الفيلم الوثائقي صول.. الحياة سلم موسيقى
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
حتى الأبطال الخارقين يحتاجون للراحة، تصنف سينما الأبطال الخارقين كونها سينما خيالية، ولكن في الحياة الحقيقة هناك الكثير من الخارقين، وبطولتهم هي القيام بأشياء خارقة للطبيعة، رغم بساطتها وعاديتها بالنسبة للأخرين، وفي رأيي أن الموسيقي السوري جابي صهيوني والذي يروي الفيلم الوثائقي “صول” للمخرجة زهرة البودي سيرته الذاتية، بطلًا خارقًا لا لأنه موسيقي وهو كفيف أو قعيد، ولكن لأنه استطاع الحياة والاستمتاع بها، صول فيلمًا وثائقيًا عن الحياة رغم كل شيء.
حينما يحكي البطل عن نفسه
في البداية يستخدم صناع فيلم صول ومخرجته زهرة البودي تكنيك في كتابة السيناريو، وهو الحديث عن الشخصية قبل ظهورها، كان الهدف من هذا التكنيك هو إضفاء قوة للشخصية، فالسمع عن الشخصية يجذب المشاهد ويمهد لظهور شخصية قوية وذات ثقل، ومع إضافة لقطات تبدو مبهمة في البداية مثل ألعاب البلاي ستيشن والبلي وغيرها في مفتتح الفيلم استطاع أن يحقق عنصر جذب جيد للمشاهد واستكملوا الأمر مع ظهور شخصية جابة في البداية بالصوت فقط قبل رؤيته، كان هذا التمهيد الجيد والمناسب تمامًا للقالب الذي جاء فيه فيلم صول.
من اللحظة الأولى يحملك صول داخل رحلة تبدو عادية للغاية قبل أن تكتشف أنك أمام ما هو أكثر بكثير من فيلم يروي سيرة شخص تحدى إعاقته المركبة سواء كانت إعاقة بصرية أو حركية، أنت تعيش مع شخص مراحل حياته والتي قسمت بحروف السلم الموسيقى، من وجهتي نظر شديدتي القرب، وجهة نظر المقربين منه، والأهم والأجمل هي وجهة نظره هو، كأنما يحكي بطل أسطوري عن نفسه، المختلف في الأمر، أن الجميع يتحدث عن جابي كونه بطلًا خارقًا ولكن جابي نفسه لا يرى ذلك.
إبحارًا في نفسية البطل الخارق، الذي يرى أن ما يفعله ليس ببطولة، ولكنه ببساطة محاولة منه للحياة، هذا ستراه واضحًا في كل كادر، الأمر عادي وبسيط للغاية، وهذا ما أكدت عليه مخرجة الفيلم زهرة البودي باختيارها لتصوير الفيلم على هيئة يوميات تسجل بكاميرات بسيطة، فلا عمليات تصوير معقدة ولا حركة كاميرا ذات بهرجة، فكانت الصورة تنساب مثلما تنساب الحكاية خطوة بعد خطوة ومرحلة بعد أخرى.
الحياة صوت ونغم
اللافت للنظر أيضًا في بناء الفيلم، هو درامته غير المقحمة أو المفتعلة، فحياة جابي بها من الدراما ما يكفي، بها من الصراع ما يكفي وهو صراع معقد داخل نفسية البطل وخارجه، داخله في تحديده هو نفسه لما يمر به وقدرته على التأقلم بل والتميز رغم إعاقته، وخارجيًا هو قدرته على المواصلة، لدرجة أن المحيطين ينسون في كثير من الأوقات أنه مختلف، حينما يهزمهم في لعبة البلاي أو ألعاب الفيديو أو يشاركهم مشاهدة المباريات، هم ينسون أن جابي يسمعهم فقط لا يراهم.
يتحدث جابي في الفيلم ببساطة عن قدرته على لعب ألعاب البلاي ستيشن مستعينًا بالصوت فقط، مثل صوت الجمهور في ألعاب كرة القدم، هو يتحدث عن الأمر ببساطة واعتيادية شديدة، بينما الأمر نفسه يحتاج لمن هم في مثل حالته الصحية إلى مهارة وقدرة تفوق الوصف، لا ينجح فيها كل فاقد للبصر، جابي شخص استطاع أن يجعل من الأذن عين، وكأنما الحياة بكاملها بالنسبة له هي سلم موسيقى ممتلئ بالنغمات، لذلك أحبها.
البعد عن تقنيات التصوير المعقدة، والتصوير على هيئة اليوميات كان هو الاختيار الأفضل لهذا الفيلم، خاصة واستخدام المشاهد المصورة لحياة جابي، وأن كان الخروج في لقاءات سواء مع عائلة جابي أو أصدقائه خاصة في الثلث الأول من الفيلم كان يخل بإيقاع الفيلم ويصيبه بالرتابة، ولكن التقليل من مشاهد اللقاءات والاعتماد أكثر على صوت الضيوف تعليقًا على مشاهد مصورة من حياة جابي أعاد الحيوية إلى إيقاع الفيلم أكثر، وحتى إن كان اللجوء إلى اللقاءات في البداية مبررًا لقلة المادة المصورة عن فترة طفولة وصبا جابي، ولكن كان هناك حلولًا أفضل من إطالة عمر اللقاءات على الشاشة.
صول تجربة وثائقية إنسانية تبحر معك في فلسفة الحياة نفسها، وأن البطولة الحقيقة في الحياة هو قدرتك على استمتاعك بها، ومعايشتها والوصول لما تحب، نغمات موسيقية متصلة على سلم من الصعوبات والعقبات، اجتازها إنسان احترف الحياة رغم أنها حرمته من البصر والحركة، ولكنه أراد الحياة فلم يسير ولكنه حلّق.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال