الشهيد يحيى عياش .. قصة مهندس الموت الذي أرعب إسرائيل بجهاده حيًا وميتًا

سيطر الخوف على إسرائيل في 13 مايو 2021 من اسم الشهيد يحيى عياش بعد موته ربع قرن من استشهاده، إذ أُطْلِق صاروخ حمل اسم عياش 250 على مطار رامون، وكان الخوف من اسم الصاروخ أكبر من الصاروخ نفسه.

نشأة الشهيد يحيى عياش .. والجملة التي غيرت مسار حياته

قبل نكسة 67 بعامٍ واحد وُلِد يحيى عبداللطيف ساطي عياش في قرية رافات التابعة لمحافظة سلفيت في الضفة الغربية، وكانت عائلته لها جذور في النضال الفلسطيني منذ بدايته سنة 1917 عبر وعد بلفور وتوهجه في الثورة العربية الكبرى والثورة الفلسطينية وحرب 48.

اقرأ أيضًا 
الأمير الأحمر .. الرجل الذي أخاف جولدا مائير وحرم الموساد من النوم

يحكي والده أنه شعر بأن نجله الهادئ سيكون له شأن في مقاومة الاحتلال الصهيوني منذ سنوات الطفولة، إذ كان جنود الاحتلال في قريته ورآهم يحيى فسأل والده عنهم فأخبره بأنهم عساكر صهاينة أخذوا أرضهم فقال له يحيى هيا بنا لنذبحهم إذًا.

كان التفوق هو عنوان مسيرة يحيى عياش في كافة المراحل الدراسية بين رافات والزاوية وبديا، ففي الإبتدائي درس في قريته، أما المرحلة الإعدادية والصف الأول الثانوي فكان بمدرسة الزاوية، ثم انتقل إلى قرية بديا ليدرس الصف الثاني والثالث في مدرسة بديا وينال على الشهادة الثانوية بمجموع 92.8 % سنة 1984 م.

إلى جانب الدراسة العلمية كان يحيى عياش متفوقًا في دراسته الدينية، حيث حفظ القرآن الكريم كاملاً وتميز في العلوم الشرعية، ثم سافر إلى مدينة رام الله للتسجيل في جامعة بيرزيت والتي التحق بها عبر كلية الهندسة الكهربائية وبعد تخرجه طلب السفر إلى الأردن ليُكْمَل الدراسات العليا لكن سلطات الاحتلال الصهيونية رفضت إعطاءه تصريحًا بالسفر.

مراحل يحيى عياش الدراسية وبُعَيْدَ تخرجه تزامنت مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى وكان يحيى عياش مشاركًا فيها بالحجارة فاستشهد اثنين من أصدقاءه، وحينها قال له والده «هل يصح أن يموت مهندس على حجر ؟، فلسطين لا تحتاج لشباب لأن فيها شباب، فلسطين تحتاج إلى عقل»، ونتيجةً لهذه الجملة تحول مسار يحيى عياش النضالي وقرر أن يُسَخِّر كل مقوماته العلمية في خدمة المقاومة.

نواة العمل الجهادي في مسيرة الشهيد يحيى عياش

بدأ يحيى عياش عمله في مقاومة الصهاينة بتنفيذ عمليتين بمفرده كانت الأولى بجوار بلدة رفات، والثانية في كمين أمني صهيوني بالقرب من جامعة بيرزيت وأسفر عن إصابة 3 جنود وتغير مكان الكمين، وبعدها جهز عينة من المتفجرات سنة 1991 م ووضعها في زجاجة وسلمها إلى أستاذه في الجهاد زاهر جبارين.

في العام 1992 كان يحيى عياش قد تعلم لوحده كيفية صناعة المتفجرات وأخذ يجربها في سيارة مفخخة صُنِعَت في منطقة كرواة بني حسان وكون مجموعة جهادية رباعية كان هو فيها مع علي عاصي وزاهر الجبارين وعدنان مرعي.

كانت أولى عمليات المجموعة الرباعية هي عملية ماتيتياهو إذ تم تفجير حافلة صهيونية أسفرت عن مقتل سيدة وإصابة آخرين وكانت عملية مبدئية في مسيرة يحيى عياش كعضو في حركة قبل أن يكون مهندسًا مرعبًا لإسرائيل.

المجموعة الرباعية كانت تنتوي في 20 نوفمبر 1992 شن عملية رامات افعال بعد انتهاءهم من كل تفصيلات السيارة المفخخة لكن السيارة كانت مسروقة وتمكنت أجهزة الأمن في الكيان الصهيوني من ضبطها.

جاءت عملية خطف الجندي الصهيوني نسيم توليدانو التي نفذت كتائب القسام في 13 ديسمبر سنة 1992 بهدف الإفراج عن زعيم حركة حماس أحمد ياسين، لتؤثر على حركة المجموعة الرباعية.

رفض الكيان الصهيوني إطلاق سراح أحمد ياسين في مقابل نسيم توليدانو لتقوم حركة حماس بقتله، ونتيجةً لهذه العملية قام الكيان الصهيوني بتضييق الخناق على فلسطين لتوجه قيادة الكتائب رسالة إلى يحيى عياش وزاهر جبارين قالت فيها «عليكم الابتعاد عن أي أعمال تتصل بالتحقيق مع العملاء والتركيز على العمل ضد الجنود الإسرائيليين ونطالبكم بعمليتين كهدية للمجاهدين الذين أبعدوا إلى لبنان، إحدى العمليتين متروكة لاختياركم والثانية عليكم تنفيذها بواسطة سيارة ملغومة».

قررت المجموعة تنفيذ العمليتين فتزامنت الأولى مع ذكرى معركة الكرامة والثانية مع ذكرى يوم الأرض في محافظة طولكرم وأسفرت عن قتل جنديين من الصهاينة وإصابة 3.

المراحل الأربعة لعمليات الشهيد يحيى عياش | القائمة كاملة

نجح يحيى عياش في جمع عصارة أفكاره العلمية التي تلقاها في كلية الهندسة الكهربائية، وصار هو المهندس الفعلي لتجهيز السيارات المفخخة في الفترة من سنة 1993 وحتى 1995 م، ويمكن تقسيم عمليات يحيى عياش إلى 4 مراحل تاريخية.

• عمليات المرحلة الأولى .. الإعلان عن المشروع الجهادي

المرحلة الأولى وهي مرحلة الإعلان عن مشروعه الجهادي ويمثل تاريخ 16 إبريل سنة 1993 م البداية الفعلية للشهيد يحيى عياش عبر عملية مفرق ميهولا، فقد جهز سيارة مفخخة قادها ساهر التمام ونفذ بها عملية مفرق ميهولا، ولأول مرة طُرِح اسم يحيى عياش في البيانات الصهيونية لتبدأ المطاردة بين الموساد ويحيى عياش، وأثناء مطاردته ظل يفكر في كيفية استمرار الرد، فنفذ عملية سريعة في منتصف مايو 1993 بأحد التجمعات الصهيونية أسفرت عن مقتل إسرائيلي وإصابة 35 آخرون.

بات يحيى عياش معروفًا بأنه الأب الروحي والدينمو الفعلي لكل السيارات المفخخة، فكان هو المجهز لعملية دير بلوط في سفليت التي نفذها عدنان مرعي وعلي عاصي بالقرب من مستوطنة الكاناة بموقع عسكري يوم 6 أغسطس 1993 م وأسفرت عن مقتل جنديين من الكيان الصهيوني وإصابة آخر.

كذلك أشرف على عملية بيت إيل في رام الله التي نفذها سليمان زيدان بالقرب من مقر القيادة الإسرائيلي في 4 أكتوبر 1993 م بسيارة مفخخة وأسفرت عن مقتل 2 وإصابة 28.

وفي 3 يناير 1994 أشرف يحيى عياش على السيارة المفخخة المُسْتَخْدَمَة في عملية حقل الرماية والتي نفذها عبدالمنعم أبو حميد وعلي عاصي بمنطقة روش حرنان بتل أبيب يوم 3 يناير 1994 وأسفرت عن مقتل إسرائيلي وإصابة آخر.

كما ساهم يحيى عياش في عملية قتل ضابط المخابرات الصهيوني نوعم كوهين التي نفذها عبدالمنعم أبو حميد وعبدالرحمن حمدان وعلي العامودي في رام الله يوم 13 فبراير 1994 م.

• عمليات المرحلة الثانية  .. فاتورة مذبحة الحرم الإبراهيمي

إزاء العمليات التي تمت في المرحلة الأولى قرر الكيان الصهيوني الرد فكانت مذبحة الحرم الإبراهيمي والتي نفذها الطبيب الصهيوني المتطرف باروخ جولدشتاين في 15 رمضان سنة 1414 هجري الموافق 25 فبراير 1994 في المسجد الإبراهيمي حيث أطلق الرصاص على المصلين أثناء أداءهم لصلاة الفجر وأسفرت العملية عن استشهاد 33 فلسطيني.

قرر يحيى عياش أن يجعل الكيان الصهيوني يدفع الثمن فشن 4 عمليات ثأر واسعة النطاق أسفرت عن قتل 39 إسرائيلي وإصابة 127 آخرين إلى جانب خسائر مالية وصلت إلى 2 مليون و300 ألف دولار.

كانت العملية الأولى في عملية العفولة التي نفذها رائد زكارنة بمحطة باصات العفولة يوم 6 إبريل 1994 وأسفرت عن مقتل 9 وإصابة 50 صهيوني بسيارة مفخخة بـ 57 كيلو جرامًا.

أما العملية الثانية فكانت عملية الخضيرة التي عمار عمارنة في 13 إبريل 1994 وأسفرت عن مقتل 6 وإصابة 30 آخرين.

وكانت العملية الثالثة خطف الجندي الصهيوني نخشون فاكسمان في 9 أكتوبر 1994 بهدف عقد صفقة تبادل ومع مكابرة إسرائيل تم قتل الجندي.

بينما كانت العملية الرابعة هي عملية ديزنغوف التي نفذها صالح صوي نزال في تل أبيب يوم 19 أكتوبر 1994 م وأسفرت عن مقتل 23 صهيوني وإصابة 47 آخرين وخسائر مالية تقدر بـ 2 مليون و300 ألف دولار.

إزاء هذه العمليات الأربعة قررت اللجنة الوزارية لشئون المخابرات برئاسة إسحاق رابين اتخاذ كل الإجراءات تجاه أي شخص يعرف أي معلومة عن يحيى عياش، واعتقل الصهاينة عشرات الفلسطينيين وطوال عام من المطاردة نجح يحيى مرتين في تفادي عمليتي اغتيال.

• عمليات المرحلة الثالثة .. الثأر لأحداث الإنقسام الفلسطيني في مسجد فلسطين

تمثل المرحلة الثالثة من عمل يحيى عياش الجهادي قمة التوهج في نزاهة الرجل، كون أنها جاءت بعد أحداث مسجد فلسطين التي قُتِل فيها فلسطينيين بأيدي فلسطينية، حيث خرجت مظاهرة حمساوية في 18 نوفمبر 1994 م تأييدًا لحركة الجهاد، وأدت المظاهرات إلى وقوع اشتباكات بين المتظاهرين من حماس وعناصر الشرطة الفلسطينية من فتح وأسفرت عن قتل 12 متظاهر وإصابة 200.

كان يحيى عياش ناقمًا على الانقسام جراء اتفاقية أوسلو وإقرار نظام الحكم الذاتي التي قسم الفلسطينيين فقرر الثأر للمتظاهرين القتلى والمصابين لكن من الكيان الصهيوني إذ اعتبره عياش أنه السبب الرئيسي في الإنقسام.

في تلك المرحلة أشرف يحيى عياش على عمليتين كانت الأولى هي عملية معسكر سلاح الطيران الصهيوني التي نفذها أيمن راضي في القدس المحتلة يوم 25 ديسمبر 1994 م وأسفرت عن قتل 13 ضابط صهيوني.

أما العملية الثانية فكانت عملية بيت ليد المزدوجة التي نفذها أنور سكر وصلاح شاكر في مفرق هشارون يوم 22 يناير 1995 م وأسفرت عن مقتل 22 إسرائيلي وإصابة 60 آخرين.

• عمليات المرحلة الرابعة .. الثأر لاستشهاد كمال كحيل

اعتبرت إسرائيل العثور على يحيى عياش حيًا أو ميتًا مسألة حياة أو موت فلوحقت عائلته وجرت عمليات اعتقال لعدد من الفلسطينيين في محاولة لإيجاد يحيى عياش.

في 2 أبريل 1995 م وصلت معلومة للكيان الصهيوني أن مهندس التفجيرات يحيى عياش يعيش في بيت بمنطقة حي الشيخ رضوان في غزة، فقامت بقصفه، لكن المفاجأة التي أرعبت إسرائيل أن الذي قُتِل في التفجير هو مهندس العبوات الناسفة كمال كحيل، ولم ترتاح أجهزة الأمن الصهيوني لهذا الحادث رغم الفرحة وذلك لأن يحيى عياش لن يسكت عن استشهاد كحيل، وهو ما حدث فعلاً.

إقرأ أيضا

عفوًا هذا دوري كاذب وليس جاذب

نفذ يحيى عياش 3 عمليات ثأر لكمال كحيل كانت العملية الأولى مزودجة في 9 إبريل 1995 وهي عملية عملية غوش قطيف ونتساريم التي نفذها خالد الخطيب من الجهاد الإسلامي وعماد أبو أمونة من كتائب القسام وأسفرت عن قتل 7 صهاينة وإصابة 45 آخرين.

أما العملية الثانية فكانت عملية رامات غان في تل أبيب والتي نفذها لبيب أنور عازم يوم 24 يوليو 1995 م وأسفرت عن مقتل 8 إسرائيبيين.

أما العملية الثالثة فكانت عملية رامات شكول التي نفذها سفيان جبارين بالقدس يوم 21 أغسطس 1995 م وأسفرت عن مقتل 5 صهاينة وإصابة 100 آخرين.

الخيانة قتلت يحيى عياش

ما كان لإسرائيل أن تنجح في قتل يحيى عياش إلا بوجود عنصر على الأرض وهذا العنصر هو كمال حماد، فقد اعتمدت خطة الموساد على إجبار يحيى عياش أو ذويه على استخدام الهاتف النقال وهو ما حدث عندما اتصل يحيى عياش على والده للإطمئنان عليه وإخباره بأن له مولود جديد.

كان يحيى عياش مقيمًا في بيت صديقه أسامة حماد ابن شقيقة كمال حماد، وكان كمال قد أخذ الهاتف النقال من الموساد وأعطاه لأسامة (الذي لم يكن يعلم بأن الهاتف به عبوة ناسفة)، ولم يستغرق الاتصال ثواني معدودة حتى حدث الانفجار الذي أسفر عن استشهاد يحيى عياش في 5 يناير سنة 1996 م.

الثأر للمهندس الشهيد يحيى عياش

تمت عمليات متعددة للثأر من استشهاد يحيى عياش وصل مجموعها في أقل من شهر إلى 3 عمليات كبرى أسفرت جميعها عن مقتل 50 صهيونيًا وإصابة 100 آخرين.

كانت العملية الأولى هي عملية الثأر المقدس 1 والتي نفذها مجدي أبو وردة في القدس المحتلة يوم 25 فبراير 1996 م وأسفرت عن مقتل 28 إسرائيلي وإصابة 50 آخرين، بينما كانت العملية الثانية في نفس ذات اليوم بمدينة عسقلان ونفذها إبراهيم السراحنة يوم 25 فبراير 1996 مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 40 آخرين.

أما العملية الثالثة فكانت عملية القدس 2 والتي نفذها رائد شغنوبي في القدس المحتلة يوم 3 مارس 1996 مقتل 19 وإصابة 10 آخرين.

حتى لا ننسى .. مواقف العرب المخزية

شهدت الساحة الفلسطينية في فترة ما بعد اغتيال يحيى عياش انقسامًا شديد الحدة بين فتح وحماس رغم أن ياسر عرفات بحسب التصريحات الصهيونية رفض القبض على يحيى عياش.

قام ياسر عرفات وأعضاء مجلس الأمن التابع للسلطة الفلسطينية بزيارة إلى منزل محمود الزهار وقدم واجب العزاء في عياش.

لكن ياسر عرفات الذى قدم العزاء في عياش، أدان عملية القدس 2 للثأر من قتل المهندس ووصفها بالعمل الإرهابي.

الأردن اتفقت مع ياسر عرفات بل وأعلنت على لسان رئيس وزراءها استعداد المملكة الأردنية الهاشمية للتعاون مع إسرائيل لمكافحة الإرهاب.

أما محمد حسني مبارك فاكتفى بتقديم تعزية دبلوماسية عن حادث عملية القدس 1 وكان قد قدم تعزية قبلها في حادث قتل الصهاينة بعملية ديزنغوف.