همتك نعدل الكفة
3٬530   مشاهدة  

السمين نوستالجيا وسيكولوجيا “حلويات البهائم وطقوس اللغوصة”

السمين
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



(1)
القاهرة ـ مطلع عام 2013 م

مطعم بجة
مطعم بجة

عرفت السمين لأول مرة عن طريق مطعم بجة لاكسسوارات البهايم في شارع محمد فريد حي عابدين، كانت الظروف وقتها صعبة فأنا غريب بالقاهرة ولتوي تركت العمل في أحد المواقع الصحفية واستلمت مستحقاتي المالية وسرت في طريق المجهول، وساعدني أحدهم فدبر لي سكنًا فوق السطوح بمنطقة باب اللوق.

اقرأ أيضًا 
جنازة محمد فريد “تفاصيل غير مروية من 100 سنة بالصور النادرة”

سرت في أحياء شارع محمد فريد وأنا في قمة الضجر وشعرت أن حياتي في بداية العمل الصحفي ستكون كمعاناة الزعيم الذي على اسمه الشارع، إلى أن استوقفتني رائحة شعرت فيها بنشوة الأصالة رغم أني استغربت فمنطقة عابدين راقية نوعًا ما وبالتالي فإن الأكلات الشعبية تقتصر فقط على الفول والطعمية وأحيانًا الكبدة وجميعهم من مطاعم شهيرة.

رأيت السمين لأول مرة وكانت لحوم غريبة الشكل وتحسست محفظتي وأنا لا أدري هل سيكفي المال لأشتري نصف كيلو، فاللحوم أصلاً غالية إلى أن جاء رجل فيه بدانة وقال:
ــ اتفضل اتفضل .. طلب ولا سندوتش ؟
قلت له ردًا لم يفهمه:
ــ خليه ساندوتش أهو يمكن مختار العزيزي يودي لعبدالغفور البرعي في يوم من الأيام.

«عندي قناعة أن أي صعيدي يأتي إلى مصر ينتظره مصير من ثلاثة إما أحمد محرز في عودة الابن الضال أو شكري سرحان في شباب امرأة أو نور الشريف في لن أعيش في جلباب أبي؛ وقد قصدت بهذا أني أريد سندوتش لحوم أكله نور الشريف في الرجل الآخر قبل أن يذهب للقاهرة الفاطمية ويتعرف على نحمده وأبحث عن ذاتي في القاهرة الفاطمية ولم أكن أتصور أني سأحب هناك أو أجد شبيهة بنحمده إلى أن وجدتها بعد 6 سنوات».

(2)
القاهرة منتصف 1798 م

مطعم - وصف مصر
مطعم – وصف مصر

تاريخيًا ليس معروفًا أصل مطاعم السمين لكن المؤكد أن ظهورها جاء بتأثرٍ من الحملة الفرنسية، فمطاعم الشوارع عرفتها مصر قبل الحملة لكنها كانت سيئة للغاية ودليل ذلك ما ذكره الميجور ديتروا أحد أشهر قادة الحملة الفرنسية والمعروف عنه عشقه للطعام قال «في القاهرة رائحة كريهة منبعثة من الأوساخ داخل البيوت، ومن التراب في الهواء، ومن قلي الطعام بزيت رديء في الأسواق العديمة التهوية»؛ وهذه الجملة تفيد أن أسواق القاهرة كانت بها مطاعم، لكن فكرة مطعم اللحمة لم تكن معروفة لدى المصريين وأخذوها عن الفرنسيين لكنهم مصروها.

الجبرتي
الجبرتي

مطاعم اللحمة التي تشملها السمين عرفها المصريون من الفرنسيين كما نص الجبرتي في كتاب مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس حيث قال «فتح بعض الإفرنج بيوتًا يصنع فيها أنواع الأطعمة والأشربة على طرائقهم في بلادهم فيشتري الأغنام والدجاج والخضارات والأسماك والعسل والسكر وجميع اللوازم ويطبخه الطباخون ويصنعون أنواع الأطعمة والحلوى ويضع على بابه علامة لذلك يعرفونها بينهم فإذا مرت طائفة بذلك المكان تريد الأكل دخلوا إليه وهو يشتمل على عدة مجالس دون وأعلى وعلى كل مجلس علامته ومقدار الدراهم التي يدفعها الداخل فيه فيدخلون إلى ما يريدون من المجالس وفي وسطه دكة من الخشب وهي الخوان التي يوضع عليها الطعام وحولها كراسي فيجلسون عليها ويأتيهم الفراشون بالطعام على قوانينهم فيأكلون ويشربون على نسق لا يتعدونه وبعد فراغ حاجتهم يدفعون ما وجب عليهم من غير نقص ولا زيادة ويذهبون لحالهم‏».

(3)
القاهرة الفاطمية ـ 2020

مطاعم الحاتي
مطاعم الحاتي

أنا نحيف ولا تعرف البدانة جسمي لأسباب يعلمها الله وحده ـ وقد ضربت بكل النصائح المتعلقة بنوع الطعام عرض الحائط ـ فأنا شره في أكل السمين لدرجة أني أستطيع التهام 4 كيلو لوحدي، ورغم تنوع المطاعم لكن للسمين مكانة خاصةً لدي لدرجة أن لي طقوس في أكل السمين منذ أن سكنت في القاهرة الفاطمية.

سمين
سمين

من طقوسي وأنا آكل السمين هو الاستماع لتترات المسلسلات التي كتب كلماتها الشاعر سيد حجاب لأن أغلب تلك التترات في الثمانينيات والتسعينيات وبالتالي تذكرني بأجواء مسقط رأسي حين كنت أشاهد القاهرة الفاطمية عن طريق المسلسلات.

سمين
سمين

كذلك من طقوسي وأنا آكل السمين أن لا أتناولها داخل المنزل مطلقًا لأني أفضل تناولها في المسمط ثم أتحرك إلى الشوارع المختلفة بالقاهرة الفاطمية لأزور الأولياء والأماكن الأثرية، وهذا لأن للسمين رمزية شديدة الجمال فهو تاريخيًا طعام عامة الشعب لا علية القوم، خاصةً وإن كان المطعم يلاصق محل عطارة فإن انصهار رائحة البخور مع دخان الشواء يعطيان انتعاشة داخل الوجدان النوستالجي الشخصي.

إقرأ أيضا
المسحراتي في مصر

شيء آخر لافت في مطاعم السمين وهو القرآن المجود الذي ينطلق من داخل المطعم خاصةً وأن أغلب مطاعم السمين خلال السنوات الخمسة الأخيرة كانت تقوم بتشغيل صوت الشيخ محمد محمود الطبلاوي أو الشيخ عبدالمنعم الطوخي.

(4 ـ أخير)
السمين هو لحوم الفقراء

سمين
سمين

كم من عائلة فقيرة مكونة من 5 أفراد لا يستطيعون شراء 2 كيلو لحمة فيلجأون إلى السمين فهو لحم رخيص الثمن وغالي القيمة وله فوائد في الإفراط والتفريط أيضًا، بالتالي فإن السمين ينسف الفوارق الاجتماعية عند أغلب الفقراء.

بقي شيء وحيد يجب أن يعرفه أي شخص يريد تناول السمين وهو أن يتحاشى رؤية اكسسوارات البهايم بعد ذبح الذبيحة مباشرة فالسمين لا يُرَى إلا وهو وفي المسمط لكن بمحل الجزارة لو تجاسر أحد على رؤيته فسيزهد أكل كل ما هو يمت للحوم بأي صلة، خاصةً مع الكِرْشَة.

الكاتب

  • السمين وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان