“أبطال لم يتركوا مواقعهم أمام الاحتلال” الشهيد محمد عبيد نموذجًا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عرف التاريخ المصري نماذج متعددة لأبطال لم يتركوا مواقعهم، وقاتلوا حتى أنفاسهم الأخيرة، ويتناول موقع الميزان قصصهم في سلسلة تقارير، ومنهم البطل المصري الشهيد محمد عبيد.
«شوف البطل اسمه محمد عبيد
أسامينا فى الشهداء طرب غالي
نوارة الأيام وحنتها
وعصرت قلبى لما غنتها
شوف البطل»
بهذه الكلمات أنشد الشاعر فؤاد حداد قصيدةً في رثاء البطل محمد عبيد الذي ارتقى شهيدًا في مواجهته مع الإنجليز في معركة التل الكبير يوم 13 سبتمبر 1882م، والتي استشهد فيها مالا يقل عن 2000 شهيد مصري.[1]
بطل معركة التل الكبير
كانت معركة التل الكبير هي الفاصلة في دخول الاحتلال الإنجليزي إلى مصر بعد الثورة العرابية، فهي آخر مراكز الجيش المصري بعد الهزيمة في القصاصين، وتقع ساحتها على الضفة الشمالية لترعة الإسماعيلية، وتبدأ خطوط الدفاع المصرية من السكة الحديد.
إلا أن المأزق الذي كان يقع فيه الجيش المصري بعيدًا عن تفاوت القدرات مع نظيره الإنجليزي، هو كم الخيانات التي تحدق به ممثلة في الخديوي توفيق بموقفه المتخاذل، والعربان ممثلي في سعود الطحاوي ومحمد البقلي، وسلطان باشا رجل الخديوي القوي، ومعاونه عثمان بك رفعت، وضباط الخديوي في الجيش الذين كان ولاءهم للاحتلال، فضلاً عن ديلسيبس.
لكن أكبر هزة تعرض لها العرابيين كان فرمان عصيان عرابي الذي أصدره السلطان العثماني عبدالحميد الثاني في 6 سبتمبر 1882م، حيث انهارت الروح المعنوية لكثيرين شعبًا وجيشًا، لأنه بموجب الفرمان صار عرابي مارقًا وحركته معادية للسلطان والشعب.[2]
وسط هذه الأجواء اندلعت معركة التل كبير في مساء 13 سبتمبر 1882م والتي حكى عنها محمود الخفيف في تاريخه قائلاً عندما زحف الجنرال الإنجليزي ولسلي، وكان هجوم الإنجليز على نصف دائرة فأحاطوا بميمنة المصريين وميسرتهم، وتقدمت فرقة من المدفعية حتى صارت وراء خطوطهم، وفتك جيش الإنجليز بالمصريين فتكًا ذريعًا، ولم تكن هذه معركة في الواقع فهي أشبه بأعمال القراصنة في الصحراء، ولكن الميدان في هذه المحنة وفي هذه المباغتة التي تطيش فيها عقول الرجال، لم يخل من نفر من المصريين حفظوا شرف قومهم من الانهيار، فأثبتوا في مستنقع الموت أرجلهم، والهول محيط بهم، والموت يأتيهم من كل مكان، ومن هؤلاء البواسل هم الشهيد البطل محمد عبيد.[3]
النهاية البطولية لمحمد عبيد قالها تفصيلاً محمد حافظ دياب في الفصل الرابع من كتابه انتفاضات أم ثورات في تاريخ مصر الحديث، إذ أن في هذه المعركة الختامية التي أنزلت الهزيمة بالجيش المصري بقيادة أحمد عرابي في التل الكبير، أعطت الرشاشات البريطانية الجديدة دعمها الأشد فعالية، بإطلاقها النيران بدقة كبيرة على الجيش المصري أينما كان عرضة لها، وظل أمير الآلاي محمد عبيد، على مدفعه حتى انصهر جسده، وتناثرت أشلاء جثته تحت سنابك الخيل، فلم يُعرف له قبر، ليتحول في الوجدان الشعبي إلى ولي من أولياء الله.
[1] عبدالرحمن الرافعي، الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي، ط/2، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ـ مصر، 1348هـ / 1949م، ص435.
[2] المرجع السابق، ص426.
[3] محمود الخفيف، فصول في تاريخ الثورة العرابية، ط/1، مؤسسة هنداوي، القاهرة ـ مصر، 2012م، ص70.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال