رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
179   مشاهدة  

السودان بين حكومتين.. مشهد سياسي مأزوم يفتح أبواب المجهول

تأسيس
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال

  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



في الوقت الذي يغرق فيه السودان في واحدة من أعقد أزماته منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، ألقى إعلان حكومة جديدة باسم “تأسيس” الضوء على حجم الانقسام العميق الذي يعيشه البلد، وطرح تساؤلات ملحّة حول مستقبل الدولة التي باتت محاصرة بين حكومتين، الأولى في بورتسودان بقيادة الجيش، والثانية في نيالا يقودها تحالف من الفصائل المسلحة. هذا التطور يكشف عن إعادة إنتاج مأساوية لمشكلات السودان المعاصر، حيث تتبدل الصيغ وتتغير الشعارات، لكن جوهر الأزمة يبقى في عجز النخب والقوى المتصارعة عن صياغة هوية وطنية موحدة تؤمن بالتنوع داخل الوحدة، في ظل ما وصفه المراقبون بـ”انتصار مفهوم الشعوب السودانية على مفهوم الشعب السوداني”.

المشهد الميداني يضاعف تعقيد الصورة؛ فالجيش يسيطر على العاصمة الخرطوم ومناطق شرق وشمال ووسط السودان، بينما تحكم قوات الدعم السريع قبضتها على كامل إقليم دارفور (باستثناء مدينة الفاشر) وأجزاء واسعة من كردفان. هذان الإقليمان معًا يشكلان أكثر من 45% من مساحة السودان البالغة نحو 1.8 مليون كيلومتر مربع، حيث تقترب مساحتهما مجتمعة من 870 ألف كيلومتر مربع، وهو ما يعكس حجم التحول الجيوسياسي على الأرض.

أزمة السودان لا تكمن في التقسيم الإداري

يرى المحلل السياسي الدكتور نبيل عبد الفتاح أن أزمة السودان لا تكمن في مسألة التقسيم الإداري للأقاليم بقدر ما ترتبط بإحياء الهويات الفرعية ذات الجذور القبلية والعرقية، والتي تستند إلى شعور تاريخي بالمظلومية، فالمشكلة ليست في إعادة توزيع السلطة، وإنما في ارتباط ذلك بصراع مسلح يدفع البلاد نحو حرب أهلية مستدامة.

ويشير إلى أن القوى الفاعلة، سواء الداخلية أو الخارجية، ساهمت في تغذية هذا الصراع عبر استغلال البُعد القبلي والمناطقي، بما يحوّل الأزمة من مجرد نزاع سياسي إلى حالة من “قرصنة وطنية” تهدد بقاء السودان الواحد المتعدد والديمقراطي.

كما يؤكد أن بعض الأطراف، وعلى رأسها قوات الدعم السريع، شكّلت امتداداً لممارسات النظام السابق، حيث اعتمدت على الولاءات القبلية والمناطقية، ما جعلها أحد أخطر أدوات تفتيت الدولة، ومن هنا فإن إعلان أي حكومة جديدة أو طرح أي مبادرة لا يمكن أن ينجح إذا ظل مرهوناً بمعادلات القوة العسكرية والمالية والدعم الخارجي.

ويرى عبد الفتاح أن الرهان على تجاوز الخرطوم باعتبارها المركز التاريخي للسلطة لن يكون سهلاً، إذ إن العاصمة ليست مجرد موقع جغرافي، بل رمز لهيمنة تيارات الوسط النيلي، وهو ما يجعل فكرة استبدالها أو تحييدها شبه مستحيلة.

أزمة السودان الجوهرية تكمن في غياب مشروع وطني جامع

ويضيف أن إحدى أزمات السودان الجوهرية تكمن في غياب مشروع وطني جامع، قادر على تجاوز الانقسامات العرقية والقبلية، مثلما فشلت القوى السياسية التاريخية بعد الاستقلال في بناء مؤسسات عابرة للانتماءات الضيقة. هذا الفشل أفضى إلى تكرار الانقلابات العسكرية، وتعميق الانقسامات الداخلية، وصولاً إلى الحرب الأهلية الراهنة.

ويشدد على أن استمرار الحرب دون موقف حاسم من الداعمين الإقليميين والدوليين سيُبقي السودان في دائرة الانهيار، ويجعل احتمالية تقسيمه واقعًا مطروحاً بقوة، خاصة مع غياب أي انتقال سياسي جاد أو صيغة مدنية متوازنة تعكس ثقل المكونات الحقيقية للمجتمع

السوداني.

تأسيس
نبيل عبد الفتاح

“تأسيس”..كيان يحمل بذور تناقضه

ومن ناحية أخرى يرى الأنثروبولوجي في الثقافات الأفريقية “خليل منون”  أن إعلان حكومة “تأسيس” لا يمثل قطيعة مع الماضي بقدر ما يكرس نمطًا سودانيًا متكررًا في “إعادة تدوير المشكلات بصياغات جديدة”، ويؤكد أن الكيان الوليد ليس أكثر من بنية متناقضة التكوين تحمل في داخلها بذور تقويضها،فالتاريخ العسكري والسياسي للتحالفات المكونة لها يكشف حجم التناقضات؛ إذ لطالما كانت الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو ترفع شعار التخلص من المكونات العسكرية الشريكة في قمع السودانيين، وعلى رأسها قوات الدعم السريع. واليوم، يجتمع الطرفان تحت مظلة واحدة رغم أن تاريخ الصراع بينهما لا يخفى على أحد.

وعن الأفق السياسي للتحرك، يرى “منون ” أنه ليس مستبعدًا أن تعترف بعض العواصم الأفريقية بحكومة الأمر الواقع في نيالا، خاصة تلك التي ترتبط مصالحها باستمرار الحرب في السودان وبإعادة صياغة موازين القوى في إقليم القرن الأفريقي. لكنه يشير إلى أن الحديث عن “مجلس رئاسي مدني” لا يعدو كونه عبارة براقة تهدف لمغازلة المجتمع الدولي، ولا سيما الغرب الديمقراطي الذي يتجاوب عادة مع هذه الشعارات. الهدف – برأيه – هو تقديم صورة مقبولة أمام الخارج، كبديل للنظام المعترف به دوليًا قبل حرب 15 أبريل، أكثر من كونه مشروعًا جادًا لانتقال مدني حقيقي.

“السودان الجديد” ونيالا عاصمة مؤقتة؟

على الجانب الآخر، يثير إعلان عبد العزيز الحلو اعتبار مدينة نيالا عاصمة لـ”السودان الجديد” جدلًا واسعًا، وهذا ما أكده “خليل منون”، إذ أن  “الخبر أصبح واقعًا لا لبس فيه”، لكنه يشدد على أن السؤال الأهم هو؛ أي سودان جديد ينادي به الحلو؟ ويستند هذا التساؤل إلى التاريخ النضالي الطويل للحلو الذي يجعل من رؤيته محورًا محاطًا بالاهتمام والحذر في الوقت ذاته، وإذا كان القرار دقيقًا بالفعل، فإن ممنون يعتبره بداية لسلسلة جديدة من الصراع، يصعب التكهن بمآلاتها، لكن المؤكد أن ضحاياها سيكونون من المدنيين بالدرجة الأولى، مع زيادة فرص التدخلات الخارجية في المشهد السوداني.

تأسيس
خليل منون

ويطرح هذا الإعلان تساؤلات أخرى: هل نيالا عاصمة مؤقتة أم خطوة لتغيير بوصلة المركزية من الخرطوم إلى الغرب؟ بعض التقديرات ترى أن نهاية مركزية الخرطوم أمر محتمل، خصوصًا إذا أُعلن استقلال إقليم دارفور والفاشر أو نيالا كعاصمة لدولة جديدة. وفي هذا السياق، تبدو كل السيناريوهات مفتوحة، بما فيها تقسيم السودان مجددًا على نحو لا يمكن استبعاده، مهما كان حجم الخسائر التي سيتكبدها البلد.

إقرأ أيضا
تأسيس

مشهد مفتوح على كل الاحتمالات

بين الخرطوم ونيالا، وبين حكومتين متنازعتين، وبين جيش نظامي وقوات مسلحة شبه نظامية، يقف السودان اليوم على مفترق طرق خطير. فالبلد الذي شهد انفصال جنوبه قبل أكثر من عقد، يبدو وكأنه يكرر الدرس ذاته بصيغ جديدة أكثر مرارة، وفي ظل غياب أي مشروع وطني جامع، ومع سيطرة الحسابات العسكرية على الفعل السياسي، يبقى مستقبل السودان معلقًا على احتمالات كلها تنذر بالمزيد من الدماء والانقسامات.

اقرأ أيضًا: رانيا العوني: لا مستقبل للسودان دون دولة جديدة، ومصر لاعب محوري في المعادلة

الكاتب

  • تأسيس مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال

  • تأسيس رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان