السيرة الكلثومية.. قصة درة القرن العشرين وكوكب الشرق الآنسة أم كلثوم إبراهيم.. الحلقة الثانية

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثانية من سيرة كوكب الشرق الآنسة أم كلثوم إبراهيم، وكنا قد مهدنا لتلك السلسلة في الحلقة الماضية وتحدثنا عن قدر ومكانة أم كلثوم واليوم نبدأ المسيرة من حيث الميلاد والنشأة.

ميلاد أم كلثوم ونشأتها:

في نهايات القرن التاسع عشر لم يكن العالم يدري أن هناك طفلة بل نجمة قد أتت إلى هذه الدنيا وستقلب ساحة الفن المسموع رأساً على عقب، وستحول وجهة الجميع إليها، لم يكن يدري بأن ذلك البيت البسيط في طماي الزهايرة ستخرج منه لأضواء القاهرة بل والعالم العربي درة فن القرن العشرين التي ستسمع العالم وتشغل حديث الناس.

في بيت بسيط من بيوت قرية طماي الزهايرة بمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية ولدت أم كلثوم إبراهيم، واختلفت الآراء حول تاريخ ميلادها فالبعض يقول بأنها ولدت في عام 1896م، والبعض يقول أنها من مواليد عام 1898م، وهناك قول بأن أم كلثوم قد ولدت عام 1904م ويستند هذا القول لوثيقة رسمية، إلا أن الدكتور فيكتور سحاب يقول: أنه إذا صح أن ميلاد أم كلثوم قد صادف ليلة القدر كما قالت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد وكان ذلك قد وافق آخر السنة الميلادية فإن السنة التي يكاد يتفق فيها هذان اليومان هي سنة 1902م، فقد صادف آخر السنة الميلادية فيها يوم التاسع والعشرين من شهر رمضان.

والدها هو الشيخ ابراهيم البلتاجي كان منشدا(صييتا) ومؤذن بمسجد القرية، وقد سماها أم كلثوم تيمنا باسم أم كلثوم ابنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الشيخ إبراهيم البلتاجي حول تلك القصة: أنه في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان أي ليلة القدر، غلبه النوم وهو جالس في المسجد، فإذا به يرى رؤيا غريبة في منامه، إذ رأى في منامه سيدة ترتدي ملابسا بيضاء ووجهها يشع منه النور وفي يدها لفافة خضراء أعطتها إياه، وعندما فتحها وجد بداخلها شيئا متوجها له بريق فسألها ما هذا الشيء؟ فقالت له هذه جوهرة وبشرى السعد فحافظ عليها، فسألها ومن أنت؟ فأجابته قائلة: أنا أم كلثوم إبنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلما وضعت فاطمة المليجي زوجة الشيخ إبراهيم البلتاجي وليدتها احتارت في تسميتها وسألت الشيخ إبراهيم بم نسميها، فتذكر الشيخ ابراهيم رؤياه تلك وقرر أن يسميها ام كلثوم بلا تردد، فكانت أم كلثوم إبراهيم الجوهرة التي أشارت اليها أم كلثوم ابنه النبي في المنام، جدير بالذكر أن هناك شائعات لا تستند إلى أي أساس تقول أن أم كلثوم اسمها فاطمة وأم كلثوم هي كنيتها وهي معلومة لا أساس لها من الصحة.

تقول الدكتورة رتيبة الحفني في كتابها عن كوكب الشرق أم كلثوم:

شغف الأديب الكبير الراحل عباس محمود العقاد بشرح معنى كلمة كلثوم واستقر في آخر الأمر على أن أصل هذه الكلمة في اللغة هو الراية الحريرية التي كان المقاتلون يرفعونها وقت الحرب في أيام الجاهلية.

ولدت أم كلثوم في بيئة ريفية بسيطة ونشأت في ظروف قاسية مناخها السائد هو الفقر والحاجة، إلا أن الله قد منحها ما تغلب على تلك المعضلة فيما بعد، منحها صوتا نجاها وأسرتها بل والكثير من فقراء قريتها من أنياب ذلك الوحش المسمى بالفقر.

كبرت أم كلثوم واكتشفها والدها حين سمعها تردد الأناشيد والتواشيح التي كان يحفظها لأخيها خالد ولفتت الأنظار بقدرتها المعجزة على الغناء وهي في تلك السن، واشتهرت في قريتها بأنها تمتلك صوتا مطواعا جميلا يلفت الأنظار إذا ما قورن بسنها، فتحكي أم كلثوم عن طفولتها أنها كانت تغني وهي طفله ويردد الاصدقاء من حولها: أبويا زرع لي جنينة كلها برتقال، فيرددون: خالص، أسرح وأروح ألاقي البربري، فيرددون: حارس، والنبي يا بربري لأبيعك وأسد دين الوسية وأطلع من البلد خالص، وكانت تنزل الغيط وتغني حتى أن مرقص أفندي ناظر العزبة سمعها وأعجب بصوتها الذي كان يخفف على الفلاحات من عناء وكبد الزراعة والفلاحة طوال اليوم، وذكر بعض المعاصرين أن أم كلثوم لم تبدأ غناء وهي في الثالثة عشر كما هو شائع، بل وهي في سن الخامسة أو السادسة، حيث كان يصحبها والدها معه لتنشد في الليالي والموالد، حتى أنها حينما كانت تتدلل أو تتمنع كانوا يغرونها بالمهلبية، يقول مورد تلك القصة حتى كانت تعود في المساء نائمة محمولة على كتف أبيها فقد كانت طفلة صغيرة لا تتحمل السهر.

أم كلثوم الطفلة وشهر رمضان:

تحكي أم كلثوم إبراهيم عن طفولتها في شهر رمضان كما جاء في كتاب الدكتورة رتيبة الحفني فتقول: في الشهر ده (تقصد شهر رمضان) كنا نجمع بعضنا واحنا عيال نغني لشهر رمضان وكنا نمسك بصفائح ندق عليها ولم يكن عندنا في القرية مدفع ولكن كان هناك مسحراتي، وعلى أيامنا مكانش هناك فوانيس ملونة نلعب بها، وكنا نتجمع أنا والأسرة على سطح المنزل ونفرش الأض ونغني، وكنت أنا أغني ووالدي كان يصاحبني بالإيقاع على أواني المطبخ، كان عمري أربع سنوات وكنت أعمل نفسي صايمة علشان يصحوني للسحور، الأكل في رمضان حلو، وكانوا بياكلوا حاجات حلوة في السحور وفي الوقت نفسه كنت أحب أبان أني كبيرة في السن وطبعا أهلي عارفين اني فاطرة بس واخديني على قد عقلي ومش عاوزين يعرفوني انهم فاهمين اني فاطرة، والدتي كانت تنصحني بأني أنام وكانت تقول لي هانخلي لك من أكل السحور لكن مفيش فايدة.

أما عن العيد فتروي كوكب الشرق قائلة: العيد بالنسبة لي كان جلابية وجزمة جديدة ودايما كانوا يجيبوها مقاس يا يطلع ضيق قوي أو واسع قوي ومن فرحتي بها كنت أضعها تحت المخدة وألبس الشراب الجديد وأنام ليلة العيد وجنبي الجزمة الجديدة، ومع أذان الفجر نصحى ننتظر العيدية وكانوا يدونا أكل واحنا كنا ننتظر الفلوس عشان نركب المراجيح.

وعن ظروف الفقر والمعاناة التي رأتها وعاشتها في طفولتها تقول أم كلثوم: كانت طفولتي سعيدة مليئة بالضحكات إلى أن صحوت ذات ليلة على صوت همسات بين أبي وأمي، سمعت أمي تسأل أبي عن سبب قلقه طوال الليل فكان رده عليها: العيد جاي ومش قادر أجيب للأولاد جلاليب جديدة، فأحسست بآلام أبي وأمي، وعندما طلع النهار ذهبت إلى أمي وقلت لها: أنا مش عايزة جلابية جديدة للعيد جلابيتي القديمة حلوة ونفسي ألبسها في العيد، فبكت أمي وراحت تمطرني بقبلاتها وشعرت وأنا محاطة بذراعيها أنني أرتدي أجمل فستان في الدنيا.

إقرأ أيضا

طريق الموت.. قصة أكثر الطرق دموية في حرب الخليج

إن الحالة المادية الصعبة التي عاشتها في طفولتها تعكس بشكل أو بآخر حالة المجتمع الريفي أو القروي المصري قديما وربما في وقتنا الحالي بعض الشيء، وربما اندثرت مواهب كثيرة بحكم ذلك الجندي الملعون الذي يسمى الفقر، فكم من أسرة ولد لها فنانا موهوبا وقتله وقتل موهبته وطموحه الفقر، إلا أن القدر كان رحيما بنا فلم يحرمنا من تلك الجوهرة التي ولدت في ذات البيئة الفقيرة.

بمرور الوقت بدأت بشائر الموهبة والفطنة والذكاء تظهر عليها وترسم معالم ورتوش بسيطة في طريقها الذي انتهى بتربعها على عرش الطرب وهذا ما سنعرفه في الحلقات القادمة إن شاء الله.

دمتم في سعادة وسرور.

المطربون وتسجيل القرآن من أم كلثوم إلى أحمد سعد!