همتك نعدل الكفة
44   مشاهدة  

“السجون السورية نموذجًا” عندما تؤكد المعلومات الخاطئة ما يُرَاد نفيه

صورة حافظ الأسد وبشار في السجون السورية
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



منذ اللحظة التي أعْلِن فيها فرار وهروب الرئيس السوري السابق “بشار الأسد“، توجهت الأنظار إلى أحد أكثر ملفات نظامه سوء سمعة، وهو ملف السجون السورية، الذي أصبح محورًا للمتابعة الحثيثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انطلقت التغطيات اللحظية والمباشرة.

اقرأ أيضًا 
“الجولان وعائلة الأسد” سقوط بالأمر وتخلي عن تحريرها بالوراثة

وسرعان ما التقطت القنوات الإعلامية هذا الملف لتقدمه بتحليلات وتغطيات موسعة، إلا أن هذا الاهتمام المكثف لم يخلو من الملاحظات، حيث امتزجت الحقائق بالمعلومات الخاطئة، مما أثر على وضوح الصورة وطرح تساؤلات حول مصداقية المحتوى المتداول.

الشائعات عن السجون السورية .. لماذا حدثت وما تغافله المتغافلون

السجون السورية
اقتحام سجن صيدنايا

عنصران حكما انتشار المعلومات المغلوطة عن السجون السورية وجعلها أكثر انتشارًا من الصدق، أحد هذه العناصر كانت صور الذكاء الاصطناعي.

الدخول لسجن صيدنايا
الدخول لسجن صيدنايا

فمثلاً نشر حساب @sanzaruu على موقع التيك توك، فيديو لمعتقلٍ تحت الأرض وهو في حالة رعب، وقد نُشِر يوم 4 ديسمبر 2024م، أي قبل 4 أيام من قيام الحركات المسلحة في سورية بالتوجه لإسقاط الأسد، وصارت هذه الصورة الأكثر انتشارًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

صورة بالذكاء الاصطناعي عن السجون السورية
صورة بالذكاء الاصطناعي عن السجون السورية

يضاف لها صورة أخرى من فيديو يوثق رجل حي بالكاد، أشبه بهيكل عظمي، فقدت ملامحه معاني الحياة، بينما الحقيقة مجسم لسجين في متحف بقايا الحرب بفيتنام، وهي الصورة التي تحققت منها صفحة FactCheck بالعربي، وكذا صفحات التحقق الأخرى مثل صحيح مصر، ومتصدقش.

صورة من متحف فيتنام قيل أنها من صيدنايا
صورة من متحف فيتنام قيل أنها من صيدنايا

وهذه الصور لا شك في أن سبب انتشارها هو الرغبة في زيادة ريتش تلك الصفحات، في متاجرةٍ رخيصةٍ بأوضاع السجون السورية الحقيقية.

السجون السورية

 

أما العنصر الثاني فكانت المعلومات المتعلقة بأوصاف السجون السورية، مثل الأقبية السرية والمخابئ الموجودة تحت الأرض بكلمات سر (Password)، وهي القصة التي ظهرت لأول مرة في مواقع التواصل الاجتماعي قبل سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر، ونفته هيئة الدفاع المدني السورية في اليوم التالي خلال بيان رسمي.، وأيضًا قصة المكبس البشري لطحن عظام المفقودين واتضح أنه مكبس من خشب MDF كان يُستخدم في ورشة النجارة داخل السجن وهو ما قاله دياب سرية، المعتقل السابق ومؤسس ومدير رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، في فيديو له يوم 11 ديسمبر.

سجن صيدنايا من الأعلى
سجن صيدنايا من الأعلى

تلقفت بعض الجهات (بغض النظر عن آراءها وميولها السياسي) بيانات النفي تلك، بلهفةٍ شديدةٍ بهدف توظيفها لتجميل صورة نظام الأسد، أو التلميح، بطرقٍ ملتوية، إلى براءته مما يُتهم به، ومع ذلك، فإن تلك الجهات عمدت إلى إغفال جوانب بالغة الأهمية لا يمكن تجاهلها.

صورة حافظ الأسد وبشار في السجون السورية
صورة حافظ الأسد وبشار في السجون السورية

أول هذه الجوانب مصدر المعلومات والدافع وراء طرحها، فالمصدر هو أهالي المفقودين الذين ابتلعتهم السجون السورية من السوريين واللبنانيين وكذلك جنسيات أخرى، ولم يخرجوا منها أبدًا.

أشخاص يتفقدون الوثائق التي عثروا عليها في سجن صيدنايا
أشخاص يتفقدون الوثائق التي عثروا عليها في سجن صيدنايا

لقد جاءت هذه المعلومات لا كحكاية شائعة وإنما نافذة أمل يتشبث بها الأهل للعثور على أحبائهم، خاصة بعدما خرج من سجون سورية أناس قضوا فيها بين 20 و40 سنة، مثل الطيار السوري رغيد الططري (مسجون لمدة 40 سنة) لرفضه قصف مدينة حماة 1982م بأوامر من حافظ الأسد، والأردني إبراهيم حسن الصقور (مسجون لمدة 26 سنة)، واللبناني سهيل حموي (مسجون لمدة 33 سنة).

(بالأعلى) رغيد الططري قبل وبعد سجنه، و(بالأسفل من اليمين) إبراهيم حسن الصقور وسهيل حموي
(بالأعلى) رغيد الططري قبل وبعد سجنه، و(بالأسفل من اليمين) إبراهيم حسن الصقور وسهيل حموي

ثاني هذه الجوانب، التي أغفلها المتغافلون، تتعلق بمعلومة مكبس الجثث، وبالتحديد سببها، فالسبب الجوهري الذي دفع الكثيرين إلى تصوّر أن هذه المكابس مخصصة لطحن الجثث، يعود إلى وحشية نظام بشار الأسد في تعذيب المعتقلين، والأساليب القاسية والمروعة التي يعامل بها الجثث.

صورة لمكبس الجثث المزعوم
صورة لمكبس الجثث المزعوم

 

ولا يحتاج إثبات إجرام نظام بشار الأسد في التعامل مع الجثث أدلة تاريخية قديمة أو حتى روايات شفهية شعبية تتناقلها الألسن عن سوء سمعة السجون السورية، والتصور الذي أوجد هذه المعلومة الخاطئة، يعود إلى 55 ألف صورة تم الكشف عنها عام 2014م لجثث 6786 سجين و4025 مدني قتلوا خارج السجن، و1036 عسكري منشق عن الجيش السوري النظامي، وجميعهم قتلوا بطرق وحشية وصل عددها لـ 72 طريقة في الفترة بين 2011م و2014م.

السجون السورية

هذه الصور كان مصدرها مصور فوتوغرافي عسكري أسبق في سورية، وكان مسؤولًا بتكليفٍ مباشرٍ من الأجهزة الأمنية في سورية، عن التقاط صور جثث المعتقلين الموتى في مراكز الاعتقال، ومن ثم أرشفتها في ملفات، ولذعره من روتين عمله الشنيع؛ قرر أن ينسخ تلك الأدلة على همجية النظام، وأن يخرجها من سورية بغرض إبرازها للعالم، وساعده في هذا صديق له.

مظاهرة في مونتريال للتضامن مع الشعب السوري بعد تسريب صور قيصر
مظاهرة في مونتريال للتضامن مع الشعب السوري بعد تسريب صور قيصر

المصور الفوتوغرافي كان له اسم مستعار هو “قيصر”، أما صديقه الذي هرب الصور اسمه المستعار “سامي” وقد استخدما تلك الأسماء المستعارة خوفًا من ملاحقة نظام بشار الأسد له ولأسرتيهما، في وقتٍ كانت فيه سورية تعيش تحت قبضةٍ قاسية من القمع، وفي عام 2018، أحدثت صوره دويًا عالميًا، حيث كشفت عن الفظائع التي ارتكبها النظام السوري، مما وضعه في موقفٍ محرج رغم محاولاته المتكررة لنفي تلك الوقائع.

غلاف كتاب عن صور قيصر والقضية
غلاف كتاب عن صور قيصر والقضية

ومع بداية ديسمبر 2019، تم طرح مشروع “قانون قيصر” في الكونغرس الأمريكي، وهي مجموعة من القوانين المقترحة التي تهدف إلى معاقبة النظام السوري، يشمل المشروع عقوبات تطال الأفراد والشركات التي تقدم الدعم المالي أو اللوجستي للرئيس السوري، بالإضافة إلى استهداف العديد من الصناعات السورية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية والطاقة، كما استهدف القانون أيضًا الكيانات الإيرانية والروسية التي تقدم دعمًا مباشرًا للحكومة السورية، والقضية لا تزال في أروقة المحاكم الأمريكية، حيث تستمر الإجراءات القضائية حتى اليوم.

«قيصر» بمعطفه الأزرق الذي يخفي هويته خلال جلسة لمجلس النواب الأميركي
«قيصر» بمعطفه الأزرق الذي يخفي هويته خلال جلسة لمجلس النواب الأميركي

بعد سقوط نظام بشار الأسد أجرت جريدة الشرق الأوسط السعودية التي تصدر من لندن، حوار صحفي (مصور) مع (سامي) صديق (قيصر) الذي ساعده في تهريب الصور، واتضح أن سامي هذا هو مهندس مدني اسمه أسامة عثمان، وحاليًا يترأس مجلس إدارة منظمة ملفات قيصر للعدالة، ولم يكشف (لأسبابٍ أمنية) عن اسم قيصر الحقيقي. (لمشاهدة الحوار هـــنــــا).

إقرأ أيضا
نعي
سامي "اسم مستعار" - أسامة عثمان "اسم حقيقي" - شريك قيصر في تهريب صور قتلى التعذيب في سجون سورية
سامي “اسم مستعار” – أسامة عثمان “اسم حقيقي” – شريك قيصر في تهريب صور قتلى التعذيب في سجون سورية

ثالث الجوانب التي أغلفها المتغافلون ولم تلقى منهم اهتمامًا في المتابعة مثل اهتمامهم ببيانات النفي، كمية الجثث التي تم الكشف عنها في السجون السورية لمساجين ماتوا بالتعذيب، منهم على سبيل المثال لا الحصر “مازن حمادة” الذي تكلم عن سجون سورية وسجن صيدنايا وما تعرض له بداخله، قبل أن يتم العثور عليه قتيلاً تحت التعذيب ضمن هذه الجثث (يعتذر الموقع عن نشر صورة جثته) وتُشَيَّع جنازته في نعيٍ وصفه بـ “الميت المتكلم”.

جنازة مازن حمادة
جنازة مازن حمادة

مع العلم أن مصدر فيديوهات وصور الجثث هو نفسه مصدر بيانات النفي للمعلومات الخاطئة (هـــنـــا وهـــنــــا)، وهذا التناقض يثير تساؤلاً جوهريًا: لماذا يتعمد هؤلاء التغاضي عن السَّرْدِيَّة الكاملة والتركيز فقط على ما يدعم مواقفهم السياسية وأهواءهم؟.

متابعة من أهالي المفقودين لأوراق سجن صيدنايا
متابعة من أهالي المفقودين لأوراق سجن صيدنايا

والشيء بالشيء يذكر فهناك معلومات خاطئة تتعلق باغتيالات سياسية طالت علماء الذرة في سورية، وهي حكايات أُنسجت خيوطها في فضاء السوشيال ميديا، قبل أن تتلقفها وسائل الإعلام وتنشرها وكأنها حقائق، وهي أخبار تفيد باغتيال عالم كيمياء سوري يُدعى “حمدي إسماعيل“، على يد الموساد الإسرائيلي في قلب العاصمة دمشق، كما نُشرت صورة لامرأة شقراء، قيل إنها عالمة ذرة وميكروبيولوجيا سورية تُدعى “زهرة الحِمْصِيَّة“.

حمدي إسماعيل ندا - زهرة الحِمْصيِّة "علماء الذرة المزعومين"
حمدي إسماعيل ندا – زهرة الحِمْصيِّة “علماء الذرة المزعومين”

ومع البحث والتدقيق، تبيَّن أن هذه الادعاءات لا تمتُّ للحقيقة بصلة، فالشخص المزعوم أنه عالم كيمياء سوري ليس إلا مواطنًا مصريًا يدعى حمدي إسماعيل، وهو على قيد الحياة، أما الصورة المرفقة لـ زهرة الحِمْصِيَّة، فقد تبيَّن أنها للدكتورة “شادية حبال“، أستاذة فيزياء الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أيضًا سورية الأصل ولا تزال على قيد الحياة، (للإطلاع على التفاصيل كاملة هـــنـــا).

صورة بشار الأسد بعد إسقاط نظامه
صورة بشار الأسد بعد إسقاط نظامه

لكن هذه المعلومة المتعلقة بالاغتيالات السياسية لعلماء الذرة ليست خاطئة وإنما هي معلومات غارقة السذاجة، وهذه المعلومات رددها الطرفين (المؤيد لبشار الأسد والمعارض له)، فأما المعارض لبشار الأسد كان له سبب وهو أنه يريد تذكير الناس بأن إسرائيل دائمًا ما تستهدف علماء الذرة للانفراد بعلوم المشاريع النووية (وهو شيء لا يحتاج لنسج قصص خيالية أصلاً).

صورة بشار الأسد بعد إسقاط نظامه
صورة بشار الأسد بعد إسقاط نظامه

أما الطرف المؤيد لبشار الأسد فقد كانت نيته من هذه المعلومات الخاطئة القول بأن الجيش السوري النظامي كان لديه مشاريع نووية وقد أجهضت إسرائيل هذا المشروع، وهذه النية من مؤيدي بشار (قَلَشَت منهم) لأن المعلومة لا علاقة لها بالعقل ولا بتاريخ الجيش السوري النظامي بأي صلة.

اقرأ أيضًا 
“الإجابة من تاريخه” لماذا لم يقم الإسلام السياسي بمواجهة حقيقية مع العدو؟

بالتأكيد فالمعلومات الخاطئة لها دور خطير في طمس الحقيقة أو تشويهها، وليس متوقعًا ولا مُنْتَظرًا أن تنتهي المعلومات الكاذبة، لكن التدقيق والبحث أمر مطلوب، وإذا كان البحث قديمًا شيئًا بالغ الصعوبة فهو الآن شيء يسير وسهل بقدرٍ كبير (المهم النية).

الكاتب

  • السجون السورية وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان