رجال حول الست أم كلثوم .. الشيخ أبو العلا محمد المعلم الأول
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
لم يعرف الغناء المصري صوتًا في قوة صوت أم كلثوم ، لازالت تحتل عرش الطرب حتى الأن ولم ينقطع صوتها برحيلها، لم تكن قوة الست في صوتها فقط فبجانبه تمتعت بكاريزما جعلتها محط أنظار الجميع ، بنت مجدها الفني ومنه استطاعت تقوية نفوذها بقوة شخصيتها فوصلت إلي مكانة فنية وإجتماعية لم تصل إليها إمرأة قبلها أو بعدها.
حول أم كلثوم العديد من الرجال منهم من كان له تأثير مباشر على فنها ومنهم من ارتبطت بهم بشكل شخصي، الست لم تكن مجرد صوت قوي بل شخصية عظيمة جذبت حولها العديد من الرجال سنفرد لهم مساحة في عدة تقارير تتحدث عن العلاقة بينهم وبين الست.
الشيخ أبو العلا محمد “المعلم والحبيب الأول للست أم كلثوم”
لم يكن أبو العلا محمد مجرد شخص عابر في حياة أم كلثوم، بل كان أول رجل عرفته خارج نطاق عائلتها، اللقاء الأول لم يكن وجهًا لوجه ولكن كان عبر غونغراف العمدة عندما استمعت لصوته وهو يغني “أفديه أن حفظ الهوى” لتغيير مفاهيم تلك الطفلة عن الغناء، فتقول أنها قبله كانت تغني بلا إحساس أو شعور هي فقط تردد ما يغنيه والدها الشيخ “إبراهيم البلتاجي” كالطفل الذي يردد جدول الضرب أو حروف اللغة العربية، في الوقت الذي كان أقرانها من الأطفال يتسامروا بالأهازيج والأغاني الفلكلورية، كانت هي تردد بينها وبين نفسها قصائده وهي معتقدة أن الرجل مات، حتى حدثت المفاجأة والتفت به مصادفة على محطة قطار السنبلاوين ولم تتعرف عليه إلا عندما رحب به والدها قائلا” الشيخ أبو العلا هنا” “
لم تصدق أم كلثوم أذنيها عندما رأت هذا الرجل الذي بدأت أولى مراحل تعلم الغناء بشكل صحيح من خلال صوته، و راحت تتحدث معه بلهفة وأن تصر على أن يستمع إليها تغني قصائده، لم يلتفت أبو العلا كثيرًا لثرثرة تلك الطفلة وصار يتحدث مع الاّخرين حتى أصرت هي الأخر على ألا يتركهم إلا بعد أن يزورهم في بيتهم في قرية طماي الزهايرة.
وسط إلحاح وإصرار الطفلة الصغيرة قبل الشيخ أبو العلا الدعوة إلي بيت أم كلثوم، التي ذهبت مسرعة إلي والدتها قائلة” النهاردة عندنا أهم إنسان في الدنيا، كل حاجة عندك قدميها له، ادبحي الفراخ اللي عندك واللى عند الجيران” من فرط السعادة بوجوده كانت تشعر أنها في حلم .
لم يكن أبو العلا محمد أحد كبار الصييته في عهده فقط، بل كان ملحنًا قديرًا استطاع ان يحرر الغناء من سيطرة إرتجال المطرب على اللحن، وبدأ على يديه عصر سيطرة الملحن وقام بتطوير ألحان القصائد ورسم الطريق الذي يسير عليه الكثيرون من بعده.
أول ستار ميكر في تاريخ الغناء.
كانت أولى نصائح أبو العلا محمد إلي أم كلثوم، ضرورة السفر إلي القاهرة وأنه من الظلم أن تظل تلك الموهبة حبيسة طماي الزهايرة والقرى المجاورة لها، وعندما قرر والدها الرحيل بها كان أول من استقبلها ووفر لها الإقامة بأحد فنادق شارع “فؤاد” و كان يصاحبها أثناء غنائها على مسرح الماجسيتك الذي كان يقدم مسرحيات “علي الكسار” كل يوم ثلاثاء حيث الحضور كان يقتصر على النساء فقط في ذلك اليوم.
قبل ظهور أبو العلا محمد في حياة أم كلثوم، كانت موهبتها بكر بلا ترويض وتعهدها بالرعاية وعلمها كيف تغني بأحساس وحررها من فلك التواشيح الدينية لكي تغني القصائد العاطفية ودربها على النطق الصحيح للكلمات وضرورة أن تعرف معنى الكلمات التي تغنيها حتى تستطيع إيصال المعنى بأحساس صحيح وأقنعها بالتخلي عن العقال والزي البدوي والتخت البدائي المصاحب لها، وحولها إلى الاَنسة أم كلثوم “صاحبة العصمة”
لحن لها حوالي سبع قصائد اشهرها “الصب تفضحه عيونه” و”حقك أنت المني والطلب” ووضح تأثيره الفني الكبير عليها من حيث دقة نطق الحروف وكيفية مواجهة الجمهور والإعتماد على قوة صوتها لعدم توافر الميكروفون في ذلك الحين. كان أبو العلا هو المدرسة الفنية الحقيقية التي تلقت فيها أم كلثوم فن الغناء، وكان شديد الخوف عليها متوقعًا لها حياة فنية قصيرة لأنها على حد تعبيرة “تغني بدمها” ولهذا لن تعمر طويلًا.
لم يسعف القدر الشيخ أبو العلا كي يرى أم كلثوم تجلس على عرش الغناء، فبعد ثلاث سنوات من لقاءهم الأول ودعته أم كلثوم ومشت خلف جنازته حافية القدمين في مشهد يعكس طبيعة العلاقة بينهم، قيل أنها أغرمت به وحاول ابنه الأكبر جلال الزواج منها، لكن ظل الشيخ أبو العلا يحتل المكانة الأهم كملحن في حياة أم كلثوم كما قالت عنه في طفولتها “أحسن إنسان في الدنيا”
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال