القاهرة الإخبارية .. سفينة في بحر القروش
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
“ما مصدرك”؟ .. سؤال يقوله الجمهور في التعليق الأول لأي منشور فيسبوكي يحمل بين طياته طيفًا خبريًا أو معلوماتيًا، حتى إن الكثيرين ممن يتولون مهمة قول الخبر يتباروا بإثبات صحة الخبر في مساحة أكبر من الخبر نفسه، ذلك لأن الجمهور -وهذا حقُّه- أصبح متشككًا في مصدر الخبر بعد سنوات من الغرق في وحل الإشاعات، والنصف إشاعة، والرُبع إشاعة، والمعلومة الصحيحة التي تحمل مصطلحات معينة تغير من مضمونها، والمعلومة الصحيحة ذات المصطلح الصحيح لكنها تأتي في إطار إيحاء جسدي من المذيع المُدَرَّب جيدًا على تشويه المعلومة الصحيحة دون المساس بها.
“ما مصدرك؟” .. سؤال يسأله القارئ واضعًا يده على قلبه، متحفزًا يكاد الشك أن يفجّر رأسه .. حيث لا مصدر مأمون بنسبة ١٠٠٪ بالنسبة له، فقد سمع في العقد الأخير ما لم يرى في الواقع، ورأى في الواقع ما لم يسمع، حتى نزلت قناة “القاهرة الإخبارية” إلى سوق المشاهدة المصرية والعربية .. وقد سبق البث حملة دعائية لا بأس بها من الشاشات حتى اللوجو الملصق على أجساد الأتوبيسات في شوارع القاهرة.
شارع الهرم ومأزق الخيال السعودي الذي أحرج بلاده على تويتر
وفي زمن، أصبح للجمهور- كل الجمهور- إمكانية في صناعة الخبر، يظن الناس أن إمكانية صناعة مؤسسة صحفية إخبارية بسهولة بمكان في وسط جوًا من انفتاح لم يشهده العالم في ثورات التواصل السريع، لكن المغالطة التي ننزلق إليها هو أننا نسينا أن تحقيق الشهرة الحقيقية ذات الثقة في وسط جوًا من الشُح في الميديا أصعب من جوًا فيه من السيولة ما يأخذ (العاطل مع الباطل) ، وما يجعلك لا تميّز بين الغث والثمين .. لكن قناة القاهرة الإخبارية كانت قد شمَّرت الساعد ونزلت إلى الملعب، وكان التأثير في البداية لا بأس به، كالسائر في الرمال بخطوات ثابتة لكنها راسخة، وراسخة جدًا، إلى أن حدث ما حدث.
وما حدث يعلمه الجميع، عندما طارت قوات المقاومة الفلسطينية إلى غلاف غزة وقد صنعت زلزالًا عالميًا على مقياس ريختر يمكن أن يصل لدرجة المليون، وقد بدأت في تلك اللحظة الاختبار الحقيقي لمؤسسة لقناة الإخبارية، والتي كان كوادرها على قدر عالِ من تماسك الأعصاب أمام هذا الحدث الهائل، والزخم الكبير في الأحداث المتتالية، والتحليلات الدقيقة، والنقل السريع للأحداث حيث المراسلين على مستوى رفيع من المهنية والحصافة، والمذيعين على قدر شديد الأناقة والهوية التي تفوح منهم رائحة مبنى ماسبيرو، والعمل على مدار الساعة بنفس درجة اليقظة والقوة ما جعل المشاهد يصدّق في قرارة نفسه أن لديه كيانًا وطنيًا يمكنه منافسة عمالقة الإعلام الخبري العربي .. وكما يُعرف الذهب بالنار، فصلابة القاهرة الإخبارية قد قيست بأحداث غزة، فأصبح لدينا سفينة آمنة تسير وسط القروش المفترسة لعقل وقلب المشاهد بالإشاعات بدرجاتها، حيث نطمئن الآن أن لدينا شاشة إذا نقلت عنها الخبر في منشور وسألك القارئ “ما مصدرك؟” .. أجبت بكل ارتياحية : القاهرة الإخبارية !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال