الفن الرمضاني مابين القرن ال20 و الـ 21

وكانت بدايات أي كاتب دراميا تبدأ من قدرته على الاستحواذ على آذان الناس أولا عبر الراديو بمسلسلاته الدرامية ولم يكن هناك أشهر من مسلسل ألف ليلة وليلة الذى استمر يذاع لمدة 26 عاما من تأليف طاهر أبو فاشا وإخراج محمد محمود شعبان وتمثيل زوزو نبيل فى دور شهرزاد وعبد الرحيم الزرقانى فى دور شهريار وبالطبع ظل هذا المسلسل من أهم العلامات التى تذكرنا بالشهر الكريم وهو الأكثر معالجة فى كل الوسائط فغنت أم كلثوم أغنية ألف ليلة وليلة حتى لو كانت بعيدة عن كتاب الحواديت الشهير فلا شك أنها تعيد للذاكرة مشهدا من مشاهده ومثلته نجلاء فتحى مع حسين فهمى فى رمضان 1984 ثم عاد طاهر أبو فاشا لمعالجته مع شريهان وعمر الحريرى دراميا مقسمة إلى جزء درامى هو عروس البحور والجزء الثانى فوازير قدمت فيها شريهان استعراض حول أشخاص ودول .. الخ رمضان 1985 ثم جاءت نيللى ومحمود قابيل فى معالجة درامية كوميدية فانتازية عام 2000 تعالج نفس القصة بطريقة كانت الاخف دما بين كل المعالجات السابقة ثم فى رمضان 2015 ظهرت معالجة مختلفة قليلا فى ان يكون والد شهريار هو الذى اكتشف خيانة النساء وأوصى شهريار باستكمال المذبحة الشهيرة من بعده كانت من بطولة شريف منير ونيكول سابا .

جدير بالذكر أن كل هذه الأعمال تستعين بموسيقى كورساكوف المسماة شهرزاد التى كان متأثرا فيها بالليال العربية لالف ليلة وليلة فى بلاد فارس والمرتبطة فى الذهن العالمى بالشرق الاوسط فى العصور الوسطى .

تم تقديم هذا العمل لأول مرة عام 1888. في البداية قام الملحن بتسمية الحركات الأربعة التي يتألف منها هذا العمل بالطريقة التقليدية: Prelude ، Ballade ، Adagio و Finale. لكنه استقر فيما بعد على عناوين وصفية يفوح منها عبير الشرق بناءً على حكايات شهرزاد فأصبحت أسماء الحركات:

1.      المقدمة: البحر وسفينة سندباد (El mar. El barco de Simbad )
2.      الأمير كالندر (The Story of the Kalandar Prince)
3.      أشهر حركة: الأمير والأميرة (The Young Prince and the Young Princess)
4.      مهرجان بغداد – البحر- التحطم (..Festival at Baghdad. The Sea. Ship Breaks)

في مذكراته ، قال ريمسكي كورساكوف: “كل ما كنت أتمناه: إذا أحب المستمع الموسيقى، ينبغي أن يشعر بالانطباع الشرقي لبعض عجائب الحكايات العديدة والمتنوعة في العمل وليس فقط مجرد أربع حركات عُزفت واحدة تلو الأخرى.”

قبل أن يجيء بأسبوع .. ما هي الطرق الخمسة التي ينبغي استقبال شهر رمضان بها ؟

ومن عجائب الأقدار أن ترتبط آذننا نحن أبناء الحضارة العربية الحديثة بالكمان هذا الارتباط العجيب الذى بات مرتبطا بدراما الحواديت لدينا فى شهر رمضان وأجواء السحور والافطار.

فى القرن الواحد وعشرين .. زاحم الدراما فى رمضان أشياء كثيرة مع انتشار الفضائيات والسوشال ميديا والدعاة الجدد .. فنرى البرنامج الدينى فى السحور والذى كان يقدمه قديما شيخ الأزهر فى حديث الروح .. بات لدينا أسماء هامة كل له برنامج ثابت او متأرجح كل رمضان “عمرو خالد ومعز مسعود ومصطفى حسنى ” قبل ان يتجه معز مسعود للانتاج السينمائى والدرامى.

ثم طوال نهار رمضان لاتفعل الام المصرية شيئا سوى ان تختار لها قناة طبخ طوال اليوم تتابعها ويظل الأبناء يحلمون بتغيير المنيو التقليدى لما يصنعه الشيف حسن أو الشيف شربينى وابنه علاء أو نجلاء .. لاتهم الأسماء طالما كان هناك معذبين فى صيامهم وراء الكاميرات ووراء الشاشات مما يتفنن هؤلاء الطهاة فى عمله فلا يتركون شيئا يفرز فى الجهاز الهضمى بدءا من اللعاب حتى العصارة المعدية إلا وأثاروه إثارة الحرمان كل هذا ولم يؤذن العصر بعد .. وكان العصر يؤذن لدينا اى مايعنى قرب المغرب فى السعودية فتذيع mbc برنامج احمد الشقيري خواطر لنرى فيه جوانب الحضارة الغربية المبنية على قيم إسلامية بالأساس لانطبقها . . ثم تتمايل دقات الساعة فى أرجحة عقاربها كما يصف ذلك فؤاد المهندس فى أغنيته التى يشاكس بها زوجته شويكار “العقرب ماشى بيدلع على مهله ليه ” وكأنه لم يكفيه صراخ صباح منه فى الراجل ده هيجننى حتى أثار أعصاب شويكار أيضا حتى عاقبته بعدم تحضير الافطار .. وينادي المهندس أمه لتنجده من نساء هذا العصر اللواتي تركنه يموت جوعا .

لكن هذه الأغنيات اللطيفة لم تعد تذاع كثيرا سوى على القنوات المصرية المحلية فقط مثل القنال والدلتا والإسكندرية وتكتفى باقى القنوات الخاصة بإذاعة أغانى محمد منير وحمادة هلال وإيهاب توفيق ثم يضرب المدفع أخيرا ويؤذن نصر الدين طوبار ومحمد رفعت من أشهر مآذن القاهرة الأزهر والحسين على قناة ماسبيرو زمان فقط وأصوات مجهولة أخرى  تؤذن مع صور مشاهد طبيعية وجداول مياه على باقى القنوات ثم تأتى فقرة الأطفال المحببة من الرسوم المتحركة من شركة كايرو كارتون ود.منى أبو النصر فى اذاعة جزء جديد من بكار أو سوبر هنيدى .

ايه اللي يفطر.. معلومات مهمه لازم تعرفها مع صيام رمضان

سباق الفن الرمضاني

إقرأ أيضا

“حول أدلة وجودها بمصر” أسئلة قديمة جديدة قدمها فيلم رأس الحسين فكيف أجاب عنها

بعد الفطار تلتئم الأسرة لمتابعة مشاهير نجوم القرن العشرين المشهورين بتقديم أعمال فنية مثل الراحل نور الشريف ويحيى الفخرانى ويسرا ثم عادل إمام ويلحق بالسباق الرمضاني نجوم شباك التذاكر أحمد السقا وأمير كرارة وكريم عبد العزيز ومحمد رمضان ونيللى كريم ومنى زكى وياسمين عبد العزيز ودنيا سمير غانم ثم باختفاء الجيل الأقدم تدريجيا بدأ ظهور دينا الشربينى وأمينة خليل وطبعا من يضيع وسط كل هذا الزحام لاينسى أن إعلانات رمضان والمؤسسات الخيرية كفيلة بتعويضه عن عدم الظهور دراميا وهكذا دواليك يطير وقت الاعلانات حتى مع باقى تطبيقات السوشال ميديا فيس وانستجرام وواتس وتيك توك حتى وقت السحور وبداية يوم رمضانى جديد .

أحببت فكرة تقسيم المقال تاريخيا فى التطور الفنى عبر رمضان القرن العشرين والواحد وعشرين ولأننى متابعة جيدة بحكم عملى فى الميديا والسينما معا استطعت تقسيم اليوم الرمضاني بحسب التوجهات الأسرية تجاه الشاشة والميديا ولكنى لا أظن فى طول اليوم الذى ذكرته أن أدرجت أي عبادات أو تعاملات أخلاقية جاء رمضان ليحيى نفوسنا الظمأى لها .. فمع وجود عصر الوباء وفقداننا الأحباب كل رمضان نعرف أن الله قد لايمدنا برمضان آخر قادم ولذلك فانى أتمنى أن لاينسى الناس المهمة الأولى التى جاء بها رمضان إلينا بها وهى عبادة الله سواء صلاة وصوما وزكاة أم عبر صلة الرحم واكرام جار ومساعدة محتاج .

أعلم أنني قد أكون من المتضررين مع زملائى  بفشلنا فى لفت إنتباه الناس إلينا فى رمضان ولكن لايهم فشلنا .. لدينا مواسم أخرى تعوضنا خارج الموسم الرمضاني .. لكنك أنت لو خسرت موسم رمضان فأى موسم يصلح لك أن تعوض نفسك فيه . . لقد كنا نستمتع بالفن قديما عبر لحظات سحرية قصيرة فندرك قيمتها قبل تشويش التلفاز والراديو ثم يبقى لنا الليل لمناجاة الله .. كان الفنانون ضيوفا خفافا يقدسون حرمة الشهر .. لكن الفن الآن أصبح يحاصرك ويلهيك ويتآمر على عباداتك وبات موجودا كأهل المنزل لن يغادر البيوت حتى بعد انتهاء الشهر سيظل موجودا ومعادا .. لكن رمضان لايعاد سوى مرة واحدة فى العام وربما العمر .

أسأل الله العظيم أن أكون قدمت بمقالى هذا لذة اتصال جيدة بتاريخ الفن الرمضاني وبيان اعتزازى به طوال قرنين من أعظم عصور الفن المصرى ورغم ذلك لم أجرح رمضان فى قدسية عباداته وجمال طقوسه التى لم نعرف روعتها الا بالفن الأصيل .