العلماء يختلفون .. الكلمات الأعجمية في القرآن الكريم بين الحقيقة والإنكار
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يُعد القرآن الكريم هو أول كتاب عربي، لذا يتوقع الكثيرون أنه خالي من الكلمات الأعجمية أو المعربة، ولكن في الحقيقة إن التوافق والاشتراك بين اللغات في بعض الكلمات هو أمر شائع ومألوف، وقد اعتمدت اللغة العربية نفسها في وقت ما على تعريب بعض الكلمات الأعجمية، لذا ستجد بعض الكلمات ذات الأصول الأعجمية في القرآن الكريم، مما تسبب في إثارة جدل كبير بين المفسرين، نظرًا لعدم إتقان علماء اللغة العربية قديمًا لأكثر من لغة، مما تسبب في تخبطهم حول تمييز أصول تلك الكلمات، فمثلًا نُسبت بعض الكلمات الفارسية للغة السريانية، أو اليونانية وهكذا، وانقسم العلماء إلى عدة فرق أحدهم يؤيد وجود كلمات أعجمية، والأخر ينفي تمامًا وجود أي لفظ غير عربي في القرآن.
الشافعي يقول لا
تواجد الإمامان الشافعي والعالم اللغوي ابن فارس على رأس ذلك الفريق الذي ينفي وجود الكلمات المُعربة أو الأعجمية في القرآن، واستندوا في احتجاجهم بالآيات القرآنية: «إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون»يوسف:2، وآية: «ولو جعلناه قرآنًا أعجميًا لقالوا فصلت آياته، أعجمي وعربي» فصلت: 44.
البعض يثبت وجودها بالأدلة والبراهين
مقابل ذلك، أكد الفريق الأخر على وجود ألفاظ أعجمية في القرآن، وعلى رأسهم الصحابي عبد الله بن عباس، الذي كان أول من كتب في هذه النقطة، وآلف كتاب “اللغات في القرآن الكريم”، واتبعه بعد ذلك الكثير مثل الإمام المفسر مقاتل بن سليمان في كتابه ” الأقسام واللغات”، والمؤرخان هشام بن محمد الكلبي، والهيثم بن عدي، وأيضًا أربعة من أكبر علماء اللغة هم: الفرّاء، والأصمعي، وأبو زيد الأنصاري، وأخيرًا ابن دريد الذي خصص بابًا كاملًا لتلك النقطة في كتابه “جمهرة اللغة”.
أما عن أهم كتاب خُصص لتلك النقطة هو كتاب ” المعرب من كلام العرب على حروف المعجم” للعالم اللغوي أبو منصور الجواليقي، وهناك أيضًا كتاب “المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب” للإمام جلال الدين السيوطي.
إقرأ أيضًا…ماري أنطوانيت.. حمامة السلام التي اتهمت بالشذوذ وقطعت رأسها
القرآن ليس للعرب فقط
فريق ثالث اختار الوسطية بين كلا الفريقين السابقين، وأقروا وجود بعض المُفردات الأجنبية، ولكنهم أكدوا أن وجود أي كلمات أجنبية في أي لغة سواء كانت اللغة العربية أو غير العربية لا يخرج تلك اللغة عن أصالتها، ورأوا أن ذلك يعود في الأصل إلى فكرة أن القرآن نزل للعرب وغير العرب على حد سواء، كما ذكر الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه «المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب»، وعند النظر لكتاب «تاريخ الخلفاء» لجلال الدين السيوطي نرى أن الصلة بين العرب ومصر قبل دخول الإسلام كانت منقطعة، ورغم ذلك ذُكر في القرآن كلمة «اليم» رغم أنها كلمة قبطية، وهذا أكبر دليل على أن القرآن كان يُخاطب الجميع ليس العرب فقط.
العبرية في القرآن
ذكر طوبيا العنيسي الحلبي، في كتاب “تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بحروفه” وجود العديد من الألفاظ العبرية في القرآن وهي:
«شيطان» وهي في الأصل كلمة عبرية تُنطق «ساطان»، ومعناها خصم وعدو، وقد ذكرت في القرآن الكريم «إن الشيطان لكم عدو» فاطر:6.
«تنّور» كلمة عبرية ومعناها بيت النار، وذكرت في آية «فإذا جاء أمرنا وفار التنور» المؤمنون: 27.
«ملاك» وينطق في العبرية «ملأك» ومعناها أحد الأرواح السماوية، وذكرت في آية «قل يتوفاكم ملك الموت» السجدة:11.
«جدث» في الأصل العبري «جديش»، ومعناها قبر، وذكرت في آية «فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون» يس: 51.
«جهنم» وهي في العبرية «جي بن هنم»، ومعناها وادي ابن هنم وهو موقع العقاب الأبدي بعد الموت، وذكرت في آية «جهنم يصلونها وبئس القرار» ابراهيم: 29.
الألفاظ الفارسية في القرآن
ذكر الجواليقي في كتابه “المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم” أنه توجد بعض الألفاظ الفارسية في القرآن مثل:
«سجيل» وفي الأصل الفارسي «سنك» ومعناها حجارة وطين، وذُكرت في آية «ترميهم بحجارة من سجيل» الفيل: 4.
«مسك» كلمة فارسية ومعناها الشيء المشموم، وذُكرت في آية «ختامه مسك» المطففين: 26.
«سرادق» أصلها الفارسي «سراپرده»، ومعناها الدهليز، وذكرت في آية «إنا أعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها» الكهف: 29.
الألفاظ اللاتينية في القرآن
اشتمل القرآن كذلك على بعض الألفاظ اللاتينية، ذكر بعضها جلال الدين الأسيوطي في كتابه “المهذب لما وقع في القرآن من المعرب” ومنها:
«روم» وأصلها اللاتيني «رومانوم»، ومعناها: الشعب الذي استوطن إيطاليا أو الإمبراطورية الرومانية، وذكرت في آية «غلبت الروم» الروم: 2.
«قسطاس» كلمة لاتينية أصلها «قوسطوديا» ومعناها الحبس، وذكرت في القرآن بمعنى العدل في آية «وزنوا بالقسطاس المستقيم» الشعراء: 182.
«صراط» أصلها اللاتيني «صراطا» ومعناها طريق مبلطة، وذكرت في آية «اهدنا الصراط المستقيم» الفاتحة: 6.
الألفاظ الحبشية في القرآن
اللغة الحبشية هي اللغة المستخدمة في الحبشة وتحديدًا الجزء الجعزي منها، ذكرها السيوطي في “المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب”:
«شهر» كلمة أصلها حبشي ومعناها هلال، وذكرت في القرآن في آية «ليلة القدر خير من ألف شهر» القدر: 3.
«مشكاة» في الأصل الحبشي “مشكات” ومعناها الكِوة غير النافذة، وذكرت في آية «مثل نوره كمشكاة» النور: 35.
«شطر» كلمة حبشية الأصل، ومعناها تلقاء، وذكرت في آية «فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام» البقرة: 149.
الألفاظ السريانية في القرآن
هي لغة سامية قديمة وكان لها تأثير كبير على العربية، وكل أوزان فعلوت سريانية الأصل، مثل: ملكوت وجبروت وكهنوت، وقد ورد في القرآن عدد كبير جدًا من الألفاظ السريانية.
«جنة» في الأصل السرياني «جَنتا»، ومعناها الحديقة ذات الشجر، وذكرت في آية «في جنة عالية» الحاقة: 22.
«رحمن» في الأصل السرياني «رحمانا»، وهي إحدى صفات الله وأول اسم من أسماء الله الحسنى.
الألفاظ اليونانية في القرآن
هناك الكثير من الألفاظ اليونانية في القرآن منها:
«إبليس» في الأصل اليوناني «ديابلوس»، معناها كذاب ونمّام، وهو من أسماء الشيطان، وذكرت في آية «إلا إبليس استكبر» ص: 74.
«أسطورة» كلمة يونانية معناها أخبار تاريخية، وقد استعملها العرب بمعنى خرافات وحكايات، وذكرت في آية «وقالوا أساطير الأولين» الفرقان: 5.
«مرجان» في الأصل اليوناني «مارجارون»، ومعناها اللؤلؤ والدر، وذكرت في آية «يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان» الرحمن: 22.
اللغة النبطية في القرآن
وهي لغة كان يتكلم بها شعب الأنباط، وذكر جلال الدين السيوطي في كتابه “المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب” بعض الألفاظ النبطية في القرآن مثل:
«كوب» وفي الأصل النبطي «كوبا»، وهي الجِرار التي ليست لها عرى، وذكرت في آية «وأكواب كانت قواريرًا» الإنسان: 15.
«سفرة» كلمة نبطية ويُرجح أن تكون سريانية الأصل، تعني الكُتاب، وذُكرت في آية «بأيدي سفرة» عبس:15.
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال