الدورات الرمضانية .. هل فيكم مَن يلعب مع الخسران؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أصعب من أجواء المُباريات المُقامة على ملعب غزل المحلة الأسطوري، دخان الشماريخ بملعب اللابمبونيرا وصوت الجموع بملعب ريفربليت، مونومنتال أنتونيو فيسبوسيو ليبرتي، رشق الطوب، وزجاجات المياة، عند كل راية من رايات الكورنر، وصراخ المدربين ومشاحنات الأجهزة الإدارية، هذا يشيربإصبعه المعيب لحكم المباراة، وهذا يصدر صوتًا من أنفه تعبيرًا عن الغضب، وتسمع : هذا لاعب “عويل”، وآخر “مكسّح”، وهذا “حريف ماجبتوش ولّادة” ،.. طفلين يتشبثان بالأسلاك المحيطة بالملعب، وآخر قد تسلّق شجرة وظفر بأغلى المقاعد مخرجًا سيجارته لتكتمل أمامه سهرة أمتع من أقوى مباريات دوري أبطال أوروبا بنشيدها الشهر، وقمة أكثر احتدامًا من مباريات الأهلي والزمالك، وليلة ولا كل الليالي، الليلة التي سيتم فيها تتويج أبطال “الجيهة”، أو وحوش القرية، أو “زازير الحارة” .. وهذه ألقاب يعرفها جيدًا كل من دخل عالم الدورات الرمضانية .
الدورات الرمضانية وما أدراك .. الفلكلور الكروي الأول بمصر وما أدراك .. عالم خاص وجانب متخصص يعرفه “الكويّرة” لا غيرهم، وهي رحلة تبدأ تحديدًا في أول شهر شعبان، حيث يُفتح باب التسجيل بالملاعب الشعبية، ومراكز الشباب، والساحات، وتكون الدورة الرمضانية غالبًا بنفس تنظيم بطولة كأس العالم، لكن المختلف هنا أسماء ، بدلًا من المنتخب البرازيلي عندك مثلًا فرقة “المنشاوي”، وبدلًا من المنتخب الفرنسي عندك فريق “المراكبية”، و “عزبة الأسد” بدلًا من المنتخب الهولاندي.
تدفع كل فرقة من خمسين إلى مائة جنية، ويخرج الجزء الأكبر منها إلى حجز الملعب – كان حجزالملعب قديمًا لا يتجاوز الثلاثون جنيهًا وأصبح الآن مائة فيما أكثر بعد عصر الترتان والكشّافات – ثم يتم تعيين حكمين رئيسيين للملعب، وهم في الحقيقية يكونان لاعبين شهيرين في كرة الخماسي ولهم باع وشخصية ولا تخدعهم (صياعة) اللاعبين بالمستطيل الأخضر، وتبدأ إدارة كل ملعب بتغيير الشباك، وإعادة رسم خطوط الملعب بمادة الجبس الأبيض، وأحيانًا ما تستعين إدارة الملعب بمعلّق ويكون غالبًا مشروع معلّق كبير قادم، فهو أفضل وأقوى صوت بالقرية وأكثرها قدرة على الارتجال، وكان المعلق الشهير محمد الكواليني واحد من خريجي الدورات الرمضانية، والفريق الفائز سيحصل غالبًا على مبلغ من ثلاثة إلى خمسة آلاف جنية .. وغالبًا ما تحدث مشاجرة بنهائي كل دورة يتذكرها جمهور المنطقة للعام التالي.
ترتبط الدورات الكروية المصرية في الأذهان بشكل كبير بفيلم الحريف، الإدارة المالية التي كان يشرف عليها الفنان عبد الله فرغلي، أو عم (رزق) الذي كان يعتبره (فارس) الذي لعب دوره الزعيم عادل إمام، مديرًا لأعماله الكروية، وهناك عبارة شهيرة قالها فارس ولازالت تردد على لسان جمهور العمل، حتى الذين لم يشاهدوا العمل من الأساس : “أنا هلعب مع الخسران” ، وكان فارس قد استطاع قلب النتيجة لصالح الفريق الخاسر بفضل مهاراته الخارقة، وقد تعاطف فارس بشكل أو بآخر مع الخاسر، لكننا هنا لسنا في فيلم الحريف .. هنا الدورة الرمضانية لمنطقة العشرين بمنطقة فيصل، أو دور الحاج “عبد الرحيم السمباطي” بدهشور .
لا أحد هنا يلعب مع الخسران، بل لا تعاطف بالأساس مع الخسران، من السنة للسنة يتم إذلال الزبون ليل نهار، على المقهى تارة، وعند حلّاق المنطقة تارة، وفي محل البلايستيشن تارة أخرى .. لا أحد يلعب مع الخسران، فهنا أجساد تلتحم وكأنهم يلعبون نهائي كأس العالم.. أصدقائك وأقاربك هم جماهيرك، لا تخذلهم، يمكنك الطيران في الهواء لالتقاط الكرة، يمكنك أن تضع رأسك بين أقدام لاعب المنافس وسور الملعب أو جذوع أشجاره، يمكنك أن تضحي بحذائك الذي اشتريته بمائتي جنية، مقابل (تاكلينج) لا تدخل بسببه الكره مرماك .. يمكنك فعل أي شئ .. لكن لا تخرج من الملعب مهزومًا .
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال