الصحافي الذي كتب باسم امرأة.. المكتوبجي سليم سركيس
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الحياة الثقافية والأدبية مليئة بالأقلام الحرة الصارخة في وجه الظلم و الاستبداد، ومنهم صاحب قلم حر .. المكتوبجي سليم سركيس؛ الصحافي الذي حكم عليه بالإعدام كون كتاباته حملت تحريضًا، وسخرية لاذعة لنظام السلطان عبد الحميد الثاني الذي فرض رقابة شديدة على كل ما يُصدر من أعمال تمس العقل وتستهدف الاستقلال.
سليم سركيس الصحافي المتمرد
وحتى يتثنى لنا معرفة الدور الثقافي الريادي لـ”سركيس ” لابد أولًا أن نطّلع على نشأته والبيئة الذي تربى فيها كونها ذات أهمية بالغة في تكوين عقل الإنسان، و خلفيته المعرفية، فسليم ولد في 21 من سبتمبر عام 1868م في مدينة بيروت.
نشأ في بيت علم وثقافة وأدب؛ فأبوه كان مؤلفًا وشعرًا فألف مع أخوه “خليل سركيس” كتاب” الحفلة الأخوين إلى طلبة اللغتين بالعربية والإنجليزية.
كان عمه “خليل” صحفيًا مشهورًا أصدر جريدة” لسان الحال” ومجلة “المشكاة”، إلى جانب إنشاءه المطبعة الأدبية التي طبعت أمهات الكتب العربية القديمة المتوغلة في عمق تاريخنا الأدبي ومنها” مقامات الحريري” ومقدمة” ابن خلدون” وغيرها من الكتب. كما أن عمه “خليل” كان صاحب كتاب “تاريخ القدس الشريف” و “معجم اللسان”.
أما عمه الثاني”إبراهيم” فكان أيضًا من أشهر الكتاب والصحافيين في تلك الفترة وكان محررًا لامعًا في عدد من الصحف والمجالات منها؛ “كوكب الصبح المنيرة” و” النشرة الشهرية” وغيرهما، ولم يكن ” إبراهيم كاتبًا صحافيا فقط بل له عدة مؤلفات من عيون التأليف العربي ومنها؛” الدر العظيم في التاريخ القديم” ، و” الدرة اليتيمة في الأمثال القديمة”، و “لأجوبة الوفية في العلوم الصرفية” وغيرها من المؤلفات التي أثرت المكتبة العربية.
وإلى جانب أسرته العاشقة للصحافة والأدب و المشتغلة فيه كان والد “سليم” حريص على تعليمه فأدخله مدارس عدة كان القاسم المشترك فيها أنها تهتم بتعليم الإنجليزية، وحينما وصل “سليم” إلى سن 15 من عمره رأيناه في مدرسته” مسزواطوم” الإنجليزية يصدر أول صحيفة وكانت تحمل اسم صحيفة “الأرز” وشجعه على ذلك إتقانه للترجمة والكتابة فكان يترجم الروايات والمقالات وينشرها .
وبعد نجاح”الارز” اشتغل” سليم سركيس” في جريدة “لسان الحال” وعانى بشدة من الرقابة وحذف المقالات وتعطيل الجريدة، وأمام هذا سافر عام 1892م إلى لندن وظل فيها لمدة سنة ونصف السنة، وهناك أصدر جريدة” رجع الصدى” وكانت جريدة سياسية أسبوعية.
لكن “سليم ” فضّل أن يكون في قلب المعركة فعاد مجددًا إلى بيروت وتشغل في مجلة” لسان الحال ” لكنه عانى مجددًا من تضيق الحال على الصحيفة فما كان منه إلا أن يسافر إلى باريس ليصدر جريدة أخرى اسمها” كشف النقاب” مع صديقه الأمير أمين أرسلان.
وفى أواخر عام ١٨٩٤م قدم إلى” سليم” إلى مصر حيث كان هناك نوع من حرية الفكر والثقافة في عهد الأسرة العلوية التي ابتعدت عن حكم الدولة العثمانية. وفي مدينة الإسكندرية أصدر جريدة “باسم المشير”صدر العدد الأول منها بتاريخ أول نوفمبر ١٨٩٤م، ثم انتقل بها إلى القاهرة.
ومع صراحة “سليم” المفرطة والنقد اللاذع الذي كان يوجهه من خلال صحيفته”باسم المشير” غضب عليه الخديوي عباس، فما كان منه إلا أن سافر إلى الولايات المتحدة سنة ۱۸۹۹م، حيث تنقل بين بوسطن ونيويورك، وفي بوسطن أعاد إصدار “المشيرة”.
وفي نيويورك أنشأ مجلة جديدة باسم “الراوي”، ثم عفا عنه الخديوى، وعاد إلى مصر، حيث عمل في جريدة” المؤيد” عام ١٩٠٤ ، وظل يحرر فيها، حتى أول نوفمبر.
سليم سركيس والصحافة النسائية في مصر
كانت الصحافة النسائية قبل “سليم” ممهدة بعد أن أصدرت” هند نوفل ” مجلة” الفتاة” وكانت لها الريادة في صدور أول مجلة نسائية في مصر والوطن العربي، و لزواج “هند “واستقرار حياتها الأسرية توقفت مجلة الفتاة وأصبح الميدان خاليًا إلى أن جاءت مجلة” المرأة الحسناء” في أبريل سنة ١٨٩٦م.
مجلة مرأة الحسناء
مجلة ‘مرأة الحسناء” ثاني مجلة نسائية رأتها مصر، وأول مجلة مرأة تصدر في القاهرة وكانت تصدر مرتين فى الشهر في ٢٤ صفحة. وجاء في ترويستها أن رئيسة تحريرها ومديرة أعمالها “مريم مزهر”، وهو اسم مستعار لصاحب المجلة” سليم سركيس”والسبب في تسمية صاحب المجلة الحقيقي بهذا الإسم المستعار هو أن السلطات العثمانية كانت تحول دون دخول صحف سليم سركيس إلى ممالكها، لما في هذه الصحف من طعن ضد الخلافة العثمانية، مما دعا السلطان عبد الحميد إلى وصفه بأنه خائن للدولة والأمة وحكم عليه بالإعدام، ولذلك رأى” سليم” أن ينسب امتياز مجلته إلى” مريم مزهر” ليتسنى لها دخول الأقطار
تشجيع المرأة الشرقية
وكان” سركيس” يرمى أيضًا من وراء إطلاق هذا الاسم النسائي على صاحبة مجلته، إلى تشجيع المرأة الشرقية على الكتابة في الصحف والمجلات، ذلك أن حياء الشرقيات يحول دون ظهور أسمائهن على صفحات الجرائد .
وقد حاول “سركيس” نشر هذه الفضائل من خلال أبواب المجلة المختلفة، حيث كانت هذه الأبواب : مرآة القرائح، وكان ينشر فيه محاسن الآداب، وباب مرأة الكتاب، ويقدم من خلاله أعمال المؤلفين ويناقشها، وباب مرأة تبادل الأفكار، ويعقد فيه مناظرات وموازنات لمختلف الآراء، وباب مرآة العرائس والحفلات، وكان يصف فيه أهم حفلات الزواج والمراقص وأندية الطرب في المدن العربية الكبرى، وباب مرآة الأزياء، ويصف فيه كل جديد من ملابس النساء، وباب آداب السلوك والصحة والجمال.
مؤلفاته الأدبية
وإلى جانب الصحافة كان لسليم سركيس عدة مؤلفات يغلب عليها الأدب والتاريخ والاجتماع، منها: كتاب” الندى الرطيب في الغزل والنسيب” صدر عام ۱۸۸۸م، وكتاب “غرائب الكتوبجي” نشره عام ١٨٩٦ ، وكتاب” سر مملكة” سنة ١٨٩٥م، وله عدة روايات ألفها وترجمها مثل “قصة القلوب المتحدة في الولايات المتحدة”، وقصة” تحت ايتين”، و “مسيوليكوك”، وقصة “جوزفين”، وغيرهم.
وفاته
في صباح ٣٠ يناير سنة ۱۹۲٦ م فاضت روح سلیم سركيس إلى بارئها، و انطوت صفحة صحافي أثرى الحياة الصحفية والأدبية، ولعب دورًا كبيرًا في مسيرة الصحافة النسائية في مصر والوطن العربي.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال