الصدفة والتحرر عناوين عالم دواود عبد السيد الساحر
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لا شيء يضاهي مُتعة مشاهدة فيلم للمخرج والسيناريست المبدع داوود عبد السيد، حيث يأخذك من مكانك إلى عالم مختلفِ ساحر يتميز بالعمق والسلاسة بأسلوب السهل الممتنع الذي يستطيع أن يصل لقلوب ومشاعر الجميع وعقول من يحبون السينما والأدب أيضاً، فأعمال داوود عبد السيد تذكرك دائمًا بالروايات الرائعة التي تمكن كاتبها من سرد التفاصيل بحرفية عالية حتى جعلك تتوحد معها وتؤمن بأحداثها كما لو كانت حقيقة.
هناك عناصر مشتركة بين أفلام داوود عبد السيد تميزها وتساعد في نجاحها ووصولها لأكبر عدد من الجمهور، ولكن الذي يسبب السحر دائمَا هو مناقشة أفلامه لفكرة التحرر من الكبت والروتين الذي تدور في ساقيته معظم الناس مما يجعل لأفلامه طابع جذاب خاص، وتلعب الصدفة دورًا كبيرًا بأفلامه حيث تجمع بين الشخصية الرئيسية وشخصيات أخرى تجعلهم يتحررون بشكل ما من الكبت والحيرة أحيانًا.
فنجد مثلَا بفيلم “أرض الأحلام” وهو من تأليف هاني فوزي، شخصية نرجس التي جسدتها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة تميل إلى الالتزام وعمل كل شيء بحساب والخوف من خوض التجارب الجديدة، حتى أن والدتها تصفها في بداية الفيلم بأنها دائمة قول حاضر ونعم ولا تعرف إن كانت سعيدة باتباع هذا الأسلوب بالحياة أم لا.
أقرأ أيضا…محمد رمضان موهبة حقيقية أم خطة تسويقية
نرجس أمنيتها الوحيدة بالحياة تتلخص في قضاء( سهرة للصبح) كما قالت لصديقاتها في بداية الفيلم، وبمقابلتها مصادفة بساحر يجوب الملاهي الليلة بعالم غريب يدعى رؤوف الذي قام بدوره الفنان يحي الفخراني، تدخل سلسلة من التجارب المُرهقة في ليلة واحدة لتتحقق أمنيتها ولكن بشكلٍ طارىء( لتسهر فعلا للصبح) ويشجعها عالمه على اتخاذ قرار بالعدول عن السفر لأمريكا بعد رحلة بحث طويلة عن جواز سفرها، وكأن الصدفة التي جمعتها وعرفتها على رؤوف بعالمه المختلف حررتها من خوفها وترددها الدائم في اتخاذ قرار يريحها، فتقرر أن تذهب إليه في نهاية الفيلم لتخبره بقرارها وكأنها تشكره على تشجعيها بشكل عن هذا القرار.
.في حين أننا نجد في فيلم البحث عن سيد مرزوق- وهو من تأليف داوود عبد السيد كمعظم أفلامه- شخصية يوسف الذي لعبها الفنان نور الشريف وهو موظف يميل للانعزال والانطواء وأيضًا لم يجرب من قبل كسر الروتين، فهو لا يعرف شيئًا بحياته بجانب عمله، فتنقلب حياته رأسًا على عقب بعد مقابلته لعدة شخصيات عن طريق الصدفة.
يقابل لاعب بيانولا، وفتاة جميلة، ورجل كيميائي، والشخصية الأهم والمحورية بالفيلم رجل الأعمال سيد مرزوق الذي لعب دوره الفنان علي حسنين الذي يورطه في عديد من المشكلات والقضايا الشائكة في ليلة واحدة ولكن على الرغم من تورطه بهذه المشاكل إلا أنه يقول في نهاية الفيلم أن كل ما حدث معه من مغامرات جعله يشعر بقوة غريبة ورغبة في التحرر والخروج من سجن الروتين الذي كان يحبس نفسه فيه من قبل حتى أنه يتسائل كيف سيرجع لحياته العادية بعد خوض كل هذه المغامرات، بل أن هذه الليلة التي قضاها مع سيد مرزوق جعلته في نهاية الفيلم يتحول من شخص يهاب التجارب لقاتل! حيث في محاولة فاشلة سيحاول قتل سيد مرزوق بنهاية الفيلم لم ورطه فيه من كوارث.
أما بفيلم “رسائل البحر” يقابل يحي ( الفنان آسر ياسين ) نورا التي لعبت دورها الفنانة بسمة دون ترتيبات مُسبقة وهي فتاة ليل يقع في حبها تغير حياته وطريقة تفكيره مما يجعله يتخبط كثيرًا حتى يقرر بالنهاية الارتباط بها.
على صعيد آخر نرى برائعة “الكيت كات” المأخوذة عن رواية “مالك الحزين” لإبراهيم أصلان، الشيخ حسني الذي قام بدوره الفنان الكبير الراحل محمود عبد العزيز يرفض كونه أعمى، فقد أصر على ركوب (فسبة سليمان) التي كان يتحسسها بغرض الاستكشاف كطفل وجد لعبته المفضلة يقف أمامها مبجلًا إياها بالاستكشاف قبل اللعب بها، ومن ثم يقرر أن يخوض التجربة كاملة فيركبها وحده مُحلقًا أخيرًا بحصان خياله دون التفكير بالعواقب، وكأنه يسعى للتحرر من عماه الذي يقيده.
وأخيرًا بفيلمه “قدرات غير عادية” تجمع الصُدف بين الدكتور يحي الذي لعب دوره الفنان خالد أبو النجا، وحياة ( الفنانة نجلاء بدر) ليكتشف خلال معرفته بحياة وهذه الصُدف المتكررة بينهما أن القدرات غير العادية التي يبحث عنها بالأصل توجد فيه وليس بأحدٍ غيره ليتحرر من حيرته طوال الفيلم.
يُخرج داوود عبد السيد أفلامه كما لو كان رسامًا يجيد أستخدام فرشاته فيلون لوحته بكل الألوان التي تجعلها حية لمن يراها، ويساعده في اكتمال لوحته دائمًا الموسيقى الخيالية التي يبرع فيها الفنان راجح داوود فيجعلك تندمج مع عالما مختلفًا ليس له مثيل آخر.
مع الأسف أعلن داوود عبد السيد اعتزاله بيناير هذا العام، وصرح أنه لا يستطيع التعامل مع نوعية الأفلام التي يفضلها الجمهور حاليًّا، والتي يبحث عنها من أجل التسلية وليس لمناقشة القضايا التي اعتاد أن يطرحها في أعماله.
أفلام داوود بكل تفاصيلها العبقرية تجعلك بالنهاية تنفصل عن واقعك لتذوب لساعات في تحفة فنية لا تنتهي بانتهاء مشاهدتك لأحد أفلامه ولكن يستمر سحرها عليك وكأن شخصياتها تلازمك لفترة طويلة لتؤنس لياليك وتجدد ربما في أسلوب حياتك وتجعلك تعيد النظر من جديد في فلسفتك العامة تجاه الحياة برمتها لتخلق لك عالمًا مُختلفًا صغيرًا داخل عالمك بحبك لخوض التجارب الجديدة دون خوف وحب الصُدف، فالمتعة دائمًا في التجربة والصدفة لابد أن تأتي بجديد.
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال