رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
223   مشاهدة  

الصحافة في فلسطين… حين تكون المعاناة 3D

الصحافة


إن حال الصحافة في فلسطين مأساوي للغاية؛ إذ باتت أحد أخطر المهن في الدولة المحتلة.. كما باتت فلسطين أحد أخطر الأماكن على الصحفيين في العالم. فكما يعلم الجميع تستهدف القوات الإسرائيلية وبشكل مستمر الصحفيين في قطاع غزة، بهدف تفريغ القطاع من الصحفيين، أملًا في عدم نقل أي كلمة أو صورة تُدين الاحتلال وجرائمه غير الإنسانية المستمرة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل.

ولم يصبح الصحفيين هدف لآلة القتل الإسرائيلية فقط خلال حرب السابع من أكتوبر، إنما هذا هو الوضع مع كل تعدي على الأراضي الفلسطينية، فقبل عام من الحرب الجارية شهد عام 2022 تصفية المراسلة “شيرين أبو عقلة” على يد الجيش الإسرائيلي؛ الأمر الذي خلف ردود فعل واسعة في أوساط المناصرين للشعب الفلسطيني.

لكن ما لا يعرفه الكثيرون إن قوات الاحتلال ليست هي العدو الوحيد للصحافة في فلسطين؛ ففي صيف 2021 تم قتل الصحفي الفلسطيني “نذار بنات” بطريقة يعتبر بالنسبة لها اغتيال شيرين أبو عقلة أقرب بالموت رحيم، إلا أن الحدث لم يلقى رد فعل مماثل أو حتى قريب. بل يمكن أن تجد اليوم عديد من المتابعين المهتمين لا يعرفون من هو “نذار بنات”.

وهنا تكمن أزمة الصحافة الفلسطينية التي يستهدفها رصاص الاحتلال في زمن الحرب.. أما في زمن السلم “إذا جاز التعبير” فتعيش كأداة ضغط بين سلطتين انخرطا في حرب داخلية منذ عام 2007.

فمنذ تولي “حماس” حكم غزة ومعاناة الصحافة في فلسطين مع السُلطات المحلية هناك لا تنتهي؛ من غلق الصحف الموالية للسلطة من قِبل “حماس” والعكس، وتوحيد الخطاب الإعلامي في الضفة لصالح “السلطة” والعكس في غزة، أما الصحفيون فيقبعون في السجون أو مطاردون.

شرارة الحرب الإعلامية

بدأت الحكاية عام 2007 مع اندلاع الصراع السياسي بين “حماس” و”السلطة الفلسطينية” بقيادة “فتح” والذي سرعان ما تحول إلى صراع مسلح.

وكان الإعلام وفي قلبه الصحافة في بؤرة هذا الصراع الداخلي، فحسب تقرير “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين” اقتحم عناصر ملثمون تابعين لحركة حماس مكاتب “قناة وفا” التليفزيونية المملوكة للدولة بسبب تركيزها على تغطية أخبار حركة “فتح” بشكل أكبر.

على الجهة المقابلة وفي يوم 13 مايو من العام نفسه، تم تصفية سليمان عبد الرحيم العشي، محرر الاقتصاد في صحيفة فلسطين المرتبطة بحماس، ومحمد مطر عبده، مدير توزيع الصحيفة؛ ذلك برصاص مجهولان أكد شهود عيان إنهما كانا يرتديان الزي الرسمي للحرس الرئاسي.

هذا وبعد ثلاثة أيام يتسبب تبادل إطلاق نار بين التنظيمين إلى رشق بالرصاص الحي لمبنى يضم مكاتب إعلامية أجنبية مثل الجزيرة وبي بي سي؛ ما يبرز مأسوية وضع الصحافة هناك.

ولم يكن النصف الثاني من العام 2007 افضل حالا للصحافة في فلسطين؛ إذ شهد حوالي 9 هجمات على مقار لمؤسسات صحفية، بالإضافة إلى 21 حالة اعتقال.. ولم يكن ذلك إلا مجرد بداية.

صحافة
خبر عن الاشتباكات الفلسطينية – الفلسطينية

صراع السلطة فوق جثة الصحافة

بداية من يونيو 2007 عاش الفلسطينيين أيام طويلة على إيقاع اشتباكات عنيفة بين “حماس” وحلفائها من حركات إسلامية وبين قوات السلطة الفلسطينية بقيادة “فتح”، حرص خلالها كلا الفريقين على تدمير نقاط القوى لدى الأخر.

يوم 14 يونيو كانت الحرب على أشدها.. وأقدمت “حماس” على خطوة جديدة من نوعها، إذ قام عناصر “كتائب عزالدين القسام” بتفجير مبنى إرسال إذاعة صوت فلسطين الرسمية التابعة لحركة فتح، الهجوم لم يقضي على صوت محطة واحدة فقط. أدى الهجوم أيضاً إلى إسكات إذاعتين أخريين مقربتين من حركة فتح، هما “صوت الشباب” و”صوت الحرية”.

الصحافة
عناصر تابعة لحماس بعجد اقتحام مكتب الحكومة الفلسطينية في غزة 2007

في سبتمبر من العام نفسه أغلقت “حماس” مقر نقابة الصحفيين، فرع غزة، لترد حركة “فتح” في نفس الشهر باقتحام قوة تابعة لها لمؤتمر صحفي لمجلس الطلاب المؤيدين لحماس بجامعة الخليل؛ وتعتدي على الطلبة وتمنعهم من إقامة المؤتمر.. في عملية شهد الاعتداء الجسدي على الصحفيين والمصورين وإصابة عدد منهم بجراح وإصابات متنوعة.

ومع حلول نوفمبر تقرر حكومة حماس في غزة عدم الاعتراف بنقابة الصحافيين الفلسطينية، وإنشاء إدارة حكومية جديدة للإعلام دورها استخراج بطاقات صحفية للصحفيين العاملين في القطاع. لترد السلطة الفلسطينية بالهجوم على ثمان صحفيين، خلال أسبوع واحد، أثناء تغطيتهم الاحتجاجات المختلفة في الضفة الغربية.

لتصبح أجساد الصحفيين وحريتهم وسلامتهم وأرواحهم جزء أصيل من ذلك الصراع السياسي بين الفصائل المتناحرة.

القمع الممنهج وترسيخ الانقسام

تذكر “مؤسسة مدا” الحقوقية في تقريرها السنوي لعام 2008 أن 44% من الاعتداءات التي حدثت في حق الصحافة الفلسطينية كانت بأيدي فلسطينية، كما أن “السلطة الفلسطينية” ارتكبت 60 انتهاك ضد صحفيين خلال عام 2008.

انتهاكات تمثلت في الاحتجاز، واقتصرت على الصحفيين الموالين لحماس؛ خاصة من العاملين بصحف “فلسطين” و”الرسالة” ومحطة تليفزيون الأقصى.

في 13 فبراير 2008 حكمت محكمة غزة بالسجن 6 أشهر، على صحفيين من “صحيفة الأيام” الموالية لحركة “فتح”، أمَّا في 19 يونيو 2008، تم اعتقال “أُسيد عمارنة”، المصور لصالح “قناة الأقصى”، وصرَّح لمنظمة “مراسلون بلا حدود” عن معاناته من الإذلال أثناء احتجازه.

يوم 25 يوليو انفجرت سيارة على شاطئ مدينة غزة.. فما كان من قوات الأمن التابعة لحماس إلا القبض على عديد الصحفيين واحتجازهم؛ وبالطبع معظم المحتجزين كانوا يعملون في وسائل الإعلام القريبة من “فتح” بشكل خاص أو “السلطة الفلسطينية” بشكل عام.

الصحافة

لا صوت يعلو فوق صوت السلطة

أما عام 2010 فشهد 79 اعتداء على صحفيين بأيادي فلسطينية؛ منهم 10 حالات اعتداء جسدي. يوم 9 مارس اقتحمت “السلطة الفلسطينية” منزل الصحفي الفلسطيني المستقل “مصطفى صبري”، ذلك أثناء إجراءه مقابلة صحفية يجريها معه “مصعب الخصيب” فتم اعتقالهما معا.

قال “صبري” إلى هيومن رايتس أن المقابلة الصحفية كانت عن النقابة الصحفيين، وكيف أنه ممنوع من الالتحاق بالنقابة فقط لأنه يميل للفصائل الدينية مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.

الصحافة
لحظة اعتقال الصحفي مصطفى صبري

على الجانب الأخر في غزة لم يعد مسموح بأي انتقاد لحركة “حماس”، ما يظهر بوضوح في التعامل مع حمزة بهيسي، الصحفي المقيم في غزة، والذي يعمل لصالح “صحيفة الإيلاف” الإلكترونية ومصور مع وكالة “أنباء تارجت”، حيث تعرض “حمزة” للاحتجاز والاستجواب أكثر من مرة بسبب مقال كتبه عن الانتهاكات التي تحدث في قطاع على يد “حماس”.

قال “حمزة” أن الاستجوابات جميعها كانت تدور حول مطالبته بكتابة اعتذار عن ذلك المقال.. الأمر الذي رفضه بشكل قاطع؛ وصرح إلى هيومن رايتس فيما بعد “إن المحقق كان يريد مني كتابة تقرير بكافة تفاصيل عملي على المقال، وكيف قمت بالتحقيق فيه؛ من قابلت، ومن قال ماذا، وما هي التغييرات التي أجراها المحررون على مسودتي الأصلية“.

عام 2012 رصد “مركز مدى”، المتخصص في حرية الإعلام، ترهيب الصحفيين في غزة واحتجازهم لمجرد القيام بمظاهرات تدعم الوجدة الفلسطينية. وفي فبراير من العام ذاته، اعتقلت “حماس” الصحفي “ساهر الأقرع”، محرر موقع “الشعلة” الإخباري، ووجهة له تهمة التعاون مع “السلطة الفلسطينة” في الضفة الغربية، ثم تعرض للتعذيب في أغسطس من العام نفسه وتم إجباره على غلق موقعه.

من التهديد المباشر إلى “شرعنة” القمع

سيلقنني درساً“، ذلك ما قاله الصحفي الفلسطيني “أكرم النتشة” عن مكالمة جاءته بعدما تحدث في التليفزيون عن تعامل “قوات فتح” مع المظاهرات، مستدلاً بهذا على حديثه عن التهديدات التي يتعرض لها بانتظام. وأتت تلك الحداثة ضمن تقرير “مركز مدى” لعام 2014، وغيرها الكثير. فرغم أن الحرب على غزة عام 2014 شهدت تصاعداً هائلاً في الانتهاكات الإسرائيلية، لكن الانتهاكات الفلسطينية استمرت أيضاً.

ولاحظ “مركز مدى” أن السلطات الفلسطينية صعدت من قمعها للحريات الإعلامية في عام 2014. ففي الضفة الغربية، قمعت “السلطة الفلسطينية” الصحفيين الذين غطوا المظاهرات المؤيدة لحماس. ووثق تقرير “مدى” لشهر أغسطس 2014 تهديدات واستدعاءات من قبل أجهزة أمن السلطة بحق صحفيين.

قررت ألا أتحدث عن الوضع العام مرة أخرى. التجربة التي مررت بها صعبة للغاية“، كلمات قالها الصحفي “أيمن العالول” لوكالة “أسوشيتد برس” خلال مقابلة أجراها في منزله.. أكد فيها أنه وصل لتلك الحالة نتيجة ما حدث له في سجون “حماس” لمدة تسعة أيام.

تجربة “العالول” بدأت بكونه صحفي يعرض أحوال شعب غزة الذي يبحث في القمامة عن الأكل، التجار المستائين من الضرائب. فتم القبض عليه واحتجازه عقابا على عرضه للواقع، حيث يعتبر إسكات الصحفيين هو أول ما بدأت به الحكومة الجديدة التي وضعتها حماس في 2016.

مع مرور السنوات ظهرت طرق جديدة لدى “السلطة الفلسطينية” تهدف لتوحيد الرأي العام وإخراس أي صوت مختلف. في يوليو 2017، قام الرئيس محمود عباس، بإصدار قانون للجرائم الإلكترونية، وكأن القانون هذا كانت روحه سارية في البلاد من قبله؛ ففي يونيو حجبت “السلطة الفلسطينية” حوالي 30 موقعاً إلكترونياً، معظمها مرتبط بحماس وخصوم سياسيين للرئيس عباس.

وبشكل عام كان شهر يونيو هو شهر البؤس للصحافة الفلسطينية، بسبب اعتقال عدة صحفيين في الضفة على يد “قوات فتح”؛ وفي غزة احتجزت “قوات حماس”  الإعلامي “فؤاد جرادة” من “تلفزيون فلسطين”.

أما بيانات “مركز مدى” لعام 2017 فرصدت وقوع 154 انتهاكاً من قبل الفصائل الفلسطينية ضد صحفيين.

إقرأ أيضا
تغطية مسلسل معاوية
الصحافة
مادة 5 من قانون الجرائم الإلكترونية

التهمة صحفي

شهدت السنوات الثلاث التالية الكثير من المكايدة السياسية على حساب الصحافة؛ (حازم ناصر، مصور ومحرر فيديو في “قناة النجا”، حذيفة أبو جاموس، مصور صحفي في شبكة “قدس الإخبارية”، عبد المحسن شلالدة، مراسل شبكة “قدس الإخبارية”)، كل تلك الأسماء تعرضت للاحتجاز في عام 2018 بتهمة العمل كـ”صحفي”. لا أعمال إرهابية، لا تخابر، ولا خيانة، لكن التهمة هي “صحفي في مؤسسة من جانب حماس”.

أمّا عام 2019، فكان عام تألق “قوات حماس”، (بسام محمد محيسن، هاني الأغا، أحمد ماهر جودة، صحفي “موقع الجديد”)، أسماء اُعتقلت في غزة بنفس التهمة.

الاحتجاز ثم الاعتقال بدون تهمة، ليأتي بعد ذلك التعذيب مثل حالة أحمد ماهر جودة، صحفي “موقع الجديد” الذي تعرض للتعذيب الجسدي خلال احتجازه لدى حركة “حماس”، حسب موقع المدى.

أوقفت جائحة كورونا عام 2020 كل شيء في العالم تقريبا.. لكنها لم تنجح في إيقاف انتهاكات السلطتين الفلسطينيتين ضد الصحفيين، إذ وثق “مركز مدى” 96 انتهاكًا فلسطينيًا خلال العام، 59 منها في غزة و37 في الضفة.

في الضفة كان الضرب والإهانة هما مصير الصحفي أيمن فيصل قوارق، والتهمة كانت إهانة السلطة والفعل كان “منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي”. وفي غزة، تحديدًا يوم 11 مايو 2020، اعتقل الأمن الداخلي الصحفي المستقل يوسف حسن بعد نشره تحقيقًا استقصائيًا حول شبهات فساد وابتزاز في توزيع المساعدات.

وبعد الإفراج عنه بأيام، في 27 مايو، قامت عناصر من “سرايا القدس” باختطافه بسبب نفس التقرير وتسليمه مجددًا للأمن الداخلي، في حادثة تظهر تداخل الأدوار بين الفصائل والأجهزة الأمنية في قمع الصحافة.

ذروة المأساة

 في 2021 جاءت حادثة مقتل “نذار بنات” لتكون بمثابة التتويج لكل هذه السنين من الانتهاكات في حق الصحافة والصحفيين، كانت الليلة الأخيرة لنزار بنات في منزله ليلة مرعبة، ليلة روى تفاصيلها “عمار بنات”، ابن عم “نزار”، لشبكة الجزيرة الإخبارية.

الساعة 3:35 فجر يوم الخميس ونزار نائم في منزله، إذ بالأبواب والنوافذ تنفجر فجأة.. وتتدفق عناصر الأمن داخل المنزل؛ حتى أصبح بالمنزل حوالي 25 عنصرًا أمنيً، لم يخرج “نزار” من منزله إلا بعد ضرب مبرح وقاتل، إذ يقول “عمار”: “كانت معجزة أنه خرج وهو لا يزال يتنفس“.

تنقل الشرطة “نزار” إلى المستشفى بعد إصابته بالإغماء، ثم يخرج التقرير بأنه قد مات. استعجب ابن العم من الوفاة بهذا الشكل، وزاد من ريبته أن الشرطة أخفت جثمان “نزار” عدة أيام، معللًا ذلك برغبتهم في إخفاء الأدلة.

الصحافة
نزار بنات بعد الاعتداء عليه

سنوات عدة عاشت فيها الصحافة الخوف، تعطل عمل الصحفيين مرارًا وتكرارًا، مُنعت الكتب وتم مصادرة الصحف وحجب المواقع واحتجاز الصحفيين واعتقالهم وضربهم وحتى تصفيتهم جسديا.

كانت الحرب بمعرفة آلة الاحتلال الإسرائيلي أو كانت حرب فلسطينية – فلسطينية من اجل الصراع على حكم دولة محتلة، في كلا الحالتين ظلت الصحافة ضحية وبقى الصحفيين أهداف لمن يحمل السلاح.

احتلال خارجي.. مقاومة مسلحة.. سلطة محلية..

إسرائيل.. حماس.. فتح..

وبينهم تعيش الصحافة والصحفيين في معاناة ثلاثية الأبعاد.. لا تنتهي.






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان