الشاعر إبراهيم عبد الفتاح يتحدث إلي الميزان ” الأغنية المصرية هي الأضعف في مشهد الغناء العربي” “
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
عبر رحلة شعرية طويلة خلق إبراهيم عبد الفتاح فيها عالمًا خاصًا بقصيدة جديدة، تمازج فيها الشعر بالسرد بصور بسيطة حد التعقيد، حمل على اكتافه احلامًا وهمومًا بين العام والخاص، مثلت أشعاره حلقة وصل مهمة بين جيل الكبار حداد وجاهين وأمل دنقل وبين جيل الوسط فصنع حالة فارقة في مشهد الشعر المصري الحديث.
في حوار خاص للميزان مع الشاعر الكبير إبراهيم عبد الفتاح نطرح عليه عدة تساؤلات مهمة عن مشواره في مضمار الشعر وعالم الأغنية وأزمات جيل الوسط الذي يعاني داخل المشهد الغنائي الحالي.
إبراهيم عبد الفتاح هو شاعر وكاتب مسرحي مصري له العديد من الدواوين الشعرية بالفصحى والعامية المصرية أهمها “صورة جماعية للوحدة”و”سيما أونطة” و”شباك قديم” وكتب العديد من الأغنيات الناجحة اشهرها “لما الشتا يدق البيبان” لعلي الحجار و”لو بأيدي” لوجيه عزيز و”بفرد ضلوعي”لمدحت صالح و”شباك قديم” لحنان ماضي وكتب أغاني العديد من الأفلام وتترات المسلسلات مثل “هي فوضى” “حين ميسرة” و”الدالي” و أفراح إبليس”
أولا حدثنا أكثر عن البدايات وهل أخترت الشعر أم الشعر اختارك؟
كلنا بنولد بنفس الشغف تجاه وسائل التعبير المختلفة، الفارق بيكون في مكان الميلاد والوسائل المتاحة فيه فهنا بتبقى عندك القدرة على الأختيار، مثلا البيت اللى انا اتولدت فيه كان أكتر حاجة فيه هي الكتب الموجودة في مكتبة ابويا الله يرحمه، و لقيت فيها كتب كتيرة ونسخ نادرة لشعراء كمان نادرين، فأنا اعتقد ان لو المسألة قدرية فأنا للأسف كنت محكوم بالاتجاه ناحية الكتابة، إنما كان في طرق أخرى للتعبير زي الرسم والمسرح، يمكن اكتر تلات حاجات انا بعشقهم المسرح والرسم والشعر إذا اعتبرنا ان الموسيقى جزء من الشعر.
ما مدى تأثرك بالأصوات الشعرية التي سبقتك؟
تأُثري كان بالمتاح بالنسبة لي في الصغر متمثل في القصيدة الكلاسيكية العمودية وشعر الفصحى تحديدًا، وكتبت الشعر العمودي فترة مش قليلة من عمري، لحد ما اكتشفت أني لما بقرأ قصيدة فصحي على اصدقاء جيلي كنت بحس بفجوة كبيرة بينهم وبين النوع ده من الشعر، ففكرت في العامية كوسيلة تواصل، واكتشفت فيما بعد أن العامية اختيار إيديولوجي لأنك بالضرورة لما بتختار العامية فأنت متوجه لشريحة أكبر من الناس.
والشعر دايما في تصوري لابد أن يكون على يسار السلطة وله دور مؤثر، يمكن تغيرت الأشياء فنيًا بعد كده، لكن دي كانت البدايات.
وطبيعي لما اروح ناحية العامية ادور على شعراء العامية ، وانا شخصيًا اتفاجئت بأني كنت أكتب العامية قبل ان أقرأ لأحد بإستثناء بيرم التونسي، وفيما بعد كان المفضل بالنسبة لي فؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودي دول يعتبروا أكثر ثلاث اسماء مؤثرين بالنسبة لي.
كنت ولازلت من الجيل الذي أحدث ثورة ونقلة في الشعر الغنائي من حيث تنوع المضامين الشعرية والمفردات الجديدة التي دخلت عالم الأغنية في وقت كانت الأغنية الكلاسيكية تلفظ أنفاسها الأخيرة، هل ترى أن تلك الثورة تقابل بجحود الأن خصوصا من المطربين وما يحدث الأن هو انقلاب على تلك الثورة ؟
الجيل ده ممكن نسميه جيل الوسط في الأغنية وهو عمل نقلة نوعية في الأغنية فيما اشبه بالمعجزة أن جاز التعبير على مستوى المضامين وحتى على مستوى الفورم وشكل الأغنية ومفرداتها، والغريب أن نفس الجيل هو السبب في الردة الفنية اللي حدثت فيما بعد، لأنه ببساطة شديدة تخلى عن هذا المشروع لمجرد موجة عابرة من الأغنية الشبابية.
ويمكن الجيل ده حاول العودة او الردة إلي الشكل الكلاسيكي القديم أيام عبد الحليم وبليغ من حيث الاهتمام بالنغم على حساب الكلمات، ويمكن احنا بنسمع اغاني لعبد الحليم بنطرب لها ولتراكيبها اللحنية لكن بنتفاجئ بسذاجة المضمون وركاكة المفردات، وده لا ينتقص من عبد الحليم في شئ بالعكس هو كان شخصية مغامرة وعمل حاجات مهمة، لكن المقصد أن جيل الوسط ارتد على نفسه ردة غريبة جدًا وبالتالي هنا بقي في محنة بالنسبة لمجموعة من العناصر سواء في الشعر أو التلحين.
لأن ببساطة المجموعة دي هتشتغل مع مين؟ والرهان كان على تلك المجموعة تحديدًا كابناء جيل واحد متقارب وفجأة أصبحوا بيدونا ضهرهم ويمشوا وبيراهنوا على فرسان المرحلة الجديدة وللأسف رغم رصيدهم الكبير إلا أن التعاون مع الجيل الجديد ما اضافش ليهم حاجة.
وبالطبع كلنا تأثرنا بالموجة الجديدة، لكن انا عن نفسي مقدرش أدي كلماتي لصوت انا بفهم في الغنا أكتر منه فمش هأتمنه على كلماتي إذن طبيعي مش هشتغل إلا حاجات معدودة ونادرة جدًا.
تعاون إبراهيم عبد الفتاح مع أغلب الأسماء المهمة في عالم الأغنية المصرية والعربية، كيف ترى واقع الأغنية العربية اليوم في ظل صعود موجة المهرجانات والراب والتراب والأشكال الغنائية الجديدة؟
يؤسفني جدًا أقول أن الأغنية المصرية تكاد تكون الأضعف في مشهد الغناء العربي الحالي وتشهد تراجع كبير جدًا، حتى لو كان لبنان أو الخليج تأثر بالأغنية المصرية من حيث الرواج أو الأستعانة ببعض العناصر علي مستوى التلحين والتوزيع وأحيانا الكلمات، إلا أن مثلا الأغنية الخليجية النصيب الأغلب فيها ينتصر للكلمات على حساب اللحن والتوزيع، ومازال هناك إصرار على أن الكلام يكون جيد ويبقى له قوام وملامح وفيه صور شعرية وطرح مغاير عكس مايحدث عندنا في الأغنية المصرية.
كذلك المشهد اللبناني وأنا دايما بقول أنه أفضل مثال على أن كل الأنواع الغنائية على اختلاف مضامينها ممكن أن تعمل وتنجح وتتجاور بدون أي مشكلة، لحد اليوم بيشتغل جورج وسوف ووائل كفوري ووائل جسار وماجدة الرومي وجوليا بطرس وزياد الرحباني وفيروز، مشهد عجيب جدًا الكل بيعمل فيه وفيه تنوع رهيب يكاد يكون موازي للتنوع الطائفي هناك، انما بالنسبة للأغنية المصرية فهي للأسف الأضعف في المشهد العربي كله.
هل يرى إبراهيم عبد الفتاح اتساع الهوة بين الشاعر الغنائي وبين الشاعر بصفة عامة، في ظل صعود سماسرة الكلمات المقفاة دون طرح شعري جدي، وهل أثر ذلك على شكل الأغنية العربية؟
بشكل عام عندنا هنا مفيش حد بيشتغل شغلته، كل حد بقى يفكر في الشغلانة اللى هيربح منها أكتر، فالبتالي عندنا ظاهرة مش موجودة في أي ركن في العالم، وهي أن في ناس بتكتب أغاني مفيش ليها أي مرجعية أو خلفية معرفية أو فنية ولا أي شي، وطبعا بيكتب أغاني زي اللى أنت أشرت إليها في سؤالك مجرد رص مقفي وأحيانا حتى بيبقي فيه خلل في العروض، ناهيك عن الخلل النفسي أنا بسمع حاجات فيها تشوه وانحراف نفسي كبير، ناس محتاجة تتعالج قبل ما تكتب أو تعمل أي شئ ينتمي للفن،
والأغنية طول عمرها كانت جزء من نشاط الشاعر اللي هو أساسًا بيكتب قصيدة أو زجل من أول بيرم لكل الزجالين اللى كتبوا أغنية هما شعراء بالأساس، فالبتالي أغانيهم كانت محملة بطاقة شعرية كبيرة وصور واّخيلة ده غير أن المضمون لازم بيقي مغاير ومختلف وجديد في التناول حتى لو في محدودية في الأفكار، ودايما كان في رغبة ملحة في الأختلاف وكان في جهد حقيقي يبذل في الأغنية، واللي بيأكد على ده أن في شعراء زي صلاح جاهين وسيد حجاب والأبنودي، إسهاماتهم في الحقل الغنائي كانت عظيمة وفارقة جدًا حتي لو قليلة عند البعض زي جاهين إلا أنها كانت علامات لو اتكلمنا عن “المريلة كحلي” أو الأغاني اللي عملها لسعاد حسني أو أحمد زكي،
كان للشاعر دور مقدس في كتابة الأغنية وكان حريص عليه، وطبعا في فرق كبير جدًا بين الشاعر وكاتب الأغنية
ما رأي إبراهيم عبد الفتاح في ظاهرة الشعراء الجدد على مواقع التواصل الإجتماعي والتي تقاس جودة شعرهم بعدد المتابعين وهل أثرت تلك الظاهرة سلبًا أم إيجابًا في حركة الشعر المصري؟
للأسف التأثير سلبي وكبير جدًا خاصة على البعض منهم اللى كان عنده محاولات مبشرة ومهمة، لكن هما أيقنوا أن أي جملة هيحطوها مهما كانت؛ هتلاقي الآلاف من المتابعين والمعجبين، وأصبح في مخاطبة ومغازلة لهذا الجمهور
وحتى لو الشاعر موهوب وعنده أكتر من كده هو مش هيقدر يعمل ده لأنه مضطر أنه يفضل في نفس المستوى عشان يحتفظ بالمتابعين ويعمل على زيادتهم ويحس بالأفضلية عن الاّخرين.
فما بالك باللي معندوش حاجة وجرب زي كل الناس في سن المراهقة يكتب خواطر فكل ما يكتب جملة ويلاقي اللي بيشيد بيه فطبيعي هيستمر والنوع ده للأسف أفرز ما يسمى بحفلة الشعر ، بقا في شاعر ناس بتروح تقطع تذكرة وتسمعه وده شئ سلبي ومستحدث بسبب السوشيال ميديا اللي ساهمت في صعودهم للمشهد الشعري .
دعنا نتوقف عن واحدة من قصائدك المفضلة بالنسبة لي وهي آخر قصائد ديوان سيما أونطة بعنوان السيناريست، ارى ان تلك القصيدة تشبهك تمامًا كشخص لا يكتب الشعر إضطرارًا يعشق الحرية ويكره القيود ومع ذلك يخاف الحرية أكثر مما يخاف القمع والسجن، فالكلمة في رأيك سند وكتف ليست محاولة لتجميل القبح بقدر ما إقرار الواقع بكل حلوه ومره والنهاية الأهم في رأيي هي انك تكره قيود الروتين الوظيفي حدثنا أكثر عن علاقتك بتلك القصيدة؟
بالفعل هي واحدة من القصائد التي لا تنفصل عني، في كل مرحلة بيبقي في قصيدة الواحد مبيعرفش يتجاوز ذاته إلي أبعد منها ، وبتفضل محطة من محطاته المهمة في حياته.
وبالفعل إلي حد ما هي دي طريقة تفكيري وطريقة تعاملي مع الفن والواقع بشكل عام، وانا معنديش مشكلة أني اختفي بالسنين لأني مش ههتم بالكم على حساب الكيف، لأن مش هيرضي غروري أن أعمل أغنية واحدة حلوة وسط كم مش كويس او مش راضي عنه، بالظبط شبه المطرب اللى بيعمل البوم فيه 8 أغاني 7 منهم أي كلام وفي وسطهم غنوة للأبنودي أو فؤاد حداد كأن الأغنية دي هي اللى هتسند الباقي لكنه مش مدرك أنها هتقع بسبب الشغل التاني،
والحرية بالنسبة لي غالية جدًا ومكلفة جدًا ومسئولية ضخمة سواء كنت واقف على منصة بتقول شعر أو حتى بتقول سياسة، فلا يمكن أنك تمارسها بدون وعي أو علم أو إدراك لمعنى فكرة الحرية.
وهي بالفعل اكتر القصائد اللي بتعبر عن إبراهيم عبد الفتاح شخصيًا
وبقول فيها .
مش باكتب خلاصة حق
أو تسديد ديون
باخاف من الحرية اكتر م المسجون
ومش عشان الحق والخير والجمال
ولا كل المعاني الواسعة
ومش خلاص من الموت
جايز يكون خلاص من الحياة
الظلم هو الأصل في الدنيا
اللي بيطلب عدل يستني الإله
مش بكتب لأني حزين
ولا عشان مبسوط
ولا عندي سحر هيعدل المايلة
أو أني أقول للحاجة كن فتكون
و لا عندي وهم
أعيد ترتيب الظروف والكون
ومش عشان ما افقدشي عقلي
دي احلي حاجة في العقل الجنون
باكتب لأن الكتابة كتف يسندني
لما بقع أو بميل
باكتب عشان اخف شوية من التجميل
ويجوز عشان ما كدبشي على نفسي
وأوهمها بالمستحيل
ومش عشان اتطمن
انا لما بطمن بخاف
باكتب لأن دي المهنة الوحيدة
اللي مابتطلبش مني
توقيع بالحضور والأنصراف
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال