لماذا غاب الظهير السوداني عن مصر وتنمردت أديس أبابا على القاهرة

الضبابية مع مصر هي شعار السودان في مسألة سد النهضة، ورغم التوقعات أن تكون هناك وحدة في الرؤى والرأي بين القاهرة والخرطوم لكن هذا لم يحدث منذ بداية الأزمة وذلك لتجدد نقاط خلافية قديمة بين البلدين، فالسودان على قناعة أن مصر استولت على حلايب بقوة السلاح وأن حلايب أرض سودانية، كذلك يتهم السودانيين الإعلام المصري بأنه تنمر عليه، وحتى لو كانت العلاقة على المستوى الشعبي ممتازة لكن الأنظمة لا تتعامل مع بعضها بالمشاعر الجياشة.

العلاقة بين عمر البشير وحسني مبارك لعبت دورًا رئيسيًا في سوء العلاقة بين البلدين، فحين صعد البشير للحكم وأطاح بالنظام الجمهوري الديمقراطي للرئيس أحمد الميرغني قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات على النظام الجديد، لولا تدخلات الرئيس الأسبق مبارك، بالإضافة للدور السياسي المصري لدعم السودان لوجستيًا.

زار مبارك فرنسا للاحتفال بمرور ٢٠٠ عام على الثورة في الفرنسية في احتفال مهيب وطالب الرئيس الأمريكي بعدم توقيع قانون العقوبات الدولي الأمريكي على السودان والذي يعاقب أي انقلاب على حكومة شرعية لمدة ٦ أشهر، استجابت أمريكا واستجاب كذلك الخليج لدعم النظام الجديد في السودان.

اقرأ أيضًا 
محاولات إثيوبيا للسيطرة على النيل “بدأت مع الحملات الصليبية وكلها فشلت”

مع غزو العراق للكويت وهو الشيء الذي كانت مصر ترفضه بقوة قامت السودان بتأييد صدام حسين وهو ما أعطى ضربة للثقة بين مصر مبارك وسودان البشير وتفاقمت أزمة الثقة لتصل إلى ذروتها بمحاولة اغتيال مبارك في أديس ابابا ورفض النظام السوداني تسليم جماعات الجهاد التي تتضرب على أرضه بزعامة عمر عبد الرحمن الدينية،  وتورط السودان في العملية لتنشب الحرب الكلامية الباردة بين السودان ومصر وتغيب الأخيرة عن الحضور الإفريقي.

اقرأ أيضًا 
لماذا يجب أن تختار السودان مصر دونًا عن إثيوبيا “بعيدًا عن الإنشاء التاريخي”

الجفاء بين السودان كدولة مع مصر ترعرع بالطُعْم الذي ألقته إثيوبيا لضمان الوحدة بين أديس أبابا والخرطوم وهو أن الأخيرة ستحصل على كهرباء بأسعار جيدة وبدلاً من أن تستفيد السودان بـ 300 ميغا واط ستحصل على 1100 ميغا واط بمجرد بناء السد؛ كذلك فإن السودان زراعيًا اقتنع بأن سد النهضة سيؤثر عليه بمزايا متعددة أهمها منع الفيضان من تغريق الأراضي وضمان فشل الجفاف في تبوير الأراضي حيث ستجري المياه في الأراضي وتنقذ المحصول.

بين إثيوبيا ومصر

مد وجذب وركود اتسمت به كافة جلسات التفاهم بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة، حتى دخلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى طاولة التفاهم وقدمت وثيقة قامت مصر بالتوقيع عليها وهي تتناول المعدل الزمني لمراحل ملء سد النهضة ووضع خطط وحلول فيما لو حدث جفاف أو فترة شح مائي خلال عمليتي ملء سد النهضة وتشغيله.

كان لافتًا خلال الوساطة الأمريكية أن السودان غاب عن التوقيع وهو نفس موقف إثيوبيا إذ طالبت وزارتي الري والخارجية في الخرطوم وأديس أبابا مهلة زمنية للتفكير وعرض المسألة على صناع القرار في البلدين.

بعد فترة قررت إثيوبيا رفض الوساطة الأمريكية فأديس أبابا تمسكت بالمعدل الزمني الذي يقول أن يمتلئ سد النهضة خلال 4 أعوام ولا تزيد عن سبعة، بالإضافة لعملية توليد الطاقة الكهربائية والحفاظ على المعدلات الإنتاجية خلال 6 سنوات تبدأ من 2010 وتنتهي حتى 2026 م.

أما مصر فتتبنى وجهة نظر تقول أن يتم ملء سد النهضة في 12 عام ولا تزيد مدة الملء عن 21 عامًا، وهو الشيء الذي ترفضه إثيوبيا لأنه بحسب وجهة نظرها أنه يحرم أديس أبابا من كافة الحقوق المائية لها بنهر النيل.

السد بالنسبة لمصر وإثيوبيا

طيلة 7 سنوات لم تنجح مصر والسودان وإثيوبيا في الوصول إلى حل واتفاق باستثناء اللقاء الذي جمع الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي حيث وضعوا خطوطًا عريضة للاتفاق دون أن تكون عملية.

رؤية مصر وإثيوبيا لسد النهضة مختلفة في التفاصيل لكنها متفقة على شيء واحد وهو أنه صار أمن قومي سيادي وسياسي بالنسبة للقاهرة وأديس أبابا ولم تنجح الأخيرة في تحقيقه بسبب مصر منذ عصر جمال عبدالناصر وهيلاسيلاسي الذي زار القاهرة أكثر من مرة.

كان الإمبراطور هيلاسيلاسي أحد المفتونين بالحلم القديم وهو إنشاء سد مائي منذ الخمسينيات، لكن لعوامل سياسية ومالية لم تنجح أديس أبابا في تنفيذ الحلم، وكان مفترض أن يموت الحلم مع هيلاسيلاسي بنظامه الامبراطوري، لكن حلول عصر مليس زيناوي أيقظ الحلم مرة أخرى حينما ظهرت البوادر التصنيعية والبنى التحتية داخل أديس أبابا بإنشاء مصانع وكباري ومدن وإحداث طفرة في النقل والمواصلات، فتم العمل على كتابة مشروعات ودراسات جدوى متعلقة بسد النهضة.

لا يتوقف سد النهضة عند حد أنه حلم سيادي بالنسبة لإثيوبيا بل صار شعبيًا أيضًا، إذ قام كل الإثيوبيين بشتى شرائحهم وطبقاتهم بالتبرع للسد، جنبًا إلى جنب مع رجال الاقتصاد داخل أديس أبابا بالإضافة لحشد كل هيئات الحكومة، فضلاً عن الإثيوبيين في الخارج.

أما مصر وإن كانت لا ترفض فكرة أن تقوم إثيوبيا ببناء سد النهضة لكنها تبدي رفضًا للسياسة الإثيوبية في الجدول الزمني الذي وضعته أديس أبابا لأن هذا يعني التأثير سلبًا على الحصة المائية لمصر خاصةً وأنها تعاني من الفقر المائي، فتقوم مصر بتقديم كل الحلول لوضع خطة زمنية للملء وخطط أزمات الجفاف بالإضافة لدراسات بيئية وصحية للسد.

الخلاف المصري الإثيوبي وإن كان متشعبًا لكن هناك نقطة شديدة العمق في عدم التفاهم بين القاهرة وأديس أبابا وهي مسألة منسوب الماء داخل بحيرة سد النهضة، فإثيوبيا تريد أن يظل معدل منسوب الماء في البحيرة أعلى من 595 متر، بهدف نجاح السد في إنتاج الكهرباء، أما مصر فترفض هذا الأمر شكلاً وموضوعًا لأن تنفيذه يعني انخفاض مقياس الماء داخل بحيرة ناصر، كذلك تطالب أديس أبابا القاهرة بأن تقوم بعملية تمرير 40 مليار مكعب من الماء أثناء الجفاف إلى إثيوبيا بينما تقوم الأخيرة بتمرير 35 مليار متر مكعب للقاهرة، ولعل ما يشجع إثيوبيا أن مصر تخلت عن 49 مليار متر مكعب من الماء إلى السد العالي.

إقرأ أيضا

كيف كانت حركة طبع القرآن في حرب أكتوبر مع الكتب الدينية ؟

الوضع الداخلي الإثيوبي إزاء سد النهضة

لم يتناول الكثيرين الداخل الإثيوبي سياسيًا وشعبيًا خلال التشاور بين مصر والسودان وأديس أبابا، فالإثيوبيين على المستوى الشعبي أعلنوا رفضهم للتدخل الأمريكي الذي يمثل بالنسبة لهم طوق النجاة لمصر.

ومن ناحية آبي أحمد فقد لاقى اتهامات بأنه تنازل كثيرًا وفرط في حقوق شعبه الذي قدم الغالي والنفيس لبناء السد حين نجحت مصر في جعل العالم يرفض فكرة التمويل للسد دوليًا، كذلك فإن لغز جريمة القتل التي تعرض لها سيمنجنيو بيلي مهندس السد لم تُحَل حتى الآن واكتفت السلطات بتقييدها على أنها حالة انتحار.

وسط كل هذه الضغوط ظهر رئيس الوزراء الإثيوبي في ثوب المعالج لكافة نقاط الخلل في مشروع سد النهضة وشن حرب إدارية حكومية ضد الشركات التي تعاني من العسر المالي، فيما لجأ لمبدأ العناد ومد الوقت في التفاهم مع مصر، من باب أنه لن يتراجع عن تنفيذ المشروع.

تويتر الإثيوبي كان له دوره في الإعلام الدولي إذ لجأ الشعب إلى تدشين هاشتاج #Itsmydam لتوصيل رسائل مفادها أن المشروع الكبير هو يخص الشعب في أديس أبابا وليس الحكومة ولا النظام الذين يفرطون أمام الضغوط الخارجية، معتبرين أنهم مستعدين لخوض حرب ضد من يمس حلمهم ويكرروا سيناريو معركة عدوة التي لقي فيها الإيطاليين هزيمة من الأحباش قوبلت بالحرب الكيمائية.

موقف مصر إزاء ما يجري

استنفذت مصر كل الحلول الدبلوماسية الثلاثية بالوساطة الأمريكية التي شهدت غيابًا للسودان وإثيوبيا، وتنامت الأصوات داخل القاهرة بضرورة استخدام الحل العسكري الذي بات في ذيل قائمة الحلول المصرية، لكن الورقة الحالية والأشد خطرًا على إثيوبيا هو تدويل الحل الذي بدأ اليوم عبر سد مجلس الأمن.