الشاعر أبو نواس من الفقه والحديث إلى المجون والخلاعة ثم التوبة !
-
محمد سعد
خريج كلية الحقوق .. كاتب تقارير نوعية ومتخصص في ملفات التراث الديني والإسلام السياسي
كاتب نجم جديد
لم يكن أبو نواس مجرد شاعر اشتهر عنه أشعار الخلاعة والمجون بل كان عالماً في الفقه والحديث فبدأ حياته بدراسة الفقه والحديث والتفسير حتى قال فيه ابن المعتز في كتاب طبقات الشعراء : “كان أبو نواس ٍ عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفُتيا، بصيراً بالاختلاف، صاحب حفظٍ ونظرٍ ومعرفةٍ بطرق الحديث، يعرف محكم القرآن ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه.”
اقرأ أيضًا
الإمام الشافعي ومصر “حب وفقه صنع أشهر مذاهب الإسلام الأربعة”
وقال عنه الإمام الشافعي أبونواس محدث وعالم بالحديث ولولا مجونه وزندقته لرويتُ عنه!
العصر الذي عاش فيه أبو نواس
عاش أبونواس في العصر العباسي الأول الذي ابتدأ (132- 232هجريًا) بخلافة أبي العباس السفاح وانتهى بخلافة الواثق، وتميز بقوة الخلافة واستقلالها التام، وتركز السلطات العليا في الدولة بيد الخلفاء الذين تمتعوا بقدرات شخصية وسياسية وإدارية فذة استطاعوا من خلالها المحافظة على وحدة الدولة وإخماد الفتن والثورات التي قامت في وجهها.
وفي بداية حياة أبو نواس في البصرة أحب أبا نواس فتاة تدعى جنان وغناها بشعرٍ كثيرٍ يعبر عن عمق شعوره ، ثم رحل عنها بعد فترة إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية وامتدح فيها الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي قربه من مجلسه ثم بدأ أبو نواس ينشر شعره الماجن فكان هارون الرشيد يعاقبه بالسجن كثيراً حتى تواصل أبو النواس مع بعض البرامكة والذي مدحهم فتوسطوا له عن الرشيد وعفا عنه.
وكان من شعره
دع المساجد للــعبّاد تسكنها وطف بنا حول خمّار ليسقينا
ما قال ربك ويل للذين سكروا ولكن قال ويل للمـصلينا.
ثم هاجر أبا نواس من بغداد إلى الشام ثم مصر واستقر فيها فترة ثم عاد إلى بغداد مرة أخرى بعد وفاة هارون الرشيد وتولى الخلافة بعده الخليفة الأمين فقربه إليه بعد ما امتدحه فأحاطه بهاله من الحماية السياسية فكان يقول الشعر الذي يعتبره العلماء كفراً ومجوناً ولا يستطيع أحد معاقبته حتى عاب عليه خصومه فاضطر الأمين لحبسه عدة مرات ثم عفا عنه .
ظاهرة المجون في العصر العباسي
قال طه حسين: إن المجون في الشعر بدأ يظهر عندما تحولت السلطة من أيدي الأمويين إلى العباسيين وهو يريد بذلك أن يقول أن الفرس كان لهم الأثر البارز في هذه الظاهرة بسبب وسائل الترف التي أتت مع العباسيين عن طريق العنصرالفارسي .
واتسعت أرزاق الشعراء الماجنين في هذا العصر لذلك انتشر الشعر الماجن يقول “بطرس البستاني”: وأفرط الشعراء في المجون لاتساع رزقهم، ووَفْرَةِ أسباب لهوهم، فخلعوا رداء الحياء، وأرادوا التغزل فتعهَّروا، وأسرفوا في تعهرهم، فكان شعرهم صورة لتلك البيئة مريضة الأخلاق.
أبو نواس كان شاعرًا إباحيًا فريداً من نوعه لأنه تفنن في جميع أنواع المجون من وصف للنساء وللخمر ولم يكن يقول سوى الغزل الفاحش وكان هجاء أبو نواس لاذعاً وكان يُعبر عن غرائزه بشكل فاضح، بل أظهر في شعره شذوذًا لتغزله ببعض الغلمان فكان يقول :
مستيقظ اللحظ في أفنان وسنان
قبلت فاه فحيَّاني بريحان
مستبعد للأماني حسن منظره
عف الضمير ولكن لحظه زان
الفصل الأخير في حياة أبا نواس
لم يستمر هذا التهتك والمجون في حياة أبونواس كثيراً ففي الفصل الأخير من حياته عاد إلى التعبد وتاب إلى الله وكتب يُعبر عن توبته يقول :
يا رَبَّ إن عَظُمَت ذُنُوبي كثرة فلقد عَلِمتُ بِأنَّ عفوكَ أعظَمُ
إن كان لايرجوكَ إلا مُحسِنٌ فبِمَن يَلُوذُ و يستجِيرُ المُجرِمُ؟
وتتوالى بعد ذلك مقطوعات يؤكد فيها توبته لله، ويستغفر مما كان منه، وينيب إليه ويستجير به من عقوبته، يقول:
أيا من ليس لي منه مجير
بعفوك من عذابك أستجير
أنا العبد المقرّ بكل ذنب
وأنت السيد المولى الغفور
فإن عذبتني فبسوء فعلي
وإن تغفر فأنت به جدير
أفر إليك منك وأين إلا
إليك يفر منك المستجير
الكاتب
-
محمد سعد
خريج كلية الحقوق .. كاتب تقارير نوعية ومتخصص في ملفات التراث الديني والإسلام السياسي
كاتب نجم جديد