الرجال و ضرب زوجاتهم.. بين الإسلام و ما ورد في الحضارات المختلفة
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أكرم الإسلام المرأة أعظم التكريم فالنبي صلى الله عليه وسلم قال “أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا الكريم وما أهانهن إلا اللئيم ، لكن ما يُوَجّه للإسلام من اتهامات باطلة حول أن الإسلام يحث الرجل لضرب المرأة ما هو إلا محض افتراء وتدليس وكذب خاصة ضرب الرجل زوجته مستشهدين بآيات من القران الكريم!!.
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع ومواقف كثيرة تصريحات عدة عن العنف الأسري حيث قال صلى الله عليه وسلم : لا تَضْربُوا إِمَاءَ اللَّهِ ” أي لا تضربوا نساءكم وقال في موضع آخر ولا تضربوهن ولا تقبحوهن ” ولم يكتفي النبي بالقول فقط بل كان فيه القدوة والأسوة الحسنة فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت ” مَا ضرَبَ رسولُ اللَّه ﷺ شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ولا امرأةً ، ولا خادمًا”.
وهناك مواقف عديدة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف لها بالقوة حينما يضرب رجل امرأته ومنها على سبيل المثال “أن امرأة الوليد بن عقبة أتت النبي ﷺ فقالت : يا رسول الله : إن الوليد يضربني ، قال الرسول : قولي له الرسول قد أجارني، فلم تلبث إلا يسيرا حتى رجعت ، فقالت : ما زادني إلا ضربا فأخذ هدبة من ثوبه فدفعها إليها ، وقال : قولي له أن رسول الله ﷺ قد أجارني فلم تلبث إلا يسيرا حتى رجعت ، فقالت : ما زادني إلا ضربا فرفع يديه ، وقال : اللهم عليك الوليد أثم بي مرتين”، دعاء النبي على الوليد ما هو إلا إشارة على رفض النبي صلى الله عليه وسلم لضرب الزوجات قولا وفعلا وأسوة.
و بالنظر إلى جميع الأدلة السابقة ضد العنف الأسري وسوء المعاملة قد يبدو من العبث أن نقول أن الإسلام يتغاضى عن العنف الأسري ، إذن من أين تأتي هذه الفكرة ؟ وما هي الآيات التي يستدل بها البعض تبريرًا لفعله الإجرامي تلك !.
الآية المشهورة والمتداولة بين ألسنة من يبرر العنف ضد المرأة أو من يحاول أن يُشوه صورة الإسلام دون دراية كلاهما معنى الآيات التي يستدلون بها قوله تعالى “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”، ( سورة النساء آية 34) معنى الضرب المذكور في الآية الكريمة أصبح موضوع نقاش بين المسلمين عامة ، والمسلمين المعاصرين على وجه الخصوص.
التفسير التقليدي لسورة النساء
تقول ” عائشة شودري” في التفسير التقليدي لسورة النساء آية 34 في كتابها” العنف الأسري والتقليد الإسلامي” :” غير أن بعض سوء التوصيف ينشأ عن المحاولة المتزمتة لرسم التقاليد العالمية “ما قبل الاستعمارية” على أنها غير مهتمة في الأساس بسعادة المرأة أو تبادل العواطف في الحب الزوجي، على سبيل المثال ، قيل لنا “لم يذكر العلماء ما قبل الاستعمار الطبيعة التبادلية للعلاقة الزوجية”( صـ 141 ) ، والعلماء التقليديون الجدد فقط هم الذين يصفون الزواج المثالي كزواج يقوم على الحب والوئام “واضعين آية 21 من سورة الروم كسياق ضروري لفهم آية 34 من سورة النساء ” ( صـ 159 ).
و أضافت ” عائشة ” بل إن هذا يفند حقيقة أن أحد القدماء في التفسير ، أبو منصور الماتريدي (المتوفى عام 333هـ) ، يستشهد مباشرة بآية 21 من سورة الروم في شرحه لآية 34 من سورة النساء أنه لا يسمح بإجراءات تأديبية حتى يتم استنفاد جميع الوسائل الأخرى لإعادة الوئام (الألفة) والمحبة، وعلاوة على ذلك ، كان الباحثون ما قبل الحداثة قلقين بشكل واضح من الرجال الذين يسيئون استخدام هذا النص ، وبالتالي ذهبوا إلى أبعد مدى للحد من “الضرب” وأصروا على أنه لا يمكن أن يترك أي كدمات أو إصابات، علاوة على ذلك ، أكدوا أن تجنب الضرب سيكون أفضل من أجل الحفاظ على الحب في العلاقة الزوجية ، كما يسجل البهوتي في كشاف القناع (دار الفكر 1982 ، المجلد 5 ، ص 210): “و ما تعطى له الأولوية هو التخلي عن الضرب من أجل الحفاظ على الحب الزوجي “(والأولى ترك الضرب إبقاء للمودة ).
لماذا جعل الله سبحانه و تعالى القوامة للرجل ؟
القرآن الكريم لا يفسر بمعزل عن الحياة الاجتماعية مطلقا، وإذا فسرنا آياته بعيدًا عن السياق التاريخي و الاجتماعي لهو عبث بالتأكيد ، ففي كل الحضارات على وجه الأرض كان الرجل هو العائل و القائد الفعلي للأسرة مسؤول عن الزوجة والأطفال، وكثير من الكتب تحدثت حول هذه العلاقة كما في قول الراهب الإيطالي شيروبيو دا سيينا :” إذا كانت زوجتك ذات مزاج متغير، ولديها روح فظة و مرواغة ، معنى ذلك أنه لن يكون للكلمات الطيبة أي تأثير ، يجب أن تقوم بتوبيخها بشكل حاد ، وتقوم بإرهابها وترويعها . . وإذا كان هذا لا يجدي ، خذ عصا واضربها بقوة ، لأنه من الأفضل معاقبة الجسد وتصحيح الروح من إلحاق الضرر بالنفس وتجنيب الجسم”، هذا مثال بسيط على وجود فكرة السلطة التأديبية للزوج .
على الرغم من هذا حافظ المسلمين الأوائل و علمائهم على كرههم الشديد للعنف ففي كتب الفقه صراحة ما ورد عن بعض الأئمة، مثال ما ورد في كتاب الفقيه مالكي الدسوقي ” أنه إذا اشتكت امرأة إلى أحد القضاة من تعرضها للإيذاء من إهانات زوجها أو هجرها أو ضربها الجسدي ، فيمكن للقاضي أن يأمر أن الزوج نفسه يُضرب جسديًا كعقاب له … في أذهان رجال القانون في ما قبل الحداثة ، بقيت القاعدة العامة هي أن ضرب أحد الزوجين كان خطيرًا ومحظورًا (حرام) ولكن في حالات استثنائية كملاذ أخير ، اعتبر أنه حل غير محبوب (رخصة) وكان يفضل التخلي عنه تمامًا، من خلال توفير إطار متدرج لحل النزاعات الزوجية ، وبهذا تكون الآية 34 من سورة النساء كانت في الواقع تهدف إلى القضاء على سوء المعاملة الزوجية والعنف الأسري.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال