العائلة القلاوونية .. كيف بدأ مؤسسها طريقه من الرق إلى الحكم ؟

ورثت العائلة القلاوونية إرث ثقيل ممن سبقهم على عرش سلطنة مصر من المماليك، فكافة مراحل مصر المملوكية خلال سلطنتهم كان العالم يتغير والتحديات لمصر تتكاثر.

اقرأ أيضًا 
“المماليك” بسببهم تشكلت “جزيرة الروضة” و “الأستاذية” جعلتهم أقوياءاً

حكم مصر من العائلة القلاوونية 15 سلطان وكانت نهاياتهم مختلفة، فهناك 5 منهم لقوا حتفهم و 4 ماتوا على الفراش و 7 منهم خُلعوا، ورغم النهايات المختلفة إلا أن اتفاق واحد بين المؤرخين وهو أن المنصور قلاوون مؤسس العائلة القلاوونية كان حجر الأساس لحكم الأسرة ولقي محبةً كبيرةً من المصريين.

نشأة المنصور قلاوون مؤسس العائلة القلاوونية

يعود أصل المنصور قلاوون إلى أتراك أواسط آسيا من جنس القبجان الذين استقروا بعد تجوالهم حول نهر الفلجا في جنوب روسيا حاليًا، وقد تم جلبه لمصر واشتراه الأمير علاء الدين أحد مماليك الملك العادل الأيوبي بـ 100 دينار نظرًا لما امتاز به من جمال ووجاهة فعُرِف من أجل ذلك بالألفي.

انتقل المنصور قلاوون إلى خدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب بعد علاء الدين مع عدد من المماليك الآخرين الذين عُرِفوا معا بالعلائية نسبة إلى علاء الدين، وظل قلاوون في خدمة الملك الصالح حتى توفي ثم انتقل إلى خدمة غيره من أمراء المماليك البحرية وصار أحد أهم القادة العسكريين في عصره.

الحياة الخاصة والطريق إلى حكم مصر

في أيام الظاهر بيبرس تزوج بابنة أحد أمراء المماليك واحتفل السلطان الظاهر بهذا الزواج احتفالاً كبيرًا وقام بكل ما يتعلق بهذا الحفل من الولائم، وتسابق الأمراء في تقديم الهدايا إلى قلاوون وكانت أعظمها هدية السلطان له التي كانت مكونة من الخيل والأقمشة وعشرة من المماليك، وقد قبل قلاوون الهدية كلها فيما عدا المماليك فقد اعتذر عن قبولهم قائلا للسلطان «هؤلاء خوشدا شيتي (أي زملائي) في خدمة السلطان» وقد قبل السلطان اعتذاره وأعفاه من هذا الجزء من الهدية وأثنى عليه وعلى حصافة رأيه.

في عهد السلطان العادل سلامش الابن الثاني للظاهر بيبرس رقي قلاوون إلى وظيفة (أتابك العساكر) يعني قائد عام الجيش سنة 1280 وصار اسمه يذكر مع اسم السلطان العادل على المنابر، وتصرف تصرف الملوك مدة 3 أشهر ثم اختير سلطانا على البلاد في العام نفسه.

استفاض الدكتور محمد عبدالعزيز مرزوق في ذكر سيرة المنصور قلاوون حين تم اختياره حاكمًا لمصر فقال أنه وضع نصب عينيه القضاء على المغول الذين احتلوا بلاد الشام، ولذلك نجد  أنه بعد أن مضى على توليته أسبوع واحد سارع فعين ابنه علي ولد للعهد حتى يتفرغ هو للسفر إلى الشام لإخراج المغول وركب عليّ بشعار السلطنة ولقبه بالملك الصالح وشق موكبه القاهرة من باب النصر إلى قلعة الجبل وخطب على منابر مصر كلها بعد والده وكتب لبلاد الشام بذلك.

لم يكد يمضي عليه في الحكم سنتين حتى زوجة بزوجة جديدة وهي أميرة مغولية تسمى شلون خوندا وكانت تعيش في مصر مع والدها الذي جاء على البلاد فرارا من سخط المغول عليه وعاش هنا في كنف الظاهر بيبرس موفور الكرامة ممتعا بكل ما كان ينعم به أمراء المماليك حينئذ من حياة الترف والبذخ.

قلاوون والمماليك .. عساكره وزملائه

كانت سياسة قلاوون كسياسة غيره من أمراء المماليك تقوم على الإكثار من شراء المماليك وذلك لأن  الاستقرار في الحكم أو المحافظة على المركز في ذلك الوقت يتوقف على كثرة الأتباع وقد استكثر قلاوون بدوره من شراء المماليك كثرة تستلفت النظر فقد بلغ عدد المماليك الذين اشتراهم نحو 12 وهو عدد لم يجمعه أحد من سلاطين مصر قبله كما يقول تقي الدين المقريزي.

وقد كانت عنايته بهؤلاء المماليك فائقة إذ كان يحرص على تفقد طعامهم بنفسه، فيخرج إلى رحبة القلعة عند موعد الطعام ويشاهده بنفسه ويتذوقه ؛ فإذا رأى به عيبًا اشتد على المشرف على الطعام ونهره وعنفه.

الثقافة كانت محورًا في اهتمام المنصور قلاوون بمماليك فقد كان يهتم بأمر تثقيفهم و وتربيتهم وامتحدته المقريزي في ذلك فقال «لو لم يكن من محاسنه إلا تربية مماليكه  وكف شرهم عن الناس لكفاه ذلك عند الله»، ولقد كانت له في نفس مماليكه هيبة حتى أن الواحد منهم ما كان يجرؤ على أن يمزح مع زميله أمامه  وما كان يستطيع واحد منهم أن ينهر خادمه إذا أخطأ وهو في حضرته.

إقرأ أيضا

الغرام والحب في السينما المصرية

جانب آخر بين المماليك وقلاوون وهو العمل على إرضاء زملائه القدامى من أمراء المماليك، وقد سعى لاكتساب رضائهم عنه فكان يعنيهم في وظائف الدولة بل لقد خلق لهم الكثير من الوظائف حتى يقتل فى نفوسهم دواعي الحقد عليه بعد أن نجح هو دونهم في حكم مصر.  

المنصور قلاوون بين الصليبيين والمغول

حاول المغول خلال حكم منكوتمر نجل هلاكو السطور على الديار الإسلامية فوصل إلى مدينة عنتاب ومنها إلا بلاد الشام حتى حاربهم في معركة حمص سنة 1281 وانتصر عليهم، ورغم حالة المد والجذب في العلاقة بين المغول وقلاوون إلا أن تلك الحالة لم تكن مع الصليبيين فقد استأصل المنصور قلاوون شأفتهم من بلاد الشام نهائيًا سنة 1290 م.

إرث المنصور قلاوون

لم يغفل المنصور قلاوون الجانب الحضاري لدولته ولم ينشغل عنه بالمواجهة مع الصليبيين والمغول، ففي عصره شهدت القاهرة نهضةً ثقافية عظمى بعد أن صارت المعقل الأخير للعلم عقب سقوط بغداد والأندلس، وأسس المدرسة المنصورية لدراسة المذاهب الفقهية الأربعة، كذلك أسس مستشفى وقبة دُفِن فيها سنة 1290 م.