السينما الحربية في مصر.. رحلة الفيلم الحربي من الأخوين لاما وصولا للسرب (2-2)
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
3 سنوات قضتها السينما المصرية تتخبط بالمعني الحرفي، الدولة لم تعد تنفق بسخاء على السينما، كل ما في الدولة من موارد يتجه لإعادة تسليح الجيش ومحاولات رد الاعتبار والمجهود الحربي، الكل يعمل ويسير في اتجاه واحد، والأفلام الحربية أفلام مكلفة، فكان يجب أن تتوارى قبل أن يأتي عام 1970 وتخرج صيحة قوية أو بالأحرى قنبلة سينمائية.
أغنية على الممر.. حينما كنا نحارب كل شيء
بعد نكسة 1967، لا مجال لسينما البطولات التاريخية والحربية، السينما تتغير، القطاع العام يرفع يديه عن السينما شيئا فشيء، وتظهر العديد من التيارات السينمائية الجديدة، ومن جديد تتأثر السينما المصرية بموجات السينما الأوروبية، بما في ذلك الموجة الفرنسية الجديدة، ولكن الجميع ينصب في اتجاه واحد اتجاه النقض الاجتماعي الواضح والصريح، ولم تشهد تلك الفترة تقديم أي أفلام تحمل طابع تاريخي حتى تكونت في مصر “جماعة السينما الجديدة”
تلك الجماعة التي ضمت عدد من الأسماء من بينهم على عبدالخالق ومحمد راضي ورأفت الميهي، ليفجر على عبدالخالق قنبلة في السينما المصرية وهي “أغنية على الممر” عام 1970، وعلى الرغم أنه لا يمكن تصنيفه كفيلم حربي حيث لا معارك على الإطلاق، إلا إنك لا يمكنك تجاهله، الفيلم الاجتماعي أغنية على الممر قائم على الحرب وأثرها والحروب الصغيرة الخاصة بكل شخصية ممن جمعتهم الأقدار ليكونوا فصيلة لحماية ممر في وسط سيناء إبان معارك النكسة.
ولكن مع حتى هذه القنبلة، لم تغير السينما من طريقتها، التغير بالكامل جاء عن طريق الانتصار، ليكون عام 1974 هو عام السينما الحربية بدون منازع، حيث شهدت دور العرض صراع بين 5 أفلام صنفت جميعها كونها أفلام حربية، ولكن جميعها جاء متأثرًا بداء قاتل، الحرب على هامش القضية.
كلمة السر حسام الدين مصطفى
عام 1974 شهدت قاعات السينما المصرية منافسة بين أفلام “بدور إخراج نادر جلال – الرصاصة لا تزال في جيبي إخراج حسام الدين مصطفى – الوفاء العظيم إخراج حلمي رفلة – حتى أخر العمر إخراج أشرف فهمي – أبناء الصمت إخراج محمد راضي” لتتباين المستويات المختلفة داخل الأعمال بين الجيد على المستوى الفني والجيد على مستوى المعارك، ففنيًا يكتسح فيلم أبناء الصمت أي فيلم أخر، بينما يتربع فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي على قمة أفضل الأفلام التي قدمت معارك حربية في تلك الفترة، وسر جمال وخلود معاك فيلم الرصاصة لاتزال في جيبي يعود إلى اسم واحد فقط حسام الدين مصطفى.
حسام الدين مصطفى من جيل المخرجين الأوائل في مصر الذين تربوا على السينما الأمريكية بعد ازدهارها، وتأثر بها بشدة، وخاصة أفلام الحركة والمعارك بالإضافة لتخصصه في إخراج المعارك ودراسته لها، المشكلة الوحيدة أن حرب أكتوبر كانت عملية عسكرية واسعة بها العديد من العمليات الأصغر وعمل فيلم حربي يناقشها سيكون على نفس شاكلة فيلم أطول الأيام، وهو فيلم ضخم التكلفة بشكل يفوق طاقة السينما المصرية نفسها.
لذلك تحايل حسام الدين مصطفى على الأمر عن طريق ما يمكن تسميته اصطلاحًا بالاستعراض الأفقي، حيث قدم حسام الدين مصطفى في فيلمه مقتطفات من معارك متفرقة للجيش المصري في حرب أكتوبر، ومن قبلها، كعملية من عمليات الاستنزاف، ثم العبور، ثم اجتياح خط بارليف، ثم معركة القنطرة شرق العنيفة، ثم معركة الدبابات الشرسة، كل هذا بشكل متتابع متتالي دون التركيز بشكل قوي على تلك المعارك فكأنما ألقى نظرة بمنظور عين الطائر على تطور المعارك وقت الحرب.
الحرب على هامش القصة
ويمكن اعتبار فيلمي أبناء الصمت والرصاصة لا تزال في جيبي فيلمان حربيان بالفعل، بينما باقي الأفلام الخمسة كانت الحرب هي إطار الأحداث وسبب في تعقيد قصة الفيلم الأصلية والتي بالمصادفة ثلاثتها دور حول قصص حب مستحيلة، الحقيقة أن الحب نفسه حاضرًا في الأفلام الخمسة، ولكن حب نبيلة لبطلها المجند في حرب الاستنزاف يجعلها تعرف ظروف استشهاده ومشاهدة المعركة من أكثر من وجهة نظر، فالقصة الحقيقة للفيلم هي قصة الجنود في خندقهم على الجبهة.
بينما قصة فاطمة ومحمد واضحة من الأسماء، لا شيء يجذب فيها، قصة حب عادية رمزية لقصة حب وطن ومواطن، ولكن الحرب هنا هي أساس كل شيء، الحرب على الفساد الداخلي وقتها الذي أدي للهزيمة، وحرب إحساس الهزيمة وحرب الانتصار، درس قدمه السيناريست رأفت الميهي في الرصاصة لا تزال في جيبي، ودرس أخر قدمه مجيد طوبيا في أبناء الصمت.
من 1974 وحتى 1978 لم تقدم السينما المصرية سوى فيلم العمر لحظة للمخرج محمد راضي، والذي كان هو الأخر مصابًا بنفس الداء الحرب على هامش القصة لا في صلبها، بل إن تفرع القصة وإقحام قصة حب غير متزنة وغير جيدة الصنع جعل الفيلم يصبح من الأفلام التي لم تكن أبدا على المستوى المطلوب، خاصة وأن الفيلم بطلته سيده، مما كان حاجزًا بين الفيلم وبين الجمهور.
اقرأ للكاتب:- مقالات أفلام حرب أكتوبر مـــن هــنــا
ما بعد السبعينات، اختفت الأفلام الحربية، ظهرت موجة الواقعية الجديدة وتوارت الحرب والانتصار وانصب تركيز السينما والسينمائيين على أثار الانتصار وتبعاته، بين النقد والتمجيد، حتى عام 1993 حينما فاجئ قطاع الإنتاج الجميع ليقدم فيلم حربي، وليس عن انتصار أكتوبر ولكن عملية تمت أثناء حرب الاستنزاف ليحول وهو فيلم الطريق إلى إيلات للمخرجة إنعام محمد علي.
الطريق إلى وجهة نظر جديدة
وبعيدًا عن الكثير من الملاحظات الفنية عن الفيلم، والتعامل معه بتكنيك فيلم اجتماعي تدور أحداثه في الحرب مثلما فعلت في فيلم “حكايات الغريب” إلا أن الفيلم نفسه يمكن اعتباره نقطة تحول جوهرية في مسار الأفلام الحربية المصرية، حيث نجاحه الجماهيري الكبير عند عرضه التلفزيوني الأول، جعل الأنظار كلها تتجه إلى فكرة إنتاج أفلام عن وقائع وعمليات محددة لا فيلم يستعرض حرب أكتوبر بشكل كامل وهو ما حدث بعد ذلك.
فسيجاهد فيلم حائط البطولات للإنتاج وسيعاني من التوقف لسنوات طويلة، وحجبه لسنوات أطول، بينما سيقدم علي عبدالخالق فيلم يوم الكرامة عن موقعة إغراق المدمرة إيلات، ولكن سنرى أزمة كبيرة في هذا الفيلم، جاءت معاركة بنفس نمط أفلام الستينات والسبعينات بالإضافة إلى ضعف كبير في الخدع مما جعلها غير مواكبة لجيل كامل استمتع برائعة من أروع أفلام الحروب العالمية وهو “إنقاذ الجندي راين” الفيلم الذي يعد نقله نوعية في السينما الحربية على مستوى العالم، فكيف بعده نعود لتقنيات تجاوزناها ورؤية شاخت للمعارك وتنفيذ غير متقن وصورة ليست على المستوى المطلوب، وكل تلك العناصر تكافلت لتضمن للفيلم عدم تحقيق أي نجاح يذكر في شباك التذاكر وهو ما يؤكد قاعدة سينمائية في مصر ” الأفلام الحربية والتاريخية لا تنجح في حصد الإيرادات” وهو عكس السائد في السينما العالمية.
ممر يفتح باب جديد للسينما الحربية
ولكن يأتي عام 2019 بمفاجأة كبيرة، فيلم حربي ينجح في حصد أكبر قدر من الإيرادات ويتربع على عرشها، وهو فيلم الممر، والغريب أن الفيلم يحكي قصة معركة لم تحدث في حرب الاستنزاف من الأساس، ولكنه يدور داخل فلك فترة ما بعد النكسة، ولكن ما جعله ينجح، هو السير على الشكل الجديد لصناعة المعارك، معارك تعني تنفيذ جيد، قصة جيدة، وصورة مبهرة، وهذا ما قدمه الممر بكل بساطة، ولكن لنكن منصفين، ربما كان الممر من أكثر أفلام السينما المصرية الحربية تكلفة، وهي ميزة لم تتح للعديد من الأفلام، وأيضا ظهر في فترة تطورت فيها الصورة السينمائية في مصر تطور مذهل بفضل استقدام أحدث تقنيات التصوير وتطور الخدع وطرق تنفيذها إلكترونيًا.
ليعود الممر كاسم على مسمى ممر يفتح الباب أما فكرة إنتاج الأفلام الحربية والتاريخية من جديد، لنرى بعده فيلم السرب في 2024، ومعه فيلم ذو طابع تاريخي مثل فيلم أهل الكهف، وربما لأول مرة منذ فيلم الممر تسير السينما المصرية – ولو بصريًا- متأخرة بخطوات بسيطة عن السينما العالمية في مجالات المعارك والخدع، بعدما اتسعت الفجوة بين السينما المصرية والعالمية خلال الخمسون عامًا الماضية، لتصبح السينما وجمهورها في انتظار للمزيد من الأفلام الحربية شريطة أن تكون جيدة الصنع.
اقرأ أيضًا
السينما الحربية في مصر.. رحلة الفيلم الحربي من الأخوين لاما وصولا للسرب (1-2)
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال