رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
213   مشاهدة  

الشيخ محمد طنطاوي .. إرثٌ عظيم في علومٍ شتى

الشيخ محمد طنطاوي


مآذن شامخة تزين سماء القاهرة، منبر يعتليه الجهابذة والأفذاذ لأكثر من 1000 عام، واحة علم يتوافد إليها طلاب العلم من كل حدب وصوب بجميع الطوائف والمذاهب والجنسيات لينهلوا من شتى العلوم الدينية والدنيوية في جامعته وبين أروقة جامعه، إنه الأزهر الشريف.

 

 منذ آواخر القرن الحادي عشر الهجري في عهد العثمانيين إلى الآن، ترأس هذه المؤسسة الإسلامية العريقة وتولى الإشراف على شؤونها عدد كبير من المشايخ والعلماء، فقد آلت أولًا إلى الشيخ “محمد بن عبد الله الخراشي” إلى أن بلغ عددهم 50 عالمًا تولوا منصب شيخ الأزهر، آخرهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور “أحمد الطيب”، سبقه فضيلة الشيخ “محمد سيد طنطاوي” -رحمه الله-، أحد أشهر المفسرين في العصر الحديث.

 

“طنطاوي”.. نشأة يتيم ونبوغ منذ الصغر

 

بعد أشهر من مولد “محمد سيد عطية طنطاوي” ابن قرية سليم الشرقية التابعة لمركز طما بمحافظة سوهاج، في 28 أكتوبر عام 1928م، يشاء الله عز وجل أن تتوفى والدته، لتحتضنه زوجة أبيه وتتولى رعايته رعاية طيبة مع أخوته الذي كان يكبُرهم جميعًا، وكان لمعاملتها الحسنة أثرًا في نفسه، وكان نابغًا من صغره فقد وهبه أبوه للعلم فتمكن من ختم القرآن حفظًا وتجويدًا على يد الشيوخ المتقنين بقريته وهو في العام السادس من عمره فقط، بجانب إلمامه بالمواد التي كان الأزهر يشترطها للانتساب إليه، ثم انتقل مع أسرته إلى الإسكندرية والتحق ب “معهد الإسكندرية الأزهري” واجتاز به جميع مراحله الدراسية بتفوق.

 

كانت نشأته الدينية السليمة سببًا في كونه مفوّهًا منذ صغره، فقد نجح “طنطاوي” في إلقاء أول خطبة جُمعة وهو بالصف الأول الثانوى، حينما توفى إمام وخطيب مسجد المنطقة التي كان يقطُن بها بالإسكندرية، وفضل الالتحاق بكلية أصول الدين بعد اجتيازه الشهادة الثانوية الأزهرية رغم تفوقه الباهر الذي كان يمكنه من الالتحاق بكلية اللغة العربية والتي كانت بمثابة كلية من كليات القمة، فحصل على شهادة الليسانس من كلية أصول الدين عام 1958م.

 

رحلة “طنطاوي” لنشر العلم.. ما بين مصر والعراق وليبيا والسعودية

 

ومن عام 1959م بدأ “طنطاوي” يتقلد المناصب الأكاديمية والقيادية بالأزهر حيث حصل على إجازة التدريس بكلية أصول الدين، ثم واصل دراساته العليا في قسم التفسير والحديث حتى حصل على الدكتوراة في 5 سبتمبر 1966م، بتقدير ممتاز عن موضوع شائك سياسياً في زمنه وهو “بنو إسرائيل في القرآن والسنة”، وتزيد صفحاته عن ألف صفحة، ونشرها عام 1969م أثناء مناوشات مصر والعرب حينها مع إسرائيل.

 

عُين “طنطاوي” كإمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف عام 1960م، ثم صدر قرار بإعارته إلى بغداد عام 1964م فقضى بها سنتين، وبعدها انتقل إلى البصرة وانتدب للتدريس بجامعتها، وفي عام 1968م اختِير كمدرس بكلية أصول الدين بالقاهرة، وحين أنشأت كلية أصول الدين بأسيوط عام 1972م عُين أستاذًا مساعدًا بقسم التفسير، ثم انتدب لمدة 4 سنوات للتدريس في ليبيا.

 

عاد إلى مصر عام 1976م، وأصبح أستاذًا بقسم التفسير بكلية أصول الدين بأسيوط، ورُقيَّ إلى عميد الكلية في نفس العام، ثم أُعير إلى المملكة العربية السعودية عام 1980م، وعمل لمدة 5 سنوات كرئيس لقسم التفسير في كلية الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وبعد عودته لمصر صار عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة عام 1985م.

 

أشهر المناصب القيادية التي تقلدها الشيخ “طنطاوي” 

 

وقد جرت العادة على أن يكون مفتي الديار المصرية من خريجي كلية الشريعة، إلا أن “محمد سيد طنطاوى” عُيّن مفتيًا في أكتوبر عام 1986م، حيث طلب شيخ الأزهر حينها الشيخ “جاد الحق على جاد الحق” من “طنطاوي” أن يتولى منصب المفتى بعد اعتذار خريجي كلية الشريعة واحتمالية إلغاء هذه الوظيفة، وبذلك اعتبره البعض منقذًا لمنصب المفتى من الإلغاء، ليكون بذلك المفتي رقم 16 الذي يتولى هذا المنصب، فظل يتقلده قرابة 10 سنوات أصدر خلالها نحو 7557 فتوى مسجلة بدار الإفتاء المصرية.

 

 

وخلفًا للإمام “جاد الحق” صدر قرار جمهوري في 27 مارس عام 1996م بتولية “طنطاوي” مشيخة الأزهر الشريف، فسعى جاهدًا للنهوض بالأزهر والتطوير في جميع الأصعدة، واهتم اهتمامًا بالغًا بزيادة عدد المعاهد الأزهرية على مستوى الجمهورية، حيث رأى أن الأزهر مدرسة الوسطية قائلًا “كلما ازداد بناء المعاهد الأزهرية قل الشر والتطرف في المجتمع”.

 

 

إرثٌ عظيم في علومٍ شتى 

 

كان -رحمه الله- يجمع بين الكثير من العلوم الشرعية، فقد كان عالماً للعقيدة ومفسرًا وفقيهًا ومحدثًا، وأنتج إنتاجًا علميًا هائلا، حيث له عشرات المؤلفات في شتى هذه العلوم منها:

 

– معاملات البنوك وأحكامها الشرعية.

– تنظيم الأسرة ورأي الدين فيه.

– الفقه الميسر.

– العقيدة والأخلاق.

– المنهج القرآني في بناء المجتمع.

– المرأة في الإسلام.

إقرأ أيضا
رمضان وجهاد النفس

– ولعل أشهر مؤلفاته “التفسير الوسيط للقرآن الكريم”، ويتكون من خمسة عشر مجلدًا وأكثر من سبعة آلاف صفحة، والذي دوّنه الشيخ في أكثر 10 أعوام.

 

وقام طنطاوي بالشرح المبسط للقرآن الكريم من خلال البرنامج الإذاعي “التفسير المبسط لآيات الذكر الحكيم”، والذي يقدمه الإعلامي “سعد المطعني” ويذاع يوميًا على إذاعة القرآن الكريم، ويمتاز تفسيره بالجزالة وتبسيط المفاهيم القرآنية، لذا يستطيع الاستماع إليه والاستفادة منه جميع فئات المجتمع القاصِ والدانِ، سواء أكان متعلمًا أم لم يحالفه الحظ.

 

 

الابن مادحًا أبيه

 

وقال ولده المستشار عمرو محمد طنطاوي في لقاءٍ مع إحدى القنوات الفضائية واصفًا شخصية أبيه “كان هادئ الطباع، محبًا للتواضع والبساطة، لا يغضب إلا في مواضع التقصير في الدين، وكان أكثر ما يزعجه هو الإسراف في نعم الله خاصةً المياه حتى أنه كان يتوضأ ب”دورق مياه” منعًا للإهدار، قائلًا “الحروب بعد كده هتبقى على المايه”.

 

“طنطاوي”.. جسدٌ يرقد بالبقيع خدم الإسلام والمسلمين رغم كل الاختلافات

 

دُعِيّ فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي عام 2010م لمؤتمر دولي عقده الملك عبد الله بن عبد العزيز لمنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام للفائزين بها، وعند عودته تعرّض في مطار الملك خالد الدولي بالعاصمة السعودية الرياض لنوبة قلبية وافته المنية على إثرها عن عمر يناهز 81 عامًا، وذلك في صباح يوم الأربعاء الموافق 10 مارس 2010م، فنقل جثمانه إلى المدينة المنورة، وصُليّ عليه صلاة الجنازة في اليوم نفسه بالمسجد النبوي بعد صلاة العشاء، ودفن بالبقيع. 

 

عمَّ الحزن جميع الأقطار الإسلامية، وقد نعته -رحمه الله- جميع الجماعات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وبعد حياة مليئة بالاجتهاد والتطلع للعلم والمعرفة إلا أنه كطبيعة البشر فقد اتفقت ثُلة على آرائه ومواقفه السياسية طوال حياته واختلفت ثُلة أخرى، كجلوسه مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز على منصة واحدة في مؤتمر حوار الأديان والذي عقد مرتين الأول في نيويورك والثاني في كازخستان ومصافحته إياه، وفتواه بخصوص تحريم فوائد البنوك والقروض باعتبارها ربا يحرمه الإسلام، كما اعتبره البعض مناصرًا لقضايا المرأة والبعض الآخر رأى أنه ظلمها وانتقص من حقوقها حين أيّد حظر الحجاب بفرنسا، ليس هذا فحسب لكن رُغم هذه الاختلافات فسيظل وبلا شك عالمًا خدم الأزهر ورُواده لسنوات طوال، وقدّم الكثير في سبيل نشر العلم وإعلاء كلمة الله.

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان