الرؤية المادية الماركسية للخطاب الديني بين عمارة و أبو زيد .. الاختلاف يولد فكر
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
قرأ الدكتور محمد عمارة قراءة قد تكون متربصة لكتاب نقد الخطاب الدين، أو فكر الدكتور نصر أبو زيد، و ذكر في مقدمة الكتاب أنه سيحاور الدكتور” أبو زيد “و يرد عليه و يوضح له من خلال كتابه نقد الخطاب الديني، لكننا نرى أن الدكتور “عمارة” يرجع إلى كتاب أبو زيد ( مفهوم النص) في مسائل كثيرة و يقتص منه ما يثبت آراءه، ولو قرأ الدكتور “عمارة” كتاب مفهوم النص قراءة دون تربص سيرى أن الدكتور أبو زيد قد ناقش علوم القرآن؛ المحكم و المتشابه، المكي و المدني التفسير والتأويل ..الخ.
القرآن الكريم من منظور مادي ماركسي!
وقد حكم الدكتور عمار ة كتاب مفهوم النص مع كتاب نقد الخطاب الديني ليثبت فكرة أن أبو زيد يتناول القرآن الكريم من منظور المادية الماركسية، وأنا أرى عكس ذلك تماما، حيث يقول أبو زيد في مفهوم النص أن النص الإلهي أي القرآن أمر لا خلاف عليه، ولكنه يتحدث عن النص من جانب لغته البشرية، هذا الكلام ورد في جانبين من تفسير النص القرآني أولهما الأصل الإلهي وهو أمر لا ينكره أبو زيد في أي جملة من الجمل وبين تجلي هذا الكلام الإلهي في اللغة العربية، و هذا رأي الأشاعرة حين تحدثوا عن القرآن قالوا أنه قديم من جانب أنه كلام الله الأزلي القديم ، الكلام النفسي، أما من حيث اللغة فهي محاكاة؛ إذا نراهم فصلوا بين جانبين في النص القرآني، ومحاولة التحليل بالنظر إلى لغته باعتبارها النظام الرمزي للثقافة، ووضع الإسلام في إطار سياقه التاريخي ليس إنكارا لأي معنى من المعاني لأن القرآن من عند الله و لا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نزل عليه القرآن وهذا طرح الدكتور أبو نصر في فصل ( الوحي ).
جدلية ما يسمى بالديلكتك الصاعد و الهابط
كما أن الدكتور “عمارة” اتهم أبو زيد بجدلية ما يسمى بالديلكتك الصاعد و الهابط ، وكون أبو زيد يؤمن بأن الوحي ديلكتك صاعد، عكس عمارة الذي يرى أن الوحي ديلكتك هابط، والحقيقة أن هذه المسألة مسألة خلافية منذ بدايات التاريخ الفكري الإسلامي بين الأشاعرة والشافعية من جهة وبين الحنابلة والمعتزلة من جهة أخرى و أنا و أؤيد أبو زيد رأي المعتزلة والحنابلة في هذا الأمر ويقول بأن القرآن نزل منجما، ومعنى أنه نزل منجما أي نزل مراعاة للأسباب، ومراعاة للواقع، و تتطور التشكيل داخل القرآن في فترة نزول الوحي، في مؤشرات واضحة تبرز العلاقة بين النص والواقع .
ومن جهة أخرى يقول الدكتور “عمارة” أن الوحي ديلكتيك هابط، وأن القرآن مخلوق قبل أن ينزل، في الحقيقة أنا أرى أن هذه المسألة خلافية منذ الأزل، و كون الخلاف في شكل تنزيل النص القرآني لا ينفي كون القرآن مخلوق، وليس هذا الخلاف ما يجعل السيوف تسن على عنق الدكتور أبو زيد ، إنما هي مسألة خلافية كما قلنا وكل فريق يستند على أدلة وبراهين، وطالما كل فريق يستند على أدلة فليس في الأمر حرج، إنما خلقنا لنختلف، والاختلاف هنا في قضية القرآن .
الدين الإسلامي و حرية البحث
و ذكر الدكتور عماره بين طيات كتابه أن هناك خطوط حمراء يجب على الإنسان ألا يتعداها، وأنا أختلف هنا مع الدكتور عمارة فالدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي يسمح بالخطأ في البحث، فكيف يُطالب بأمر أقره الإسلام!!.
الأسطورة في تفسير النص القرآني
ومن هنا تكون الانطلاقة حول فكرة معارضة الدكتور عمارة لدكتور أبو زيد في قضية الأسطورة في تفسير النص القرآني، وأن الشريعة الإسلامية هي شريعة صنعت نفسها حسبما ذكر عمارة، لكن بالنظر للأمر فأن العقيدة الإسلامية ثابتة لا خلاف في ذلك وأكد ذلك جميع الأطراف، لكن تأويلات النص القرآني في اعتقادي أنها متغيرة حسب كل مذهب وكل فرقة تنتمي للدين الإسلامي كـ” الأشاعرة والمعتزلة والمتصوفة.. وغيرها ” وهنا نفسر كلمة مفارقات النص القرآني الذي اتُهم أبو زيد حولها بالردة، وهذا الأمر أختلف فيه أيضا مع الدكتور عمارة، فالنص القرآني يمكن أن يفسر حسب القارئ وحاله، وهذا من الإعجاز القرآني.
النص القرآني والمجتمع بين عمارة وزيد
أما من حيث أن النص القرآني كونه نص تاريخي ثقافي نابع من بنية المجتمع، انتقد دكتور عمارة أبو زيد في هذا الأمر مبينا أن قدسية النص القرآني أكبر من هذا ، لكن أيضا من المتعارف عليه أن النص البشري مثلا نابع من ثقافة المجتمع ومن ثقافة البيئة، وهذا نص بشري فكيف ننكر هذا على النص القرآني!! ، وأرى أن الطرفان على درجة من الصواب، فالظاهر أن كل منهما ينتمي لتيار فكري معين و كلهما يتبنى فكرة هذا التيار و ليس في ذلك من حرج، لأن هذا الاختلاف إنما هو من صحيح العقيدة الإسلامية .
هذه أبرز قضيتين في كتاب دكتور عمارة التفسير الماركسي للإسلام حاكا فيها الدكتور أبو زيد، لكني كباحثة توقفت كثيرًا عند عنوان كتاب دكتور عمارة التفسير الماركسي للإسلام .. ويأتيني سؤال هنا لماذا نقد الدكتور عمارة كتاب دكتور أبو زيد في إطار الماركسية لماذا حكم على كتاباته بأنها ماركسية!! لما لم ينتقد الكتاب مثلا في إطار تحليلي أو سيميائي أو ثقافي ، لما الماركسية تحديدا؟! الحقيقة أن هذا غريب و يؤكد لي أن الدكتور عمارة قرأ الكتاب قراءة متربصة ، وأيضا هناك بعض الملاحظات التي يجب أن أتوقف عليها أيضا، وهي فكرة توقيت التأليف، الدكتور عمارة ذكر في مقدمة الكتاب أن سبب تأليفه هو الرد وتوضيح موقف أبو زيد، لكن قد سبق كتاب عمارة الطبعة الثانية لكتاب نقد الخطاب الديني، وفي هذه الطبعة أضاف أبو زيد مقدمة طويلة أوضح فيها كل المواقف وكل الكلمات والقضايا التي آثارها الكتاب، ولم يأخذها عمارة في عين الاعتبار.
نقاش فكري
وخلاصة القول النقاش والأخذ والرد بين دكتور عمارة و دكتور أبو زيد أظن أنه نقاش في غالبه نقاش فكري جيد، يسعى الطرفان خلاله بحكمة بالغة للخروج من بوتقة الركود والتخلف الذي وصل إليها المجتمع العربي، وظهر هذا في كتبهم، وفي بعض المناظرات التي أجرت بينهم.
و أرى أن تلك المناظرات وتلك الكتابات هي التي تُخرجنا من حالة التخلف الفكري والركود العقلي، ولن نستطيع فعل ذلك إلا حين نوافي حق الاختلاف حقه والتي لن نتجاوزها إلا بتأسيس حق الاختلاف وبتأسيس حق الخطأ.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال