السلفي الكسول أغنى أهل الأرض
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
لا أحد يقدر قيمة العمل والكفاح مثل أحمد النجار، حياته عمل مستمر ودأب واجتهاد، يدرك جيدًا أن المرء لا يحصد سوى ما يزرعه بعرقه وجهده.
لذا فهو نشيط، يستيقظ مبكرًا ويواصل عمله. ولكن الأيام الغابرة لا ترحم.
وها هو أمام دكانه ينتظر زبونه الأول بفارغ الصبر. وسحب العطار صاحب المحل المجاور للورشة وجلس إلى جوار الأسطى أحمد. وكان النجار متضايقًا من الحياة ومصاعبها.
وسأله العطار بفضول: “أراك مهمومًا يا أسطي!”..
واكتفي النجار بتنهيدة طويلة وسكت. وألح العطار: “لم أرك في هذه الحالة من قبل؟”..
فرد: “لأن الأمور لم تكن بمثل هذا السوء من قبل، تصور أننا على وشك العصر ولم يدخل الورشة زبون واحد”
وهز العطار رأسه باطمئنان وقال بيقين: “لا تقلق رزقك سوف يأتيك”..
النجار يعلم أن لجاره العطار حسابات أخرى بعيدة عن الحياة والواقع. وإنه كذلك لم يدحل دكانه زبون حتى الآن. غير أنه سأل: “وهل استفتحت أنت؟”
فرد العطار السلفي بهدوء: “أجل! شيدت قصرا وبنيت بيتا وزرعت حولهما ألف نخلة”..
وابتسم النجار، وأعتقد أن الأمر لا يتجاوز الداعبة. ولكن العطار أكد: “أنا لا أهزر معك… هذه هي الحقيقة!”
وتعجب النجار كما يجب وتساءل: “كيف هذا؟”..
وأجاب العطار على الفور: “ألا تعلم يا أسطي أحمد أن الأمام أحمد قد روي في سنده أن رسول الله قال: من قرأ سورة الإخلاص عشر مرات بني له الله بيتًا في الجنة؟
وأنه عن النبي أن من صلي في اليوم والليلة أثني عشر ركعة كان له قصرا بالجنة؟
وفي حديث الترمذي عن أبي الزبير بن جابر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من قال: سبحان الله وبحمده. غُرست له نخلة في الجنة. وأن قولتها ألف مرة، يعني ألف نخلة!”
وهرش النجار في رأسه محاولاً أن يستوعب منطق جاره. وراح يفكر أن العطار في هذه اللحظة يحس وكأنه مليونير يملك القصور والبيوت والنخيل دون عناء يُذكر!
وسأل نفسه: من أين أتي بذلك اليقين؟ هل في القرآن ما يدعم كلامه؟
إذا كان المرء قد بدأ يومه بجني الثمار وتشييد القصور وبناء البيوت فلماذا ينزل إلى العمل إذن؟ وقال النجار في نفسه أيضًا: هذا شأنه ولن أجادله فيه فالجدال يطرد الزبائن والحالة مش ناقصة أساسًا.
غير أن العطار تمادي: “فضائل أذكار الصباح والمساء كثيرة يا أسطي حسن.. فمثلاً.. آية الكرسي المذكورة بسورة البقرة ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ) من قرأها حين يصبح أجير من الجن حتى يمسي ومن قرأها حين يمسي أجير من الجن حتى يصبح.. تخيل أنك بفضل هذه الآية ستكون محمي من الجن؟”
وكان النجار لا يعبأ بشأن الجن، هو في الأساس لا يخشي سوي من الإنسان وحماقته أما الجن فلم يرَ منه لا سوء ولا معروف! وقال العطار أيضًا: “أما الصلاة على النبي المرسل المصطفي فهو يشفع لصاحبه يوم القيامة”.
وقال النجار في سره: وماذا عن اليوم؟ وظن أن اليوم لن ينتهي على خير.
واسترسل الجار في كلامه: “أما من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير… عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل، وفي رواية لمسلم من قالها مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة وحطت عنه مائة سيئة وكانت حرزًا له من الشيطان”..
وشرد النجار وهو يفكر في السلفي وفي طريقة تعامله مع الحياة وهمومها وكيف اختزل الدنيا والدين في كلمات يرددها فينال الثراء والعفو والحماية من الجن والشياطين، وتخيل العالم لو كان يفكر مثله، يردد كلماته دون عمل حقيقي، وطل عليه شبح حطام وخراب فهز رأسه بضيق.
ولكن حين لمح زبون جديد قادم من أول الشارع يحمل على كتفه لوح خشبي، ابتسم النجار، وقال لنفسه بحماس: لنستعد إلى العمل والإبداع ولنترك الكلام لأهل الكلام.
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد