان ذلك خطئًا منه لأن وجودها في مكان الإصابة يقلل النزيف لكنه لم يكن يعرف أنها داخل رقبته وظن أنها في كتفه، ثم ركب سيارته واتجه لمستشفى الشرطة.

شهادة الدكتور فتحي هاشم للمحقق لعبت دورًا في تحديد الجاني حيث قال هو شاب عنده 26 سنة تقريبًا، وطوله يتراوح بين 160 و165 سم، قمحي اللون يميل للسمرة وبدون شارب أو لحية طويلة، شعر رأسه أسود وقصير وعيناه واسعتان، ولما سئل حول هل لديه أقوال أخرى قال: من حوالي سنة أو سنتين أبلغ مدير الكازينو الأستاذ نجيب محفوظ بأنه تلقى تهديدًا كتابيًا بنسف الكازينو إن لم يمتنع عن إقامة ندوة نجيب محفوظ وأبلغ صاحب الكازينو الشرطة التي وضعت حراسة على باب الكازينو.[3]

كان الذي غرز المطواة في رقبة نجيب محفوظ هو محمد ناجي محمد مصطفى (21 سنة وحاصل على دبلوم صنايع ويعمل في إصلاح الأجهزة الكهربائية) وقال أنه لم يقرأ رواية أولاد حارتنا وإنما سمع بمحتواها من أحد أعضاء الجماعة.

أما الذي وضع خطة الاغتيال وقام بالتحريض على قتل نجيب محفوظ هو محمد خضير أبو الفرج المحلاوي الطالب في المعهد الفني التجاري في بورسعيد والقاطن في شارع مدرسة الحناوي في دمياط؛ وقال في التحقيق أنه قرأ رواية أولاد حارتنا ثم شاهدها في فيلم وكان يقوم بدور الجبلاوي هو الفنان يحيى شاهين (وكان ذلك كذب وجهل لأن الرواية لم يتم تحويلها سينمائيًا).[4]

بدأت المحاكمة العسكرية للمتهمين في محاولة اغتيال نجيب محفوظ في 6 ديسمبر 1994م، وصدر الحكم بإعدام محمد خضير أبو الفرج المحلاوي ومحمد ناجي محمد مصطفى في 10 يناير 1995م، وتم التصديق على الحكم في 20 فبراير من نفس العام، ليتم تنفيذ الحكم فيهما يوم 29 مارس 1995م.

إقرأ أيضا

لاعب يوجا مغطى بالثلوج يتأمل في جبال الهيمالايا يثير نقاشًا عبر الإنترنت

في منشورٍ عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي قال الكاتب سيد محمود في نعيه للدكتور فتحي هاشم، أنه بعد سنوات من محاولة الاغتيال حدث لقاء بين نجيب محفوظ ووالد القاتل، وقد تعاطف نجيب محفوظ مع والد الإرهابي بسبب الفقر وأدرك السبب الحقيقي للإرهاب.

كان الدكتور فتحي هاشم يدرك أن الحالة الصحية لنجيب محفوظ ميئوس منها، ورغم ذلك تلقى خبر وفاته في 30 أغسطس 2006م بذهول، وكان دائمًا يقول «وحشتني.. وحشتني جدًا.. وهتفضل توحشني لغاية ما أحصلك».

[1]  إسماعيل الأشول، «رجل الأقدار» الذي أنقذ نجيب محفوظ من الاغتيال.. فتحي هاشم: فوجئت بالجاني يغرس مطواة صدئة في رقبته، جريدة الشروق، ع3604، 15 ديسمبر 2018م، ص6.
[2]  رجاء النقاش، صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، ط/1، دار الشروق، القاهرة ـ مصر، 2011م، ص371.
[3]  محمود صلاح، أولاد شارعنا .. نجيب محفوظ ملف محاولة الاغتيال، ط/1، دار أخبار اليوم، القاهرة ـ مصر، 1997م، ص16.
[4]  خالد صلاح وعبدالفتاح عبدالمنعم، المحكمة عسكرية والمحاكمة فكرية، جريدة العربي الناصري، س77، ع77، 19 ديسمبر 1994م، ص3.