همتك نعدل الكفة
3٬900   مشاهدة  

الطيور من زاوية أخرى (1) الغراب .. تاريخ يستحق العطف

الطيور


خلق المولى عز وجل الكائنات والتي تشكل توازنا للبيئة فتتغذى على بعضها متممة مسيرة الأرض، فمنها ما ارتبط مع الإنسان بحدث أو حكاية كأنواع من الطيور فصار يستبشر بها ويبجلها، أو يتشائم منها ويمقتها.

اقرأ أيضًا
10 طيور وحيوانات مصرية مهددة بالانقراض

ومن الطيور التي دارت حولها الحكايات والأساطير الغراب و طائر البوم، فالغراب هو طائر يتغذى على الدود والجيف وصغار الطيور وبيوضها والمحاصيل الزراعية وغيرها .

الغراب وأول دم على الأرض

قابيل وهابيل
قابيل وهابيل

ارتبط الغراب في أذهاننا جميعا بأول قصة قتل على الأرض بين قابيل وهابيل.
وقف الغربان العجوز على شجرة ونادى: “يا معشر الغربان إن للإنسان على الأرض كل الافضلية، ولهم عند الله المزية فكونوا لهم خداما”.
يقول عز وجل في كتابه العزيز :
﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾
وقد ظلم الغراب إذ ظل على مر العصور نذير شؤم ودليلا على الموت والخراب بدلا من أن نتخذه معلما علمنا أهم وأرقى طريقة لتكريم الموتى.

رمزية الغراب على مر العصور

غراب
غراب

اعتبرت معظم الحضارات والثقافات الغراب نذير شؤم لأسباب عدة منها:
– لونه الأسود الذي يدل على الموت والخراب .
– نعيبه المزعج للكثير من الناس، وقد ذكر سببه أوفيد في قصيدته فاستي “أن إله الشمس لم يكن راضيا عن خادمه الغراب، وبينما أبولو يحضر لوليمة من أجل جوبيتر أرسل الإله غرابا ليحضر الماء من الينبوع، وأخذ الغراب دلوا وطار في الهواء ولكنه لمح شجرة تين محملة بالثمار فهبط الغراب وتذوق التين ووجد أن الثمار ليست ناضجة بعد فجلس هناك حتى نضجت ثمار التين وأكل حتى شبع، ثم فكر بواجبه نحو الإله. والتقط ثعبان ما وطار عائدا إلى أبولو وقال إن الثعبان اعترض مسار الجدول، واكتشف أبولو الكذبة وأعلن أنه على الغراب ألا يشرب من ماء الينبوع حتى تنضج ثمار التين على الأشجار؛ ولهذا تتخاطب الغربان بصوت خشن من العطش”.
– وأيضا من أسباب كره العوام للغربان أنها تسرق فراخ طيورهم وبيوضها كما تفسد المحاصيل الزراعية.

الغراب في الديانة الفارسية

غراب
غراب

على عكس معظم الحضارات قدست الديانة الفارسية الغراب إذ اعتبرت الغربان دونًا عن الطيور كلها تجسيدا لإله المعارك المظفرة وكانت تتخذ ريشها تمائم.

ونشأت أخوية “الغربان” في بلاد فارس وكانت شائعة بشكل خاص بين الجنود وأصبحت المنافس الرئيسي للمسيحية في القرون الأخيرة للإمبراطورية الرومانية، وفي الطقوس السرية كان الناس يتنكرون بهيئة الغربان والاسود ويرقصون حول مذبح تحت الأرض.

رمزية الغراب عند الفايكنج

غربان
غربان

ارتبط الغراب بأودين الإله الاسمي عند الفايكنج والذي كان يلقب احيانا بـ ” ملك الغربان”، وكان له غربان يجثمان على كتفيه ويدعيان ” هوغين” ويعني الفكرة ، و ” مونين” ويعني الذاكرة.

رمزية الغراب عند الرومان

غراب
غراب

عندما اجتاحت الأوبئة الخبيثة والحروب أوروبا في نهاية العصور الوسطى فهم الرومان نداء الغربان “كراس” على أنه كلمة تعني الغد ، فأصبح هذا النداء يفهم على أنه تذكير بالموت، وفي الوقت نفسه كان هذا النداء يعني المماطلة في التصالح مع الرب.

وفي عصر النهضة أصبح الغراب دونًا عن بقية الطيور بحسب الاسطورة اليونانية رمزًا للفتاة باندورا والتي فتحت صندق يحتوي على شرور العالم وعندما لاحظت ما حدث اغلقت غطاء الصندوق ولكن الامل وحده بقي في الداخل، ومع الوقت بدأ التشاؤم بإفساح المجال أمام التطور الفكري وتغيرت نظرة الناس لباندورا فأصبحت رمزا للخطأ البشري، وبشكل أقل رمزا للذنب وبدا صدى الغراب “كراس” أكثر تفاؤلا.

الغراب في بريطانيا

الغراب
الغراب

في بريطانيا عاش احترام للغرابيات أكثر من أي قسم آخر في اوروبا رغم أنه تجرد من محتواه الأسطوري، ففي انكلترا يمنع تحت طائلة غرامة كبيرة إيقاع أي نوع من الأذى بالغربان، وكان السبب أنه إذا لم تقم الغربان باستهلاك الجيف فستتحلل اللحوم وتسمم الهواء.

مصطلحات ارتبطت بالغراب

غراب
غراب

ارتبط مصطلح “أقدام الغراب” بخطوط الشيخوخة حول العين ولعل هذا السبب يعود لشكلها الذي يشبه قدم الغراب ، وأيضا لاستخدام أقدام الغراب في التعاويذ السحرية وخاصة ما يكون منها للشباب الدائم .
مصطلح “عش الغراب” والذي يعني برج المراقبة في السفينة ويعود لعادة الغراب في بناء عشه قرب عمة الشجرة فيكون باستطاعة من في البرج رؤية البر واليابسة.

الغراب في الأمثلة الشعبية
كان يقال قديما :”إذا كان الغراب دليل قوم، فلا رجعوا ولا رجع الغراب” دليلا على أنه يطير ليأكل من الجيف فلا يدل على خير،
وأيضا عرف في الموروث الشعبي مثل :” يا فرحة ما تمت خدها الغراب وطار” وأيضا :” ياما جاب الغراب لأمه” وهذا لأن الغراب معروف بالسرقة .

حياة الغراب وعاداته الغريبة

ـ من العادات الغريبة للغربان هو أنه ذا ذوق مبهج في تكوين عشه فيسرق كل ما يلمع كقطع الزجاج الملون، والصفيح، والذهب أيضا إذا أمكنه، وكل ما هو ذات لون مبهج من خيوط وغيرها لينقلها ويزين بها عشه.
ـ تتجمع الغربان حول موتاها وتصدر نعيبا حادا وتندبه، ومن ثم تحفر له قبرا وتدفنه.
الغراب لا ينسى الوجوه أبدا فهو يمتلك ذاكرة قوية قادرة على التعرف على من أذاه او أذى بني جنسه لسنوات، وتهاجمه إذا أُتيحت لها الفرصة .
ـ ذكر الغراب لا يتزوج سوى أنثى واحدة طول عمره الذي قد يصل لواحد وعشرون عاما . ويفارقها في حالة واحدة إذا لم تفقس بيوضها فيتركها ويتزوج بأخرى للحفاظ على نسله . ويضطر للزواج بأخرى أيضا في حالة موت زوجته فلا يجمع الغراب بين انثيين أبدا .
ـ ويتميز الغراب بذكاء حاد يمكنه من استخدام الأدوات كما يمكنه العد إلى الرقم 7 أو 9. ويمكنه أيضا تقليد الأصوات والاستجابة للنكات.

محاكم الغربان

الغربان
الغربان

من الأشياء العجيبة والتي تندر بين المخلوقات هي المحاكم، تقام المحاكم بين الغربان وتصدر أحكاما قاسية على كل من خالف أعراف الغربان أو فعل جريمة محرمة، ومن هذه الجرائم التي يحرمها مجتمع الغربان
جريمة اغتصاب طعام الفراخ الصغار، ويعاقب الفاعل بنتف ريشه كاملا ليصبح عاجزا عن الطيران كالفراخ الصغيرة التي استضعفها.

أما جريمة هدم عش الغير فيفرض على الفاعل بناء عشا بديلا لصاحب العش المهدوم .
جريمة الزنا بأنثى غراب آخر، ويعاقب الفاعل بالضرب حتى الموت ثم يدفن فلا تترك الغربان أجساد بني جنسها بدون دفن.

رأي الدين في التشاؤم من الغراب

الغراب
الغراب

ذكر ابن حجر في الفتح “أن التشاؤم من الغراب والاستدلال بنعابه على الشر والخير من أعمال الجاهلية فأبطل الإسلام ذلك، وقال : وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به فكانوا إذا نعب مرتين قالوا آذن بشر وإن نعب ثلاثا قالوا آذن بخير فأبطل الإسلام ذلك”
وكان ابن عباس رضي الله عنه إذا سمع الغراب قال : “اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك”.
فالغراب كغيره من الكائنات خُلق ليسبح ويكمل سلسلة كونها الله بمنتهى الدقة. كما له فوائد عدة للحفاظ على النظافة والتخلص من الجيف.
وبرغم لونه الأسود الذي يشعرنا بالغموض لكن به الكثير من الجمال والطيبة إذا عومل بالعطف.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
7
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان