العلم والإيمان أكثر تأثيرا من هيروشيما وناجازاكي
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يوم 6 أغسطس سنة 1945م حلّقت طائرة عسكرية أمريكية في سماء مدينة هيروشيما، وفي تمام الساعة 8.15 ص، بتوقيت المدينة، ألقت الطائرة قنبلة أطلق عليها اسم “الولد الصغير“، أول قنبلة ذرية يتم استخدامها، قنبلة واحدة قتلت في لحظة انفجارها نحو 100 ألف إنسان دفعة واحدة، ووصل هذا الرقم لقرابة 150 ألف مع نهاية العام، حيث مات 20% من المصابين، كما دمرت القنلبة نحو 90% من مباني المدينة وتحولت إلى أطلال.
بعد 3 أيام فقط، 9 أغسطس، ألقت طائرة أخرى قنبلة ذرية جديدة حملت اسم “الرجل البدين” فوق مدينة ناجازاكي، قتل على أثرها 80 ألف إنسان، ودمرت الغالبية العظمى من مباني المدينة.
وبشكل عام تشرد كل من نجا في المدينتين، وقالت التقارير إن الزراعة صارت مستحيلة في المدينتين لمدة لن تقل عن نصف قرن، بسبب الآثار الإشعاعية القوية، التي أدت لنشر أمراض سرطانية وتشوهات قاتلة لأجيال متتالية، أي حكمت بالموت أو الحياة المشوهة على أشخاص ولدوا بعد القصف بسنوات.
اليوم وبعد 75 عاما من الكارثة، تقف اليابان كواحدة من أقوى دول العالم وأكثرها تطورا وتقدما، قامت اليابان وبلا مبالغة كطائر العنقاء من بين الرماد.
منذ قرابة نصف قرن تعرضت مصر لضربة مزدوجة شبيهة، لكن يبدو أن آثارها التخريبية كانت أشد وطأة، فلم يُفق منها مجتمعنا حتى هذه اللحظة، وما زالت بلادنا متعثرة فيما خلفته كارثتنا المزدوجة إلى الآن، جاءت الضربة في سبعينيات القرن الماضي على يد الرئيس الراحل أنور السادات، فيما عرف وقتها بدولة العلم والإيمان، وكان جناحا تلك الدولة ثنائي قاتل العقل والمنطق في المجتمع د. مصطفى محمود والشيخ محمد متولي الشعراوي.
مثّل الأول العلم ومثّل الآخر الإيمان في دولة السادات اللعينة.. حوّل الأول العلم إلى دروشة وحوّل الآخر الإيمان إلى كوكتيل من التواكل والكراهية، قبل أن يتهمني أحد بالتجني على الرموز والرواسخ وما إلى ذلك.. تعالوا معي نستعرض ما يقدمه الرجلان، كل في مجاله، من تخريب نافذ الأثر حتى لحظة كتابة هذه السطور.
أولا العلم:
تولى د. مصطفى محمود عملية درْوشة العلم، فكان عبر برنامجه “العلم والإيمان”، الذي عُرض لسنوات على شاشة التليفزيون المصري، يقدم تهويمات ما ورائية في ثوب العلم، وبالطبع لا يمكن لأحد أن يرد عليه بنفس الانتشار، فليس هناك إلا تليفزيون الدولة والذي يؤمّن له الانتشار وعدم المعارضة.
فخرج علينا الدكتور مصطفى بنظرية لولبية عن موقع قوم يأجوج ومأجوج، وأنهم في القطب الشمالي حيث لا تغرب الشمس، هكذا فجأة قرر الرجل أن القطب الشمالي لا تغرب عنه الشمس.. وروّج لأسطورة الأرض المجوّفة وأن يأجوج ومأجوج يعيشون داخل جوف الأرض.
وفي موضع آخر حدّثنا العالم الجليل عن العلاج بدون جراحة ولا دواء ولا أي تدخل طبي، إنما العلاج بالصلاة.
وطبعا لم يدخر الرجل جهدا في تكفير الفنانين وشيطنة الفن قدر استطاعته.
ثانيًا الإيمان:
حارب الشيخ الشعراوي بضراوة من أجل تحطيم المجتمع المصري، عبر التخريب الاقتصادي ونشر التخلف العلمي ورسّخ لترْك إعمال العقل وكرّس للتواكل الغيبي وأخيرا وليس بآخر هدد السلم المجتمعي.
ساعد على نشر التخلف العلمي بتدخله فيما لا يعنيه ولا يفهم فيه شيئا، ألا وهو الطب، وأطلق فتاوى تحرم نقل الأعضاء وزراعتها.. بل حتى حرّم الغسيل الكلوي وأجهزة الإنعاش، ووصف كل ذلك صراحة بالكفر.
كل ذلك كان له عظيم الأثر في وفاة العديد من البشر، بالإضافة إلى التأخر العلمي في هذا المجال الموصوم بالحرمانية.
مارس الشيخ الشعراوي التخريب الاقتصادي عبر فتاواه التي وصمت قطاعات اقتصادية كاملة، منها السياحة، وهو أحد أهم قطاعات الاقتصاد المصري وواحد من أكبر مصادر العملة الأجنبية.
هذا الخطاب أدى إلى تسييل غالبية العمالة في قطاع كامل بلا خطط.. آلاف مؤلفة من الموظفين والعمال والتجار وأرباب العمل تركوا أعمالهم الناجحة وتوجه كل منهم للبحث عن مصدر رزق “حلال”، فجأة أصبح هناك آلاف المواطنين معهم مدخرات متفاوتة الحجم ويسعون لاستثمارها في مجال جديد بلا تحديد لهذا الجديد فقد صرفوا أعمارهم في مجال أصبح فجأة حراما وعائده حراما ونارا تُصبُّ في جوف أبنائهم.
لم يترك فضيلة الشيخ هؤلاء المتسربين من السياحة ليضعوا أموالهم في البنوك، فهي تعطي فوائد، والفوائد ربا، والقائمون عليها من الكفار وكل عائد منها حرام.. حرام.. حرام.. إلا لو كانت بنوكا إسلامية.
فوقع أغلب هؤلاء ضحية لشركات توظيف الأموال، التي، مصادفة، كان الشيخ نفسه يُبشّر بها عبر افتتاحه أغلب مشروعاتها والظهور في إعلاناتها التجارية، أو وضعوا أموالهم فيما عُرف بالبنوك الإسلامية، وهي بنوك خليجية شارك الشيخ نفسه في تأسيسها، بينما نزح آخرون للبحث عن استثمار مضمون، فانتشرت المشروعات الاستهلاكية، خاصة محلات المأكولات والمشروبات، ويسهل على من عاش هذه الفترة الزمنية ملاحظة الازدياد الكبير في عدد سيارات الأجرة والباعة الجائلين.
هدد الراحل السلم المجتمعي بإثارته الفتن بين مختلف الأديان، فهو أول من روّج للحديث عن تحريم المعايدة على غير المسلمين في أعيادهم.
بالإضافة لإثارة الفتن داخل الأسرة الواحدة، فصرح الشيخ بأحقية الرجل في الشك في بنوة أبنائه منه إذا كانت الزوجة غير محجّبة، وجعل كل رجل يرى زوجته تتزين عند خروجها من المنزل فاسقة فاجرة تعرض نفسها على الرجال، الأمر الذي أصبح مع الوقت مبررا للتحرش نعيشه حتى الآن.
وطبعا ما كان له أن يقول كل ما قال إلا لو كان بالتوازي يدعم السلطة دعمًا مطلقًا، وهو ما فعله فضيلة الشيخ في مارس 1978م حين انبرى للدفاع عن الرئيس الراحل أنور السادات قائلًا بالنص:
“والذى نفسى بيده لو كان لى من الأمر شيء لحكمت لهذا الرجل الذى رفعنا تلك الرفعة، وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة ألا يُسأل عما يفعل”
رافعا إياه إلى مصاف الآلهة في “تطبيلة” لا أظن أن نالها رئيس في العصر الحديث.
وها نحن بعد أكتر من نصف قرن من كارثة دولة العلم والإيمان نتخبط متأثرين بها، ولا نستطيع تجاوز آثارها التخريبية على عكس المجتمع الياباني الذي نجح في تجاوز كارثة التعرض لقنبلتين ذريتين في ظرف ثلاثة أيام.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال