الطريق إلى مذبحة كبكب “حينما دمرت فرنسا هوية تشاد الإسلامية بالسواطير”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
“من يحكم القارة السمراء لن يكون من دول العالم الثالث”
بهذه العقيدة نُفِّذَت مذبحة كبكب سنة 1917 في مدينة أبشي بإقليم واداي بتشاد بعد سنوات من الاحتلال الفرنسي لأفريقيا الوسطى والكونغو والجابون والتي سماها الفرنسيون أفريقيا الاستوائية الفرنسية.
تشاد ومعادلة رابح
شهد القرن التاسع عشر تناميًا استعماريًا كبيرًا في إفريقيا لفرنسا فقوبل بمجتمع إسلامي به نزعات قومية تقاوم الاستعمار، لكن كان هناك كابوسًا يؤرق أحلام فرنسا وهو رابح الزبير بن فضل الله أحد المواطنيين السودانيين الذي استقر بتشاد وأسس بها دولة.
اقرأ أيضًا
أول شهداء مصر على يد فرنسا “زوجين من العجمي كادا يقتلا نابليون بونابرت”
لم تكن تشاد بالنسبة لفرنسا مجرد شوكة في إفريقيا الاستوائية بل كانت كذلك مصدرًا للثروة فبها القطن والأيدي العاملة فضلاً عن الموارد الطبيعية، غير أن رابح الزبير كان خارج الحسابات إذ كان يُنْظَر له على أنه مجرد حاكم على قبيلة إلى أن فوجئوا بحقيقته.
بعد عام من تولي رابح الحكم وبالتحديد في عام 1890 حدث أول صدام بينه وبين الفرنسيين حيث التقى قوات بول كرامبل والتي كانت مزيجًا بين البعثة الاستكشافية والحملة العسكرية فتمكن من الفتك بهم.
تغيرت كل المعادلات الفرنسية بسبب رابح فهو سيكون عقبة أمام أحلام بريطانيا في نيجيريا وسدًا لأحلام فرنسا بالنيجر فجهزوا جيشًا بقيادة بيرتونيه والتقوا في معركة تجباو والتي هُزَمت فيها فرنسا هزيمة ساحقة وفضيحة بالنسبة لها.
قرر إميل جنتل رئيس البعثة الفرنسية لأفريقيا الوسطى 1897م تشكيل 3 فرق بقيادة الكابتن فالتقى مع رابح يوم 28 أكتوبر 1899 واستمرت 8 ساعات وانتهت بهزيمته، ليعيد إميل جنتل المحاولة ويطلب المساعدة فتأتي 3 حملات في أواخر أبريل 1900م وتستمر المعركة لساعات طويلة تكبد الفرنسيون فيها خسائر فادحة لكنهم تمكنوا من قتل رابح الزبير وقطع رأسه بعد 6 سنوات من المواجهات.
مات رابح وتولى نجله القيادة فحاربهم 9 سنوات ولقي نفس المصير لكن لم يستسلم التشاديون حتى وقعوا رسميًا تحت الاحتلال سنة 1911 وألغت كافة القوانين الإسلامية وحظر اللغة العربية وغلق كل ما له صلة بالإسلام أو الهوية الإسلامية الإفريقية من خلال جعل الفرنسية لغة رسمية والمسيحية ديانة الدولة الجديدة بطريقة انتهازية إستغلالية إجبارية، ورغم التأثير السلبي الذي طرأ على المجتمع التشادي لكنه لم يحقق كل ما تريده فرنسا فلا زالت هناك نزعة إسلامية قومية بداخل الشعب.
يوم المجزرة وآثاره التي ظلت إلى عام 1990
قررت فرنسا تنفيذ مذبحة كبكب يوم 15 نوفمبر 1917 من خلال دعوة علماء تشاد المسلمين لحل في أزمة إدارة البلاد وتم الاجتمع في مدينة أَبْشة بإقليم واَداي وحضره 400 رجل بين علماء دين وزعماء محليين.
لم يحضر جنرالات فرنسا وأنابوا عنهم ملك الموت عبر جنودهم الذين دخلوا التجمع بسواطير حادة وذبحوهم جميعًا ثم دفنوا الأجساد والرؤوس في منطقة أم كامل؛ ويطرأ سؤالين أولهما لماذا لم تستعمل فرنسا الرصاص والأمر الثاني لماذا لم تطمس فرنسا القبر.
أرادت فرنسا استعمال الساطور بدل البارود وذلك تنكيلاً بالعلماء ثم فرض حالة هلع نفسية بين الأهالي، ولم تطمس فرنسا القبر تخليدًا لذكرى الشهداء وإنما لضخامة المساحة صعب عليهم أن يشوهوا ملامح القبر.
لم يغب عن فرنسا أنها يمكن أن تواجه بمقاومة أشد من جيل رابح فقررت بعد هذه المجزرة تنفيذ خطة طويلة الأجل فجعلت الجنوب التشادي مسيحيًا والمنطقة الشمالية مسلمة، فلقيت الأخيرة تهميشًا بينما كان الاهتمام في الجنوب وشيئًا فشيئًا جرت التفرقة العنصرية حتى كبرت ثم انفجرت سنة 1960 بالحرب الأهلية التي ظلت ثلاثين عامًا.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال