الشيخ صالح الجعفري (1-3) | نبوءات رسمت الفرحة بعد حزن دام 8 سنوات
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
لا تقتصر الدراسة الشرعية بمصر على الجامع الأزهر فقط، فهناك العديد من دور العلم كالساحات والمساجد التي هي امتداد للأزهر وعلومه وعلماءه ومن أهمها مسجد الشيخ صالح الجعفري الذي يقع عند مدخل منطقة الدَرَّاسَة.
داخل غرفة المقام
أترددُ كثيرًا على دور العلم هذه، لكني أتلقى أكثر الدروس الشرعية في مسجد الشيخ صالح الجعفري.
جلست في ركنٍ أنتظر بدء الدرس، وفي أثناء جلوسي وجدت داخل نفسي شعورًا ممتزجًا بالسكينة والسلام وأنا بجوار ساكن المقام.
بدأت عيناي تتجولان في الأركان، وتتأمل تلك الجدران المنقوشة بالأبيات الشعرية، وجُلَّ ما جذب نظري غرفة صغيرة الحجم، بداخلها مقتنيات الشيخ.
نسب الشيخ صالح الجعفري .. لماذا لم يصرح به في شبابه ؟
ولد الشيخ صالح محمد صالح محمد رفاعي عام 1910 م في بلدة دنقلا شمال السودان لأسرة ينتهي نسبها إلى السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
رغم انتساب أسرة الشيخ صالح الجعفري إلى السلالة النبوية إلا أنه لم يصرح بذلك، على الرغم من أنه كان في داخله منذ الصغر شعور روحي ويقيني قوي بأنه سليل من بيت النبوة.
اقرأ أيضًا
نعم أنا مع شيخ الأزهر ضد التنويريين الجدد
كان الداعي لعدم تصريحه بهذا النسب لأن الأدلة المادية الملموسة لم تكن قد توافرت في ذلك الحين، حتى اطمئن قلبه نسبيًا للرؤى المنامية التي كان يراها إلى أن وجد الأوراق الرسمية التي تدل على نسب أسرته.
مربع العائلة الذي أرسى قواعد الشيخ الشاب .. بصمة الجد
هناك تفاصيل عن عائلة الشيخ صالح الجعفري مجهولةً لدى كثيرين، أهمها على الإطلاق أنه لم يكون سوداني الأصل، وإنما كان مصريًا من أقصى جنوبها.
مؤسس العائلة “جده لأبيه” ولد في مركز إسنا محافظة الأقصر، أما “لوالدته” من بلدة البياضية ـ جعافرة قنا، بينما والده ولد في الحليلة بإسنا والتي يسكنها الجعافرة أيضًا، ومثلما أعطى الجد هوية وطنية مصرية للشيخ، ورث منه حب العلم وحلقات القرآن الكريم، وكان له بصمة نفسية شديدة الإيجابية عليه.
يوضح الشيخ عبدالغني صالح الجعفري خلال كتابه “الكنز الثري في مناقب الجعفري” ملامح بصمة الجد التي أثرت في الحفيد قائلاً “إن جدنا كان يعرف بالرفاعي، وكان من علماء الأزهر العاملين، فقد كان يقيم حلقةً لتحفيظ القرآن الكريم، وكان منصرفًا بسائر جوارحه إلى العلم والقرآن، وقد ترك أمور الزراعة وإدارة شئون منزله إلى ابنه محمد، ليتفرغ لمجالس العلم، وكان حب الجد للعلم والعبادة أثره في سلوك الحفيد”.
واوية الجدة .. حينما ينبهر العلم بالتلقائية
يُعْرَف عن الشيخ صالح الجعفري أنه كان بليغًا في سجعه أثناء الخطابة، لكن لم يتصور أحد أن لجدته من ناحية أبيه التأثير القوي عليه عبر حبه لدعائها الذي كانت تكرره.
عاشت جدته 135 عامًا ولم تكن تردد لنفسها دعاءًا إلا بأن تموت في كامل صحتها وعافيتها حيث كان تقول بصيغة موال الواو الصعيدي “يارب يا أبو سما عالية وخزاين مالية بحيلي وعيني لما أدخل قبيري”، وأعجب الشيخ صالح الجعفري بهذا الدعاء لدرجة أنه كان حريصًا على ترديده وأوصى مريديه ــ لاحقًا ــ بحفظه.
الأب .. عندما تكون محبة الله بالخدمة والهرب من الشيطان بمنبت اللحية
كان الحاج محمد صالح من المكافحين في السعي على أهله وقضاء مصالحهم بالنهار، أما في الليل فكان يقوم للتعبد حتى يدنو وقت الصبح فيبكر بالذهاب للمسجد صيفًا وشتاءًا، ويفتح باب المسجد وينير المصابيح وينتظر المصلين ثم يؤمهم.
حج والد الشيخ صالح الجعفري 11 مرة وفي كل حجة كان يقوم بخدمة الحجاج ورعاية مصالحهم بالإضافة إلى حمله السلاح ليدفع عنهم قطاع الطرق.
اقتصرت زيارات الحاج محمد صالح من دنقلا إلى مصر على زيارة آل البيت وأولياء الله ثم التوجه إلى رؤية نجله في الأزهر، حتى كانت الزيارة الأخيرة التي قال عنها الشيخ صالح الجعفري قائلاً “في آخر زيارة له بمصر كلما ذهب إلى مكان بالقاهرة يولي وجهه إلى الحائط ويمسك ذقنه بيديه وأنا لا أستطيع سؤاله عن سبب ذلك، فلما هم بركوب القطار للرجوع إلى دنقلا قلت له يا والدي لماذا كنت كلما ذهب إلى مكان تدير وجهك إلى الحائط وتمسك ذقنك بيدك ؟، فقال لي “يا ولدي كلما رأيت امرأة متبرجة صرفت وجهي عنها وقلت يا رب أَبَعْد هذا السن نُفْتَن وننظر إلى النساء”.
فرحة في المهد وسر الخمسين قرش “ما بين الشيخ صالح وأمه”
كانت والدة الشيخ صالح الجعفري بمثابة عنصر التكوين الأكبر مما أثر في علمه وسلوكه، لكن ما بينهما لم يكن مجرد شعور الأمومة والبنوة، وإنما هناك أبعادًا نفسية أخرى منذ أن حملت به جنينًا في بطنها ووضعته.
مَثَّل ذلك المولود فرحةً للبيت الصالح، فقد مضى على والديه 8 أعوام بدون إنجاب، وفي يوم ذهبت الأم إلى مسجد الشيخ عبدالعالي الإدريسي ودعت الله كثيرًا أن يرزقها بمولودٍ في هذا العام وأن تنفق جنيهًا للفقراء، وعندما قدم الطفل تلقفه أبوه بين يديه فرحًا وذهب إلى جده الحاج صالح وقال “لقد رزقني الله بولد وأريد أن أسميه باسمك”، فقال له الجد “إذا سميته باسمي فقد وهبته لله ولن تنتفع منه بشيء في عملك ولا في زراعتك”، فقال له الوالد “لقد نذرته لله تعالى”.
عُمْق نفسي آخر ذكره كتاب “الكنز الثري في مناقب الجعفري” عن صلة الشيخ صالح بأمه، فعندما تخرج من الأزهر وعمل فيه طلبت منه والدته أن يرسل إليها جزءًا من راتبه، لكن ليس من أجل الحاجة للمال وإنما لتشعر بالفرحة بأن ابنها قد تخرج وصار له راتب ينفق منه على أسرته، فكان يرسل إليها خمسين قرشًا كل شهر من راتبه والبالغ مقداره 3 جنيهات و75 قرش”.
حين فَرَّج الشيخ صالح الكرب فانفرج طريقه للأزهر
عندما وصل الفتى إلى سن 16 عامًا ورأى منه والده القوة في البنيان أراد أن يعلمه التجارة فذهب به إلى دكان عمه، ولكن الشيخ صالح كان يهرب من الدكان إلى حلقة تحفيظ القرآن الكريم.
عن هذه الفترة حكى الشيخ صالح الجعفري قائلاً “كنت أتوارى عن عمي في الدكان حتى أحفظ القرآن الكريم وكان والدي يعاقبني على تركي الدكان فكان عمي يقول له دعه وشأنه، كان عندنا دكانان فكنت إذا حضر أحد الفقراء أعطيته مما فيهما ولا آخذ منه شيئًا، ولما ذهب أبي يسأل الشيخ محمد الشريف قال له أنسيت أنك قد وهبته لله تعالى ؟ أرسل ولدك إلى الأزهر”.
كان الفتى صالح ملازمًا لمسجد الشيخ عبدالعالي الكائن في دنقلا، وقد اتصل بابنه الشيخ محمد عبدالعالي فكان في ذلك الوقت عمره 19 عامًا، ونشأت بينهما صلة روحية حكى عنها الشيخ صالح بقوله “كنت صغيرًا وعندما كان الشيخ يلقاني يقول مرحبًا بشيخنا، فكنت أخجل من نفسي وأتساءل عجبًا، كيف يقول لي مرحبًا شيخنا وأنا صبي صغير وحوله كبار المشايخ” ؟.
كانت إجابة السؤال تنتظر الشيخ صالح الجعفرى في القاهرة، فعندها تحققت نبؤة الجد للوالد ومنها سيتضح سر نداء شيخه له بهذا اللقب وهو صغير.
الكاتب
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
زاد حبي للإمام صالح الجعفري بالكلمات الجميلة والمعلومات الجديدة القيمة
شكرا لك أستاذة منتهى وادع الله لك بمزيد من الإبداع والتقدم لنستمتع بكتاباتك ❤