همتك نعدل الكفة
663   مشاهدة  

الفنون التشكيلية في مصر بين ابداع الماضي والسخرية في الحاضر

الفنون التشكيلية في مصر ...... بين ابداع الماضي والسخرية في الحاضر


اختلف الباحثون في التراث الإنساني على الأسباب التي دفعت الإنسان الأول للرسم، تعددت الأسباب بين الرسم كنوع من تزجية الوقت، ولأسباب دينية، وأسباب نفسية(كنوع من التنفيس عن غضب أو خوف من مظاهر الطبيعة وحيوانتها المفترسة) .. إلخ

وتطور الفن التشكيلي بجميع أنواعه مع تطور الإنسان وزيادة احتياجاته الإنسانية، فهو أحد أسباب تخليد الحضارات السابقة والتي تنبئنا التماثيل والجدارايات والمقتنيات المنقوشة عن هذه الحضارات ومدى ما وصلت له من علوم وفنون وتقدم.

الحضارة المصرية القديمة وفلسفة السكون والخلود:

لكل حضارة فلسفتها التي قد لا يعيها الفنان في وقتها، وإنما يكون محركها الأساسي هو اللاوعي، وأهم ركيزتين في فلسفة الفن المصري القديم هما السكون والخلود.

المصري القديم اعتاد الانتظار، فهو دائما في انتظار لفيضان وانحساره، ليبدأ عملية الغرس وانتظار الحصاد وإعادة الكره مرة أخرى بشكل لا نهائي، ولهذا تأتي الفنون المصرية القديمة شبه عديمة الحركة إلا القليل والذي تكون فيه الحركة بسيطة جدا،غير ملاحظة.

الركيزة الثانية في فلسفة الفن المصري القديم هي فكرة الخلود، المصري القديم كان لا يحب الموت ويخشاه جدا ةالتي ارتبطت ارتباطا وثيقا بفكرة البعث والعالم الحسلب في العالم الآخر، فقام بابتكار العديد من الوسائل لمقاومة فكرة الفناء، فحارب الفناء الجسدي بفكرة التحنيط، وصناعة التماثيل والجداريات الضخمة، فالتمثال المصري القديم كان مصنوعا من أحجار شديدة الصلابة كالجرانيت والبازلت لمقاومة عوامل التعرية وعوامل الزمن، وجعلها مصمتة تماما فأجزاء الجسم ملتصقة ببعضها البعض مما يجعل التمثال أشبه بالكتلة الضخمة فلا مجال لوجود فتحات ينفذ من خلالها الهواء أو أيٌّ من عوامل التعرية.

وكانت الكتابة أيضا وسيلة مهمة جدا وطقس ديني مهم على جسد التمثال، فكانت أيضا فكرة التمثال الكتلة، وهذه التماثيل حققت فكرة التجريد قبل التجريد بسبعة آلاف عام، فلو جردنا الكلمات من المعاني سوف نجدها حرف، ولو جردنا اللوحات من من التكوين،سوف ترجع للخط واللون وكذلك الجسم سوف يصبح كتلة..

وعلى الرغم من إندثار الحضارة المصرية القديمة ودخول مصر في سلسلة طويلة من الاحتلال من عدة دول بدءً من العصر اليوناني مرورا بالروماني والعربي، إلا أن الفن كان في حالة تطور دائم على حسب المستجدات على الساحة .

فمع دخول المسيحية مثلا ومنع التحنيط لأنه من المظاهر الوثنية لجأ المصريون للرسم على الكفن ثم بدأ برسم البورتريهات حتى اكتشف العالم بورتريهات الفيوم، ثم الفنون القبطية وفنون الإيقونات، وامتزج الفن المعماري المصري القديم بالفنون القبطية لتظهر في عمارات الكنائس، ثم مع التحول للإسلام، وتطير المسلمون الأوائل من النحت والرسم، ابتكر المصري المباني الضخمة في المساجد والنقوش والزخارف، والتخايل برسم الزخارف النباتية وغيرها، بالإضافة لفنون الزجاج والنسيج وغيرها، فلم يوقف الفنان المصري عن الابتكار منذ بدايته..

الاحتلال العثماني واضمحلال الفن:

لم يكن الاحتلال العثماني لمصر كغيره، بالطبع لا يوجد احتلالٌ أفضل من الآخر، إلا أن الاحتلال التركي كان الأسوأ على الإطلاق في عدة مناحي وأهمها هنا هي تفريغ المجتمع المصري من محتواه الفني يقول الفنان جمال قطب في كتابه (ملهمات المشاهير) أن السلطان العثماني سليم الأول قد قام بنقل  جميع الفنانين المصريين متضمناً شيوخ الطوائف والعمال والمتدربين وتم الاستيلاء على مشغولاتهم الفنية القيمة، على قافلة من ألف جمل إلى الأستانة كي يقوموا ببناء الدولة الجديدة، وقد نتج عن هذا انقراض خمسين حرفة فنية مصرية بشكل نهائي، بالإضافة إلى العزلة التي تم فرضها على المصريين وعدم اختلاطهم بأيةِ دول أخرى أو ثقافات أخرى خارج حدود الدولة العثمانية مما أدى إلى انقطاع مفاجيء بين المصري والفن وعدم تطوره مع الموجات الفنية الحديثة في العالم، بالإضافة لعملية التجهيل الممنهجة التي مورست ضد الإنسان المصري، وقد استمرت تلك الحالة لمدة أربعة قرون، قد يقول قائل أنها فترة زمنية ضئيلة في عمر دولة كمصر، نعم هي فترة قصيرة في عمر مصر، ولكن تم الهدم الثقافي فيها بشكل ممنهج مما جعل هناك صعوبة لدى الجماهير العادية في استيعاب الفن الحديث وتطوراته، أو الاهتمام بالقديم.

فمع مجيء الحملة الفرنسية والانبهار بما حدث في العالم كان الفكر المصري مهتم أكثر بالتطور الحربي والسياسي، ومحاولة النهوض مرة أخرى.

إقرأ أيضا
بئر المسيح في تل بسطة

فمحمد علي استقدم الفنانيين الأوروبيين لرسم لوحاته وبناء قصوره وسار خلفاؤه على نهجه، خاصة الخديوي إسماعيل فكان الهم الأكبر هو جعل مصر قطعة من أوروبا دون النظر إلى التراث المصري السابق، فخلق هذا نوعا من الشعور بالغربة بين المصري العادي وهذا النوع من الفن، قد يعجب به ولكنه لا يفهمه ولا يتفاعل معه، فلم يقم أحد برتق الفجوة الفنية السابقة، فكانت الفنون الأوربية هي سيدة الموقف.

تعتبر حالة المثال المصري محمود مختار دليلا على فهمه لطبيعة الإنسان المصري واحتياجاته الفنية، حينما قدم مشروع تمثال نهضة مصر في صورة الفلاحة التي تضع يدها على رأس أبي الهول، فقد خاطب الحس الفني الدفين المطموس في نفسية المصري، فاكتتب المصريون وساهموا في صنع هذا التمثال، وكان هذا الفكر متسق مع الحراك السياسي والاجتماعي المصاحب لثورة 1919 حيث كان استلهام كل ماهو مصري ، فيوسف وهبي يؤسس فرقة رمسيس، وطلعت حرب يؤسس بنك مصر، وآسيا تقوم بإنشاء شركة لوتس فيلم للانتاج السينمائي، فكان التاريخ المصري القديم هو الأساس الذي اتكأ عليه المصريون لاسترداد هويتهم الفنية المفقودة.

لهذا لا يزال هناك فجوة كبيرة بين الفن الحديث والمتلقي المصري العادي، بل إنه يتعامل معها بسخرية شديدة، عزز هذه السخرية القائمين على الفن السينمائي كشخصية عيسوي في فيلم يا رب ولد التي أداها أحمد راتب، والسخرية من الفنون التجريدية التي قام بها عادل إمام في بعض أفلامه كفيلم عريس من جهة أمنية، وغيرها من الأفلام، والمشاهد، بالإضافة إلى انتصار القبح طوال الوقت بهدم الفيلات والقصور الأثرية بناء أبراج شاهقة على أطلالها، واستباحة اللآثار المصرية بالبيع لمن يدفع أكثر دون وجود، خطة ثقافية حقيقة لعودة الطبيعة الفنية الحساسة للإنسان المصري.

هذا لا يعني أنه لم تكن هناك محاولا ت جدية فهناك محاولات الفنان المصري حسين يوسف أمين والذي أسس في الثلاثينيات جماعة الفن المصري المعاصر والتي ضم إليها طلبة المدارس الثانوية من الموهبين، وكان بها محمود الجزار وحامد ندا وغيرهم، وحاولوا أن ينتجوا فنا مصريا خالصا بعيدا عن موجات التغريب، وعلى الرغم مما حققته من نجاحات إلا أنها مع الوقت انحسر دورها لصالح القبح المسيطر على المجتمع المصري.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان