همتك نعدل الكفة
183   مشاهدة  

السر في حقيبة عبد الوهاب

عبد الوهاب في لبنان
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



قبل يغني عبد الوهاب في لبنان بما يقارب الـ 80 عامًا، وذات يوم بينما المؤلف المسرحي الكبير أوسكار وايلد يجتاز إحدى المناطق الجمركية في طريق رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية سأله مراقب الشرطة : هل تحمل أشياء ثمينة معك ؟ .. وهنا ينظر “وايلد” في أعين المراقب وعلى شفتيه ضحكة تحمل طيفًا من أطياف السخرية، ثم أشار بإصبعه على دماغه بينما اشرأب عنقه وبدا وكأنه يحمل ثلثي ثقة البني آدمين منذ جاء الإنسان على الأرض، وقال للمراقب : أنظر أيها المراقب .. أنا أحمل أثمن شئ في الوجود .. فقال المراقب : أين هذا .. فرد أوسكار وايلد بصوت عالٍ : إنها هنا .. أحمل عبقريتي فوق كتفي يا رجل !

 

وبينما يتحرك موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب إلى لبنان على قاصدًا مركب ستحمله فوق الأمواج إلى هناك حاملًا بين يديه حقيبة كبيرة تصلح لحزم ملابسه وأغراض أخرى تكفيه عدة أيام في رحلة بيروت، استوقفه أحد المراقبين الجمركيين بميناء الأسكندرية، وسأله : يا أستاذ، هل تحمل ما هو ثمين في حقيبتك؟ .. فتلعثم عبد الوهاب واضطربت حركة عيناه قائلًا : نعم، فأنا أخبئ في حقيبتي الكبيرة هذه حقيبة صغيرة، وفي الحقيبة الصغيرة أثمن ما لدي، لكنني لا أعتقد أن أثمن ما لدي يستحوذ على اهتمام أحدكم في الميناء.

رحلة عبد الوهاب في لبنان
رحلة عبد الوهاب في لبنان

أخذت الكلمة ترن في أذني المراقب، بينما دخلت الحقيبة طور التفتيش، وطلب المراقب من عبد الوهاب أن : استرح هنا قليلًا يا أستاذ لحين الانتهاء من الاجراءات اللازمة، وجلس عبد الوهاب يدندن بصوت خفيض ليمر الوقت الذي طال قليلًا .. بينما جمع مراقب التفتيش زملائه وأخبرهم بما قاله عبد الوهاب عن الشئ الثمين المختبئ داخل الحقيبة الصغيرة المختبئة داخل الحقيبة الكبيرة .. وأخذوا يبحثون بين الملابس والأغراض إلى أن وصلوا للحقيبة الصغيرة .. فتلقفها المراقب الرئيسي وكأنه صاحب القضية وله الحق في أولوية مشاهدة السر الذي تحمله تلك الشخصية الشهيرة، التي ربما لن تكرر هذا الموقف مع المراقب مرة أخرى طوال حياته .. فهذا سر ليس كأي سر .. إنه سر أشهر شخصية موسيقية في الشرق الأوسط وقتها، وربما حتى الآن!

 

 

وفتح المراقب الحقيبة الصغيرة متلهفًا، ليجدها خاوية بلا أي شئ، فصُدمَ جميع الواقفين، بينما شعر المراقب بالإحراج الشديد وتكثَّفت قطرات العرق على جبهته، فأخذ يفتش مرة أخيرة بلا أمل، فتكورت فجأة داخل قبضة يده ورقة صغيرة قابعة في قاع الحقيبة .. وفَرَدَ الورقة بينما التفت حوله وجوه جميع الواقفين، وفتح الورقة ليجد سطرًا واحدًا مكتوبًا بخط يد عبد الوهاب لرموز موسيقية لجملة لحنية ما لن يستطع أحد الواقفين بالطبع أن يفك ألغازها .. وخرج المراقب إلى عبد الوهاب حاملًا الحقيبة الكبيرة وطالبًا من عبد الوهاب التفضّل بالدخول إلى الميناء .. وبينما التف عبد الوهاب صدر صوت خافت من المراقب وكأنه ينادي على الأستاذ فالتف موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ليسأله عما إذا كان يريد منه شئ ؟ .. فقال المراقب وتكاد دموع الفضول تنزل من عينيه : لا يا أستاذ .. سلامتك .. توصل بالسلامة. وعض على شفتيه من الحسرة بينما يبتعد محمد عبد الوهاب صاعدًا إلى سلم المركب !

 

إقرأ أيضا
مستعمرة العاهات في العتبة

المصدر : عدد 4 أغسطس  1965 من جريدة الأهرام 

الكاتب

  • عبد الوهاب في لبنان محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان