العبودية الحديثة
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الشكل القديم للعالم اللي ممكن الإشارة له باسم “عصر الإقطاع“، اقتصاده قايم بالأساس ع الزراعة والرقيق، نظام سمح للإقطاعيين يتصرفوا زي ما يحبوا، فبناء عن تحالفهم مع “البلاط” كسلطة سياسية غير قابلة للتغيير أو حتى المناقشة.. سلطة تمتلك الأرض ومن عليها، بالتالي كانت تملك حق منح أراضي للطبقة الأقل منها وهي الإقطاعيين، والسلطة السياسية كانت متحالفة بدورها مع سلطة دينية بتدي الحاكم بُعد ديني بوصفه خليفة الله ع الأرض أو خليفة الرسول أو بوصفه قدر إلهي.
عصر الإقطاع
العاديين في الوقت ده كانوا بين عبيد أو فقراء معدمين، والعبيد نوعين.. نوع يباع ويشترى، ونوع تابعين للأرض، بمعنى إنهم جزء من قطعة الأرض العايشين عليها.. فإذا باع أحد الإقطاعيين قطعة أرض أو أهداها لأخر بتبقى الصفقة أو الهدية شاملة ما عليها من مواشي ومنشئات وبشر “قِن“، كمان كان فيه أعداد من الأحرار بس غالبيتهم فقرا بشكل رهيب أو حتى مُعدمين، كل الفرق بينه وبين العبد إنهم لا يباعوا ولا يشتروا.
لما ثار البشر في أوروبا أخيرًا على النظام الرهيب ده، ونجحوا في كسر سلطة الكنيسة وبدأت تظهر أفكار ثورية لخلق صيغ جديدة لتنظيم المجتمعات فكان شكل الدولة الحديثة، والنقطة الأساسية اللي قامت عليها فكرة “الدولة الحديثة”.. هي أن البشر يحكموا نفسهم بنفسهم، عن طريق اختيار حُر لممثليهم، على أن ينظم عقد اجتماعي العلاقة بين المجتمع والدولة.
الثورة
التغيير طبعًا ماحصلش بسهولة ولا في يوم وليلة، وفيه أجيال دفعت أعمارها وحياتها في سبيل تحقيقه، بس مهم كمان نعرف أن ده ماحصلش بكفاح المستضعفين لوحدهم، إنما مع ظهور الرأسمالية كشكل اقتصادي جديد قايم على التصنيع ومنافس للنظام الإقطاعي، تبنى الرأسماليين فكرة الدولة الحديثة.. فكسبوا كتير من العاديين اللي كانوا حطب الصراع ودفعوا دم وأرواح تمن للحرية.
الرأسمالي أصدر قوانين تجرم الرق وتحرر العبيد.. فزادت ثقة الناس في النظام الجديد، بس القرارات دي تم تنفيذها بدون تنظيم أو ترتيب لكيفية التعامل مع الأعداد الضخمة من البشر اللي أصبحت حرة لأول مرة.. وبالمقابل بقت مسئولة عن توفير احتياجاتها الأساسية لنفسها بنفسها.
فنقدر نشوف أن القرار بإلغاء الرق من زاوية الرأسمالي هو ضربة اقتصادية قوية للإقطاعي، اللي فجأة بقى مالهوش سلطة على الأيد العاملة.. ومع التاريخ الردئ جدًا للإقطاعي والنزوع الطبيعي للحرية أقبلت أعداد رهيبة من البشر على اختيار الرحيل للمجهول عن البقاء في المناطق الزراعية حيث خبراتهم المهنية. ولما وصل الأمر للحرب.. ألاف الرقيق تمن لانتصار الرأسمالي رغم أعلانه لإيمانه بالتفرقة العنصرية، زي ما حصل في الحرب الأهلية الأمريكية.
نجاح فكرة الدولة الحديثة ارتبط بنجاح النظام الاقتصادي الجديد، اللي في صلبه ماختلفش عن الإقطاع كتير، الرأسمالي حط نفسه أعلى من السلطة السياسية.. واستبدل الملك بالرئيس أو رئيس الحكومة.. ومجالس الأعيان بالبرلمان.. والسلاسل بالبنكنوت.. والجلاديين التقليديين بالشرطة المدنية.. وحافظ على علاقة جيدة مع السلطة الدينية، (خارج المجتمعات صاحبة الأغلبية المسلمة البشر ثاروا بشكل كبير على السلطة الدينية.. فتم تهميشها من الحياة بشكل أكتر صارمة).
فرق تسد
الدين بيرسخ لمنظومة الأسرة، هي -أه كشكل مجتمعي- بنت الزراعة وتطورها إلى الإقطاع، بس الرأسمالي متفق مع منطق الملكية بالتالي محتاج لوجودها. ده بالإضافة لكون الدين مش واحد في العالم.. وكل دين بيكفر باقي الأديان، وفيه ديانات بينها تاريخ من الكراهية والحروب، حتى الدين الواحد جواه مذاهب مختلفة، وتاريخيًا فيه بحور دم بين المذاهب دي وبعضها، تركيبة بالقطع تضرب أي دعوة إلى “الحب والسلام” في مقتل، لأن ببساطة مستحيل مجموعة من البشر تعيش مع بعض في حب وسلام في نفس الوقت اللي كل واحد فيهم شايف الباقيين كفار وعنده معاهم عداء تاريخي وصراع مقدس.
تطور الرق
فكرة الأسرة مثالية جدًا لضمان إنتاج المزيد من البشر/مستهلكين.. بالإضافة لتوفير بضاعة لسوق النخاسة الحديث المعروف بأسم “القوى العاملة”. كمان القِن ماختفاش إنما أتغير، وبقينا بنعيش عصر الشركات والمصانع بتتباع فيه بالعاملين/الموظفين اللي فيها.
باختصار.. التحول اللي الرقيق دفعوا تمنه دم كانت نتيجته نشأت دول بيحكمها أثرياء/أسياد مختلفين، والوضع بالنسبة للرقيق ماختلفشي غير على مستوى الحريات الشخصية، صفقة الثري الجديد درسها ونفذها.. غير اسمهم من رقيق إلى “الأيد العاملة” وتخلى عن الالتزام باحتياجاتهم الأساسية في مقابل منحهم مساحة من الحريات الشخصية مش مكلفاه حاجة أصلًا، بالعكس.. بقى يقدر يخوفهم من خسارتها لو فكروا يتمردوا عليه.
ياترى بقى النظام الرأسمالي هيقدر يستمر لأمتى؟ ونهايته هيكون شكلها إيه؟ وعلى أيد مين؟ وإيه هيكون شكل الحياة بعدها؟ وهل هينتهي الرق تمامًا المرة دي ولا هياخد شكل جديد؟ بس يبقى السؤال المفتاحي لحدوث التغيير.. أمتى البشرية هتدرك إن العبودية مانتهتش؟؟
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال