الساحر محمود عبد العزيز يحكي قصة محاولة الهجرة التي انتهت على الرصيف
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بعدما يأس الساحر محمود عبد العزيز من اقتحام مجال التمثيل قرر السفر إلى أوروبا لتجربة الهجرة فحجز تذكرة على باخرة إلى تركيا ومنها تابع طريقه إلى فيينا وهو يحلم بليالي الأنس التي صورها له زميله في الجامعة، وبالفعل وصلاها معاً بالقطار ليلاً، ونزلا في محطة اسمها «فيستنان هوف» وأول من شاهدهما قبل نزولهما من القطار شاب مصري سألهما: معاكم سجاير كليوباترا؟ وأجابه محمود: قوي!! وقدم له علبة سجائر، وقال لهما الشاب عندئذ:
– أنتم جايين تعملوا إيه في فيينا؟
وقبل أن يكمل كلامه قال له محمود عبد العزيز: المهم دلوقت، شفلنا مكان ننام فيه!
ودخل الشاب إلى غرفة زجاجية في المحطة عابقة بالدخان والرطوبة، وكان محمود عبد العزيز وزميله يراقبانه وهو يناقش بشدة رجلاً كان يقف وراء مكتب استعلامات، ثم عاد إليهما بعد ربع ساعة ليقول لهما: مافيش ولا غرفة فاضية في أي مكان!!
وتطلع محمود عبد العزيز إلى زميله وسأله: أخوك فين اللي قلت لي عليه واحنا في المركب!!
وأجاب الزميل: ماعرفش عنوانه، وهوه هنا من سبع سنين!!
وأدرك محمود عندئذ بأنه قد شرب المقلب، ولم يجد أمامه هو ورفيق رحلته، بعد أن خرجا من القطار، إلا أن يضعا حقيبتيهما في خزانة الإيداع المؤقت بالمحطة، ثم يذهبان للنوم في حديقة قريبة، على أمل أن يطلع النهار، ويجدان مكاناً يأويان إليه.
ويقول الساحر عن هذه الليلة في أحد حواراته الصحفية : كدت أموت من البرد، وقد فتحت الخزانة التي فيها حقيبتي، مرتين في خلال ساعة، ولبست كل ما فيها من ملابس لكي أقاوم البرد، وما إن طلع الفجر، حتى أسرعنا إلى أحد بيوت الشباب، وطلبنا غرفة، ولكن الرجل الذي كان يقف في الاستعلامات كان يهودياً هندياً، وبمجرد أن عرف أننا مصريين تطلع إلى ساعته وقال: الآن الساعة السادسة، والعمل هنا يبدأ في الساعة السابعة، اقعدوا خارجاً وتعالوا بعد ساعة، وبالفعل، وقفنا هذه الساعة على باب البيت، ونحن نرتعش من البرد!
وبعد محاولات منه للتهرب من إعطائنا غرفة، فقط لأننا مصريين، اضطر أمام إلحاحنا وإصرارنا على البقاء إلى أن يأخذنا إلى غرفة تحت الأرض، لها نافذتان علويتان تشبهان نوافذ السجن وفيها ثلاثة أسرة فوق بعضها، وهنا كدنا أن ننزل فيه ضرباً، فخاف منا، ونقلنا إلى غرفة أحسن، ونمنا ونحن في غاية الإرهاق، ولكن بعد ساعة ونصف أيقظونا من النوم، لأن بيوت الشباب لا تسمح لنزلائها بالنوم ما بين الساعة التاسعة صباحاً والخامسة بعد الظهر، لأن المفروض أن نتجول في المدينة ونشم الهواء، واضطررنا نحن الأربعة للخروج للبحث عن عمل!
وكان هؤلاء الأربعة هم محمود عبد العزيز ورفيق الرحلة الذي جاء معه من الإسكندرية، وزميل الكلية الذي نصحه بالسفر إلى فيينا، ثم شاب فرنسي وجدوه في الحديقة نائماً مثلهم!
وبالفعل عمل محمود عبد العزيز في توزيع الجرائد وهذا العمل يبدأ في الخامسة صباحاً، لكن بيوت الشباب لا تفتح لخروج النزلاء منها إلا في السادسة صباحاً..
لهذا كان الساحر في أول كام يوم، يوقظ حارس الباب في الساعة الخامسة إلا ربعاً، ويتظاهر أحدهم بأن عنده مغصاً، وأنهم يريدون شراء دواء من الـ: «ايوتيك» أي الأجزخانة «الصيدلية» ويصدق الحارس الحكاية في أول يوم، وثاني يوم، وثالث يوم، ولكن في اليوم الرابع يفتح لهم الباب وينذرهم بأنه لن يفتحه بعد اليوم، ومهما حصل، وهكذا اضطررهم إلى اختراع حيلة جديدة، فكانوا يشبكون أيديهم ببعض ويتسللون إلى خارج البيت من فوق السور، وهكذا كان يقوم ببيع الجرايد من الساعة الخامسة إلى الساعة التاسعة صباحاً، ثم يكون عليّ أنيعود في التاسعة مساء إلى الحادية عشرة مساء، وهنا أيضاً واجهته مشكلة، لأن بيوت الشباب تقفل أبوابها ولا تسمح لأي من نزلائها بالدخول بعد الساعة العاشرة!
ولأن محمود عبد العزيز عرف بأن بيت الشباب لا يفتح لأحد من نزلائه بعد الساعة العاشرة، إلا إذا أثبت النزيل بأنه كان يشاهد الرواية المعروضة في أحد مسارح الأوبرا، وهذا الإثبات يكون بالقسم الباقي من تذكرة الدخول..
فوجد مع ورفاقه الحل..
كانوا يذهبون إلى أي مسرح أوبرا، وينتظرون خروج الناس منه، ثم «يلملمون» من على الأرض بقايا التذاكر التي يرميها الخارجون، ثم يذهبون إلى بيت الشباب!
ولا يستطيع الحارس إلا أن يفتح لهم الباب، وإن كان يستغرب أن يسمح بدخول الأوبرا لواحد يرتدي بنطلون جينز أحمر، وآخر ينتعل الشبشب بدل الحذاء، وثالث ببلوزة حمراء وخضراء، وطبعاً، لم يكن الحارس يجهل أن الدخول إلى الأوبرا لا يكون إلا لمن يرتدون السموكينغ أو البدلات الغامقة!!
وفي النهاية فكر الساحر بالعودة إلى مصر عندما أقبل شهر رمضان المبارك، وافتقد فيه الدفء العائلي حول موائد الإفطار الحافلة بأشهى المأكولات، ويقول أنه حتى فنجان الشاي الذي كنت يشربه في فيينا لم يكن له الطعم اللذيذ الذي كنت يحس به وهو في مصر..
ولهذا عندما انتقل من السكن في بيوت الشباب إلى شقة استأجرها صديقان له عند سيدة عجوز، ولم يكن في استطاعته الحضور إلى الشقة إلا بعد أن تنام هذه السيدة، وأيضاً كان مفروضاً عليّه أن يغادر الشقة قبل أن تصحو، حتى لا تراه، وتطالب بأجر عن سكنه مع الصديقين، وما قاساه من متاعب في هذه الشقة، والتي جعلته يلجأ للرصيف كثيراً، وجعلته يسرع بالعودة إلى مصر.
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال