الدين الموازي.. التأسيس

تتصاعد وتيرة التعظيم من شأن السُنة عموما والأحاديث خصوصا مقابل القرآن، المُنحنى ده وصل ذروته في الكام سنة اللي فاتوا، ومن أبرز التصريحات في السياق ده تلاتة.

مؤخرًا فيديو عبدالله رشدي للرد على ميدو، واللي ساوى فيه بين القرآن والسُنة من حيث دقة الجمع، وده كذب تاريخي بين وضحناه في موضوع سابق.

بالإضافة لتصريح شيخ الأزهر، أحمد الطيب، إن السُنة أهم من القرآن في الإسلام.

وطبعًا ماننساش تصريح الشيخ محمد حسان، بأن الأحاديث تنسخ القرآن.

ما يعني، بشكل أو بأخر، إننا بنعيش لحظة تحول كبيرة في تاريخ الإسلام، لحظة يجتمع فيها فرقاء الكهنوت الإسلامي، من سلفيين وأشاعرة أصلا بيكفروا بعض، ويتحدوا على هدف واحد.. وهو الانتصار للأحاديث على القرآن، أو ما يمكن وصفه.. بخلق دين موازي.

فلاش باك

نتيجة لصراع سياسي تاريخي (الفتنة الكبرى) انقسم الإسلام على مدار خمستاشر قرن لمعسكرين رئيسيين، أنصار علي بن أبي طالب وأنصار معاوية بن أبي سفيان، أو باختصار شيعة علي وشيعة معاوية، ثم مع امتداد الصراع لزمن أطول من عُمر القادة بقى فيه معسكر علوي ومعسكر أموي.

خلال الرحلة الطويلة دي كل معسكر كان شديد الحرص على دعم نفسه والطعن في الأخر بكل قوة، ولأن العرش المتنازع عليه هو عرش إمبراطورية كبرى تتوسع باسم الدين وتكتسب شرعية حكمها منه، فكانت المعركة بينهم بتتم عبر حجج دينية. ولأن الوحي الإلهي متمثل في القرآن من الصعب تطويع آياته وتأويلها بما يتناسب مع الصراعات السياسية المعروفة بتطورتها وتعقيدتها الكتيرة والسريعة.

كان الحل البديل هو توسيع رُقعة “الدين” لأبعد من القرآن؛ العمل على خلق نص أو نصوص موازية يمكنها حمل شيء من القداسة، بهدف دعم السلطة وشيطنة عَدوُّيِنهَا، الأمر اللي تدريجيًا خلق دين موازي.

لجأ كل فريق لتجميع الروايات والأحاديث المنسوبة للنبي، والأهم التأسيس لمفهوم أسطوري يقدر يحمي النصوص دي من التشكيك أو حتى النقد.. العصمة.

حرب المقولات

ركز الفريق الأموي على تقديم فكرة عصمة النبي من الخطأ والتأكيد عليها، كمان أشتغلوا على تنزيه جيل الصحابة على خفيف، ومن بعدهم التابعين وتابعي التابعين، واخترعوا ما يسمى بـ”علم الرجال” عشان يقوم على كتافهم النص الموازي. بالتالي تدريجيا يتم خلق نص مقدس موازي، هو الأحاديث، أما الفريق العلوي فخدها من قَصِيرُه وفَرد إطار العصمة وبحبحه فضم للنبي آل بيته والأئمة.

وتدريجيا الفريق الأموي مش بس جعلوا من السُنة النبوية نص موازي، إنما وصلنا -زي ما شوفنا- حاليا لمرحلة تعظيم قيمة السُنة النبوية على الوحي الإلهي.

والحِجّْة الجاهزة ديمًا، أن لولا السُنة ماكنش المسلمين عرفوا تفاصيل الصلاة، وكأن فيه حد من المسلمين اللي بيسمعوا الكلام ده ويصدقوه أتعلم الصلاة من الأحاديث “السنة القولية”.. مش إن كلهم أتعلموها بالتلقين الحركي المباشر لتقليد الحركات المتوارثة عبر خمستاشر قرن “السُنة الفعلية”.

كل الحكاية إن السامعين غالبيتهم مايعرفوش إن السُنة أنواع (قولية، فعلية، تقريرية)، وإن القايلين بيتعمدوا إخفاء التفاصيل دي ويلعبوا بالكلام على طريقة التقية، والتقية هي طريقة في مداراة الحقيقة شرعها الله في القرآن بشرط واضح وصريح، وهو إخفاء الإيمان خوفًا من بطش المشركين.

﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ (28 – آل عمران).

أنواع السُنة

كتاب “أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله”، لعياض السلمي، بيشرح أنواع السُنة بالتفصيل:

١ – السنة القولية: ما صدر عن النبي من قول غير القرآن، مثل قوله: «من كذب علي متعمدا فليتبؤا مقعده من النار» (متفق عليه).

٢ – السنة الفعلية: ما صدر عن النبي من فعل، مثل ما نقل من صفة وضوئه وصفة صلاته، والتركُ مع قيام الداعي بمثابة الفعل.

إقرأ أيضا

الوجه الآخر للخال .. الأبنودي والشراسة في مواجهة خصومه!

٣ – السنة التقريرية: ما نُقِل من سكوت النبي عن قول أو فعل في حضرته، أو علم به ولم يُنكِره. ومن أمثلة ذلك ما رواه الشيخان: من رؤيته للحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد، وتمكين عائشة من النظر إليهم.

المثل الشعبي بيقول: “أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب” دلالة على أن أفعال الأشخاص أهم من أقوالهم، لإن الكلام سهل والفعل هو الصعب، لكن رأي كهنة أهل السُنة والجماعة مختلف عن كده خالص.

بس حسب كتاب “تيسير أصول الفقه للمبتدئين” السُنة القولية أعلى درجات السُنة، بمعنى أن كلام النبي أولى وأصدق من أفعاله. فيقول الكاتب:

“السنة القولية أقوى في الدلالة من الفعلية والتقريرية، ومعرفة الأقوى يفيدنا علميًا إذا تعارض القول والفعل، فإن القول يكون أقوى من الفعل، فنقدم القول على الفعل، وهذا بشرط: عدم إمكانية الجمع، وذلك كما بينا بقول النبي: (تريد أن يشرب معك الهر). وقوله: (يشرب معك من هو شر منه الشيطان). وأمر أحدهم عندما شرب قائمًا أن يجلس، ومع ذلك شرب هو قائمًا، فتعارض القول والفعل، فأمكن الجمع بينهما فنقول: إن فعل النبي صارف للتحريم إلى الكراهة، فأمكن الجمع هنا: فيُكرَه الشرب قائمًا ولا يحرم، لكن إذا لم نستطع أن نجمع نقدم القول على الفعل. والمقصود أن السنة القولية أشد حجة وأقوى في الدلالة من الفعلية والتقريرية“.

وطبعًا الرأي ده خلافي وفيه فقهاء ضده وشايفين إن الفعل من مقدم عن القول، بس ماحدش هيجيب سيرتهم.. عشان الناس تفضل فاكرة إن كلام المشايخ هو “صحيح الدين” مش مجرد “فهمهم للدين”

ختام

تابعوا معانا بقى عشان خلال الحلقات الجاية نستكشف سوا أركان الدين الموازي ده عبارة عن إيه.